تقنية التصنيع السريع: إنتاج مواد صلبة عبر"الطباعة"
٣ يونيو ٢٠١٢لقد أحدثت آلات تصوير المستندات ثورة في عالم المكاتب قبل أربعين عاماً، بالإضافة إلى أجهزة الكمبيوتر والماسحات الضوئية والطابعات الحديثة. فبفضلها يمكن لأي شخص أن يفتتح مطبعة. واليوم يعيش قطاع بناء الآلات تغيراً مماثلاً، إلا أن الفرق يكمن في أنه بالإمكان الآن تصميم ونسخ ومسح وطباعة أجسام ثلاثية الأبعاد.
هذه التقنية تطورت إلى درجة لا يعرف معها الخيال حدوداً، ويطلق عليها اسم "التصنيع السريع". وتتيح هذه التقنية الجديدة للمهندسين والمصممين وحتى للأطباء إنتاج أشياء من البلاستيك والمعدن من خلال بيانات رقمية.
من الشاشة إلى المنتج
ويوضح أندرياس فيغنر، الخبير في مجال معالجة البلاستيك بجامعة دوسبورغ/إيسن الألمانية، أن "المرء يبدأ ببرنامج تصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD)، وفيه يتم تصميم عناصر البناء كنماذج ثلاثية الأبعاد". بعد ذلك يتم في الخطوة الثانية تحويل هذه النماذج إلى لغة برمجية خاصة تسمى لغة حساب المحاور المعيارية (STL)، وهي لغة برمجة تصف الأبعاد الثلاث للعنصر باستخدام شبكة من المثلثات. وكلما صغرت مساحة المثلثات، زادت دقة سطح النماذج المنتجة فيما بعد.
وبعد هذه الخطوة يقوم الكمبيوتر بتجزئة النموذج الرقمي إلى طبقات رقيقة منفردة، ومن ثم "يقوم الجهاز بتجميع النموذج طبقة بعد الأخرى"، بحسب فيغنر. هذه الطريقة، التي يتم من خلالها إنتاج القطع من مسحوق معدني، ناجحة للغاية. فعملية التصنيع تبدأ بطبقة رقيقة من مسحوق المعدن أو البلاستيك على صفيحة، ومن ثم "يقوم شعاع ليزر بتخطيط معالم النموذج على طبقة المسحوق وإذابتها"، كما يشرح غيرد فيت، أستاذ تقنيات التصنيع بجامعة دوسبورغ/إيسن. وبعد ذلك تنخفض الصفيحة بمقدار 0.1 ميليمتر، لتتم بعدها إضافة طبقة ثانية من المسحوق. ويقوم شعاع الليزر بعد ذلك بصهر معالم الطبقة الثانية من القطعة المراد إنتاجها مع الطبقة الأولى.
وبينما يزداد سمك طبقة المسحوق، تبدأ معالم القطعة في الوضوح، وهكذا يتم إنتاج عنصر جاهز من آلاف الطبقات، بدءاً بالطبقة السفلى، فيما تنخفض الصفيحة السفلى. وعندما يتم إخراج المنتج النهائي، فإن بقية المسحوق غير المستخدم في بنائه ينهار حوله كالرمل. وبعد الانتهاء من الإنتاج، يتم نقل النموذج إلى جهاز تنظيف وجلي بالرمل.
متانة وقوة
لكن إنتاج القطع بهذه الطريقة يتطلب وقتاً طويلاً، فعلى سبيل المثال يتطلب إنتاج قلم من البلاستيك أكثر من ساعة كاملة، وإذا كان القلم عمودياً على الصفيحة، فإن الوقت اللازم لإنتاجه يتضاعف عشر مرات، لأنه يحتوي على طبقات أكثر. أما النماذج المعدنية فتتطلب وقتاً أطول من ذلك، إلا أنها في المقابل أدق من المواد البلاستيكية، لأن الطبقات التي تتكون منها أرقّ. حول ذلك يضيف غيرد فيت: "خشونة السطوح في المعادن أقل بكثير، ويبلغ سمك الطبقة التي نعمل فيها بين 20 و40 ميكرومتر".
المنتجات المعدنية الناتجة عن هذه التقنية تظهر نفس المتانة التي تظهرها المنتجات المصبوبة أو التي أنتجت بالحدادة، ذلك أن الليزر عالي الكفاءة قادر بكل سهولة على توليد درجات الحرارة اللازمة لإنتاج المعدن. كما يمكن لهذه التقنية التعامل مع جميع أنواع السبائك، مما يسهل إنتاج قطع شديدة المتانة، مثل تلك المستخدمة في محركات الطائرات.
في الأصل كانت تقنية الإذابة بالليزر تعرف باسم "إنتاج سريع للنماذج "، لأن المنتجين كانوا يستخدمونها لتصنيع نماذج أولية، في قطاع السيارات على سبيل المثال، ومن ثم إنتاج عناصر النموذج في المصنع بالطرق التقليدية. لكن في الوقت الراهن بدأ العمل بهذه التقنية في المصانع كجزء من عملية الإنتاج، لأن لها مزايا كثيرة. فالقطع المنفردة يمكن تغييرها لتناسب ذوق الزبون. كما يمكن إنتاج النماذج المصغرة والقطع النادرة بسهولة وسرعة.
كما أدت هذه التقنية إلى ظهور ما يسمى بمستودع قطع الغيار الافتراضي، وهي قطع غيار لا يحتاجها إلا عدد قليل من الزبائن، ويتم تخزينها كملف رقمي في الكمبيوتر، وطباعتها وتسليمها عند الحاجة.
مزايا في المجال الطبي
وبالإضافة إلى برامج التصميم، يمكن طباعة صور ثلاثية الأبعاد وملفات صورية من مصادر أخرى، ولهذا فإن هذه التقنية تثير اهتمام الأطباء أيضاً، إذ يمكن من خلال التصوير المقطعي الرقمي قياس العظام بشكل ثلاثي الأبعاد. وعندما يقوم يان زيرت، رئيس مركز التقنية السريعة بجامعة دوسبورغ/ إيسن، بتحميل هذه المعلومات في الكمبيوتر، فإنه يكون قادراً على إعادة بناء العظام بدقة متناهية، مثل جمجمة إنسان على سبيل المثال. ويدلل زيرت على دقة التصميم بالقول: "إذا ما نظرنا إلى الجمجمة المنتجة بدقة، يمكننا ملاحظة الأوردة الموجودة على جلدة الرأس الخلفية، أو الأوردة التي تركت آثارها على سطح الجمجمة مثلاً".
ولا تستخدم العظام المنتجة بتقنية التصنيع السريع كي يدرسها طلاب كلية الطب وحسب، بل تستخدم كقالب للأطباء أيضاً، فهم يستخدمون النموذج الدقيق الذي تنتجه هذه التقنية لإنتاج أطراف صناعية ملائمة تماماً للمرضى. كما يمكن للجراحين أن يستخدموا هذه النماذج من أجل التحضير للعمليات الجراحية بشكل أفضل، وهذا يوفر على المريض عملية ثانية، لأن الأطباء حصلوا على قالب جاهز قبل البدء بالعملية.
كما يتم إنتاج الأسنان الصناعية أيضاً بهذه التقنية، إذ يتم استخدام سبيكة من التيتانيوم لجذر السن، والسيراميك للتاج. ولا تستعمل تقنية الطباعة بالليزر لإنتاج العظام الصلبة، بل يمكنها أيضاً إنتاج نماذج بالحجم الطبيعي للأعضاء الطرية والمتحركة من البلاستيك. ويقوم يان زيرت وزملاؤه بعرض مثال لإنتاج صورة بلاستيكية طبق الأصل للقلب عبر استخدام بيانات من صورة بالرنين المغناطيسي. النموذج الناتج دقيق لدرجة أنه يشمل أيضاً كل تفرعات الأوعية الدموية المحيطة بالقلب.
فابيان شميدت/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: عبدالحي العلمي