تلامذة ألمان يقررون طواعية التخلي عن هواتفهم الذكية
٢٩ أبريل ٢٠١٣اتفقت التلميذة إيزابيل البالغة من العمر 16 عاماً مع أغلب زملائها في ثانوية "مارتينو كاتارينيوم" بمدينة براونشفايغ في ولاية ساكسونيا السفلى، على التخلي عن الهاتف المحمول أو الهاتف الذكي ( smartphone) لأسبوع كامل. وهي مبادرة أقدم عليها أيضا تلاميذ مدرسة أخرى في نفس المدينة.
وقد يكون التخلي عن الهاتف المحمول لمدة مُحددة مسألة سهلةً نسبية لأنه لا يتم خلال تلك المدة الانقطاع عن استعمال الهاتف الثابت والحاسوب والتلفاز والراديو، وهو ما قد يعوض عن الهاتف المحمول. رغم ذلك كان اهتمام وسائل الإعلام بالتجربة كبيراً جدا حسب مدير المدرسة مانفريد فيلدهاغ الذي أوضح أنه "عند انطلاق التجربة تجاوز صداها المدرسة وحضر صحفيون من الجرائد الورقية والراديو والتلفزيون". وهو ما "أدهش" المدير الذي كان يعتبر تلك الخطوة "مشروعا صغيرا" قامت مدينة براون شفايغ باقتراحه. ويعزو مانفريد فيلدهاغ في حوار لـDW شدة الاهتمام إلى الصورة التي لدى كبار السن حول الشباب والتي بمقتضاها يعتقدون أن "هؤلاء لا يمكنهم الاستغناء عن الهاتف المحمول إطلاقاً".
المحمول بين الاستخدام والإدمان
وتعتمد التجربة على متطوعين من جميع الأقسام الدراسية. وفي حالة واحدة فقط منعت عائلة ابنها من المشاركة حتى لا ينقطع الاتصال بالابن خاصة في حال وقوع طارئ. وسلم 80 بالمائة من التلاميذ هواتفهم الذكية متخلين بذلك عن خدمات كثيرة تقدمها تلك الهواتف كالإنترنت، المنبه، الساعة، برامج الدردشة، الشبكات الاجتماعية، الموسيقى والفيديوهات. وكلها وظائف يقدمها هذا الجهاز الصغير الذي يمكننا حمله معنا في كل مكان.
#bbig#ويقر الخبير في موضوع إدمان وسائل الإعلام ماركوس فيرتز بصعوبة تحديد حالات الإدمان في هذا المجال، نظرا "لوجود خيط رفيع يفصل بين الإدمان والاستخدام العادي، بل وإن البحث العلمي لم يستطع بعد الفصل بين حالات الإدمان والاستخدام السليم لتلك الأجهزة". ويعتقد فيرتز أن التلاميذ المشاركين في التجربة سينجحون في تجاوز ذلك التحدي لأن "أعضاء المجموعة متحفزون بشكل كبير" و"حصر التجربة لمدة أسبوع واحد يسهل على التلاميذ مهمة مواصلتها".
نتائج مُفاجئة
ورغم تخوفاتها في البداية، إلا أن إيزابيل وجدت التجربة "ممتازة"، لكونها "شعرت بالارتياح فور تسليم الهاتف الذكي". ولم تعاني الأخيرة من القلق أو من أعراض الإدمان –كما قد يعتقد بعض كبار السن- عقب تخليها عن هاتفها، رغم أنها كانت تستعمله باستمرار ولمدة طويلة.
ولا تخفي إيزابيل الفوائد العملية للهاتف الذكي، وهي تقول "ألاحظ أهمية الهاتف بعض الأحيان عندما أريد إلغاء موعد مثلا". ولهذا الغرض اضطرت إيزابيل خلال مدة التجربة إلى الذهاب إلى مكتب مدير المدرسة لإجراء مكالمة من الهاتف الثابت؛ كما أنها أقرت بأن الملل تسرب إليها خلال مدة التجربة في محطات الحافلات عندما كانت تنتظر وصول الحافلة، فقد كانت "تحدق في الناس وفي لباسهم حتى يمر الوقت بسرعة".
بدوره يقول ماركوس فيرتز "طبعاً، عندما نتخلى عن الهاتف تصبح العديد من الأمور صعبةً"، موضحا أنه "شعور لا يمكن تصنيفه في خانة الإدمان". ولا يمكننا تعميم الصبغة المرضية على جميع وسائل الاتصالات، فقد جرى الحديث في البداية عن إدمان الحاسوب، ثم الإنترنت فالهاتف الذكي. ويرى فيرتز أن حتى "لو أدمن الناس على استعمال الهاتف وأهملوا الانخراط الفعلي في حياتهم الواقعية فإن درجة المعاناة لن تكون كبيرةً، لأن مواقع التواصل الاجتماعي تشعر مرتاديها بالانتماء إلى المجتمع". وهو عكس ما يحدث حين لا يتوفر "أحدهم على هاتف ذكي، لأنه حينها يشعر بعدم الانتماء إلى المجتمع وبالعزلة عنه".
الحياة بدون هاتف ممكنة
اجتاز تلاميذ مدينة براون شفايغ التجربةَ بدون مشاكل كما يؤكد مدير المدرسة مانفريد فيلدهاغ مقدما ملخصاً مؤقتا عنها بالقول: "لاحظنا أن الارتياح كان سائداً وسط التلاميذ. ومن وقت لآخر وفي حالات معينة افتقد هؤلاء الهواتف، لكن لم تظهر عليهم علامات الغضب أو الحزن". أما إيزابيل فأوضحت " كنت أحيانا أدبر أموري بشكل جيد دون الحاجة إلى الهاتف المحمول لأنني لا أتلقى عادة الكثير من الرسائل القصيرة أو الإلكترونية".
الآن تستطيع إيزابيل الاستمتاع بشكل أفضل بأوقات فراغها، لكنها لا تريد الاستغناء كليا عن هاتفها الذكي لكي لا تقطع طرق الاتصال بوالديها ولكي تستطيع إلغاء المواعيد مع أصدقائها هاتفيا كلما اقتضى الأمر، وتضيف "عندما تتجول في المدينة ولا تحمل هاتفك معك يجب أن تبحث عن مخدع هاتفي. وفي يومنا هذا لا نعرف كيف يعمل الهاتف العمومي. زد على ذلك أن عدد مخادع الهاتف العمومية أصبح نادرا جدا".
مدير الثانوية مانفريد فيلدهاغ متفائل بأن تترك التجربة آثارا إيجابيا في حياة التلاميذ. وفي هذا الصدد يقول "عندما يكون باستطاعة التلاميذ مراقبة سلوكياتهم التواصلية بأنفسهم، فإنهم سيستخدمون الهاتف المحمول بوعي". أما الخبير في إدمان وسائل الإعلام ماركوس فيرتز فهو ينصح باليقظة أثناء استعمال الهواتف الذكية، معترفا أيضا بحقيقة مفادها "نحن نقدم منذ أربع سنوات النصائح والإرشادات حول هذا الموضوع، لكن إلى غاية اللحظة لم "يلجأ إلينا أحد يشكو من إدمان الهاتف الذكي".