تنحي مسعود ومصير "البارزانية السياسية".. المشهد دون بارزاني
٣٠ أكتوبر ٢٠١٧أعلن مسعود بارزاني الأحد (29 تشرين الأول/أكتوبر2017)، في رسالة تليت أمام جلسة مغلقة لبرلمان إقليم كردستان-العراق، عزمه "ترك منصبه" بعد الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، رافضاً "التعديل على قانون رئاسة الإقليم، أو تمديد فترة رئاسة الإقليم".
وكان برلمان كردستان العراق قد قرر الأسبوع الماضي تجميد عمل هيئة رئاسة الإقليم التي تضم بارزاني ونائبه كوسرت رسول، وهو أحد قادة "الاتحاد الوطني الكردستاني" (حزب طالباني)، ورئيس ديوان الرئاسة فؤاد حسين. وصدر قرار تجميد الأنشطة الرئاسية لبارزاني بسبب عدم تمديد برلمان الإقليم ولايته الرئاسية مجدداً بشكل قانوني، الأمر الذي أنهي صلاحياته الرئاسية.
ويشار إلى أنه وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية غير المباشرة عام 2005، أعيد انتخاب بارزاني مرة أخرى في 2009 بنحو 70 في المئة من الأصوات في أول انتخابات عامة مباشرة، ليبدأ ولاية جديدة من أربع سنوات. وبعد انقضاء تلك المدة، مدد برلمان الإقليم ولاية بارزاني لعامين آخرين. لكن بارزاني لم يغادر منصبه مع انتهاء هذين العامين في 2015، ما أثار أزمة سياسة داخل الإقليم.
"أصبح من التاريخ"
رئيس المركز المصري للدراسات والأبحاث الكردية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رجائي فايد، يؤكد في حديث لـDW عربية أن المطالبات بالتنحي ليست "وليدة" اليوم وأن استمرار بارزاني بولايته في الأعوام الماضي أمر "غير شرعي". ويتابع فايد: "كلامه عن عدم نيته الترشح من جديد لا معنى لها"؛ ويعلل رأيه أن القانون لا يسمح له بالترشح مرة أخرى.
ويعتقد فايد أن وجود بارزاني بعيداً عن مركز القرار الأول سيؤدي لتهاوي قبضته على مفاصل السلطة في الإقليم شيئاً فشيئاً. وبالمحصلة فقد أصبح مسعود بارزاني "من التاريخ": "علمنا التاريخ أن الملك هو الملك: من يجلس على الكرسي يصبح الآمر الناهي".
من جانبه، يعتقد الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن بارزاني أخرج "مسرحية" يمثل فيها دور "البطل". ويخلص في حديث لـDW عربية إلى أنه ربما يبقى في المشهد في المرحلة الأولى بعد انسحابه، وذلك لمراقبة الوضع ومحاولة إعادة الأمور إلى السكة إلى مرحلة ما قبل الاستفتاء وعدم تضيع كل المكاسب الكردية. غير أنه يجزم أن دوره "انتهى"، ولكنه يستدرك: اللهم إلا إذا حصلت تطورات تقلب الموازين من جديد.
أربيل في مواجهة السليمانية وجبل قنديل
يجزم خطار أبو دياب أن "البارزانيين سيبقون في السلطة إلى إشعار آخر". غير أنه يشير إلى أنهم يواجهون بمنافسة شراسة من "حزب العمال الكردستاني": "في حال استطاعت جماعة أوجلان إحراز مكاسب كبيرة في سوريا سيؤثر ذلك على البارزانيين وعلى دورهم"، ويتابع: "بالمحصلة قد يكون لجبل قنديل، الذي يقع فيه مقر قوات حزب العمال الكردستاني التركي في العراق، دور أكبر في المنطقة، نتيجة تداعيات الاستفتاء على الإقليم". ومن جانبه يرى رجائي فايد أن اللحظة التاريخية تستلزم "نهجاً جديداً" من البارزانيين.
وفي الإقليم نفسه، يواجه البارزانيون، الذين يمتلكون 38 مقعداً من أصل 111 في برلمان الإقليم، منافسة من قبل "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي يملك 18 مقعداً، و"حركة التغيير"، التي تسيطر على 24 مقعداً، أو غيرها من الأطراف الفاعلة كحزب "الجماعة الإسلامية في كردستان العراق"، التي تملك 6 مقاعد".
وعلى طول عقود هيمن بارزاني بشكل كبير على زواريب السياسة في الإقليم، وسعى إلى أن تكون لعائلته اليد الطولى في المناصب. "معطيات الواقع تقول أن الولاية ستنتقل لأحد أفراد أسرته، وهو على الأغلب ابن أخيه وزوج ابنته ورئيس حكومة الإقليم، نيجرفان بارزاني"، كما يعتقد رجائي فايد. غير أن خطار أبو دياب لا يستبعد أسماء أخرى كابن بارزاني نفسه ورئيس "مجلس الأمن القومي" (المخابرات والأمن)، مسرور، أو رئيس الحكومة السابق، برهم صالح (حزب طالباني)، أو نجل الزعيم الراحل لـ"حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"، بافل طالباني.
كبير العائلة؟
بعيد إعلانه "التنحي" في رسالته إلى البرلمان، أطل بارزاني، البالغ الحادية والسبعين من العمر، مساء الأحد في كلمة متلفزة، معتبراً أن "الخيانة القومية العظمى" ساهمت في خسارة كركوك وغيرها من المناطق لصالح بغداد.
وخرج الآلاف من مؤيدي بارزاني مساء أمس في مدن أربيل ودهوك وسوران وزاخو ومناطق أخرى في إقليم كردستان، احتجاجاً على تنحيه، وطالبوه بالعدول عن قراره. كما أحرق مجهولون مقار لـ"حزب الوطني الكردستاني" (حزب طالباني) و"حركة التغيير" (غوران) في مدينة زاخو. وأدانت حكومة إقليم كردستان الأمر واتهمت من قاموا بذلك بالسعي للنيل من الاستقرار الداخلي للإقليم وإشاعة الفوضى.
غير أن سعدي أحمد بيره المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" طالب اليوم الاثنين حكومة إقليم كردستان بالتحقيق في الحادثة. وأعرب بيره، في مؤتمر صحفي اليوم، عن "قلق الاتحاد الوطني حيال حرق مقاره في زاخو"، مشيراً إلى ضرورة إجراء تحقيق دقيق في الأمر. وقال إن "حرق مقار الأحزاب ليس في الثقافة الأصيلة للكرد ... جميعنا كوادر حزبيون ونعلم كيف تكون السيطرة، ويجب إنهاء ظاهرة وثقافة حرق المقار".
على ذلك علق رجائي فايد قائلاً: "من يريد أن يكون مرجعية لكل الكرد لا يجب أن يتهم هذا الطرف بالخيانة وأن يمنع مؤيديه من محاصرة البرلمان والاعتداء على أعضائه".
وجدير بالذكر أن جلال طالباني، الذي انشق عن البارزانيين وأسس في العام 1975 "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"، بقي منافس مسعود اللدود لعقود. وتحول التنافس بينهما إلى حرب أهلية بين العامين 1994 و1996 سقط خلالها آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى.
"سأبقى بشمركة"
في رسالته الموجهة إلى برلمان الإقليم شدد مسعود بارزاني، والذي يتربع على زعامة الحزب منذ وفاة والده عام 1978 والمرتدي في أغلب الأحيان الزي التقليدي للقوات الكردية المعروفة باسم البشمركة: "سأبقى (مقاتل) بشمركة ضمن صفوف شعب كردستان". يرى أبو دياب أن كلامه هذا يندرج في إطار التأكيد أنه سيبقى بين الأكراد. ولا يعتقد بوجود ما يشير إلى أنه "سيكمل المسرحية ويصعد من جديد للجبال للقتال مع البشمركة"، إلا في حال "تغوّل" بغداد. ولكن هل سيؤدي اعتزاله السياسي وبقائه في صفوف البشمركة إلى انحسار دور المؤسسات السياسية في الإقليم؟ يعلق الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط: "بالأصل، لا تعمل تلك المؤسسات بشكل جيد وأصيبت بشلل ويعتريها شبهات فساد".
أما رئيس المركز المصري للدراسات والأبحاث الكردية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رجائي فايد، فيعتقد أن البشمركة نفسها لم تعد كما كانت؛ فقد الأكراد "ميزتهم النسبية" بمغادرتهم الجبال (صديقتهم الوحيدة) وسكنهم المدن وتعودهم على نعومة الحياة، حسب الخبير المصري.
خالد سلامة