تقرير: مساع صينية للتأثير على وسائل الإعلام الدولية
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٢ما يعد معروفا عن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين أنه لا يقبل النقد سواء من داخل البلاد أو خارجها خاصة من وسائل الإعلام.
وإزاء ذلك، تواجه الصين مشكلة تدني تصنيفها على مؤشر حرية الصحافةبسبب الإجراءات والقيود الصارمة التي تتخذها الحكومة على الإعلام ونشر المعلومات وهو ما يترتب عليه صعوبة في الترويج للدعاية الإعلامية الصينية حول العالم.
إلا أن هذا لم يمنع الصين من السعي للتأثير على وسائل الإعلام الدولية، وفقا لما كشف عنه تقرير صدر الخميس عن مؤسسة "فريدوم هاوس" البحثية لحرية التعبير ومقرها الولايات المتحدة.
وكشف التقرير عن جهود بذلتها الصين لتوسيع نفوذها الإعلامي بما يشمل إسكات التقارير النقدية في الفترة ما بين عامي الفترة من 2019 إلى 2021.
ويكشف التقرير عن أن الحزب الشيوعي الصيني قد زاد جهوده للتأثير على وسائل الإعلام في 18 دولة ديمقراطية من بين 30 دولة كانت موضع الرصد في الفترة ما بين عامي 2019 و2021.
وقام التقرير بتصنيف 16 دولة من بين الثلاثين دولة في مرتبة "عالية" أو "عالية جدًا" ما يشير إلى أن الصين اتخذت طرقا عديدة في هذه الدول للتأثير على وسائل الإعلام.
وقال التقرير إن الأساليب الصينية كانت تشمل تخويف الصحافيين والقائمين على المواقع الإخبارية وإتاحة الفرص لنشر التقارير الإعلامية الحكومية الصينية في وسائل الإعلام الإخبارية المحلية والوطنية بما يتضمن تضخيم آراء الأصوات المؤيدة للصين على وسائل التواصل الاجتماعي والسيطرة على نشر المعلومات إلى الرعايا الصينيين خارج البلاد.
وفي ذلك، قالت أنجيلا دات، الخبيرة في مؤسسة "فريدم هاوس" والمشاركة في إعداد التقرير، إن ما قامت به الصين يأتي في إطار جهودها واسعة النطاق للتأثير على صورة الصين في الخارج.
وفي مقابلة مع DW، قالت إن حملة الصين العالمية العدوانية والمكثفة ترمي إلى تشكيل الرأي العام وتغيير نظرة الناس تجاه الحزب (الشيوعي) وما يقوم به من أفعال".
تكتيكات الصين
وقد أشار التقرير إلى أن أساليب الترهيب والرقابة والتي مثلت "ذروة" النفوذ الصيني، كانت أكثر المحاولات المكشوفة والصريحة للتأثير على التغطية الدولية.
ولفت التقرير إلى ما يُطلق عليه "الرقابة والرقابة الذاتية" التي التزم بها صحافيون ورجال أعمال قلقون في إسرائيل وغانا والمملكة المتحدة والأرجنتين والبرازيل وماليزيا وتايوان والهند وغيرها.
ويسلط التقرير الضوء على حملات تنمر عبر الإنترنت ضد صحافي صيني-أمريكي وباحث صيني-أسترالي قاما بنشر مقالات تنتقد الحكومة الصينية.
ومن أجل تبيان ذلك، أجرت DW مقابلة مع صحافي صيني يقيم في أوروبا تحدث فيها عن مخاوف مما قد يحدث لأسرته في حالة قيامه بأي عمل صحفي ينتقد الصين بشكل علني. وأضاف الصحافي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن "حالة القلق لا تتعلق بي فقط".
ورغم تحدث تقرير "فريدوم هاوس" باستفاضة عن مساعي الصين للتأثير على الرأي العام العالمي، إلا أنه من الصعب الكشف عن هذه الخطط.
الجدير بالذكر أن الصين أنشأت بنية تحتية للإعلام والاتصالات السلكية واللاسلكية في العديد من البلدان الأفريقية بهدف إمكانية إتاحة الاتصال بشبكة الإنترنت ومشاهدة القنوات التلفزيونية الفضائية لأكبر عدد من الجمهور في هذه البلدان.
وأشار التقرير إلى أن الصين لم يكن بمقدورها تحقيق "هذا النجاح المحدود حتى الآن لولا قدرتها في تلبية الاحتياجات الحقيقية. لقد أدى توافر تكنولوجيا الهواتف المحمولة صينية الصنع وخدمات التلفزيون الرقمية إلى توسيع نطاق الوصول إلى المعلومات والاتصالات لملايين الأشخاص لا سيما في إفريقيا وجنوب شرق آسيا."
أفريقيا...الأكثر عرضة
ويرى مراقبون أن القارة الأفريقية تعد الأكثر عرضة للتأثير الصيني بسبب وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان بها فضلا عن حالة عدم الاستقرار نسبيا للمؤسسات وتذبذب مصادر تمويل وسائل الإعلام.
وفي ذلك، قال إيميكا أوميجي، الخبير النيجيري في الإعلام والذي قام بتأليف كتاب عن الاعلام الصيني، إن المساعي الصينية للتأثير على أفريقيا تدور حول تزويد وسائل الإعلام الأفريقية بالتقارير والمصادر.
وأضاف "هناك اتفاقيات تعاون لمشاركة المحتوى (الصحافي) بين وسائل الإعلام الصينية ووسائل إعلام أفريقية. لن تُقدم معظم المؤسسات الإعلامية المشاركة في هذه الاتفاقيات على نشر تقارير تنتقد الصين".
وقال إن هناك "اتفاقيات شراكة بين سفارات صينية ومؤسسات إعلامية محلية. هذه الاتفاقيات جرى التوصل إليها في كل مكان في أفريقيا."
وأشار أوميجي إلى أن هذا التأثير كان جليا خلال تغطية وسائل الإعلام الأفريقية لزيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان.
وقال إن وسائل الإعلام الأفريقية أفردت حيزا لتغطية "الرواية المؤيدة للصين حيث كانت المصادر الصحافية في الغالب مؤيدة للصين"، مضيفا أن هذا الأمر قد أتاح فرصة ضئيلة للتعبير عن أي آراء مختلفة.
الديمقراطية والشفافية
ورغم ذلك، فإن هناك العديد من الطرق يمكن من خلالها للصحافيين والحكومات ومنظمات المجتمع المدني مواجهة مساعي الصين للتأثير على وسائل الإعلام الدولية فيما يأتي في المرتبة الأولى تعزيز الديمقراطية والشفافية وفضح الخطط الصينية.
وفي هذا الصدد، قالت أنجيلا دات، الخبيرة في مؤسسة "فريدوم هاوس"، إننا ندعو "وسائل الإعلام إلى وقف اتفاقيات مشاركة المحتوى (مع الصين) وفي حالة تعذر ذلك، يتعين عليهم تعزيز الشفافية في حالة تنفيذ هذه الاتفاقيات".
وأضافت أنه يستوجب على السياسيين التوقف عن استهداف الصحافيين في بلادهم لتحقيق مكاسب سياسية.
وقالت "ما ندعو الحكومات الى القيام به في ضوء صلاحياتها يتمثل في وقف الاعتداءات المحلية على وسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني. يشكل الإعلام والمجتمع المدني حائط الصد أمام جهود بكين للتأثير على وسائل الإعلام".
لعبة طويلة الأمد
ورغم جهود الحزب الشيوعي، إلا أن منظمة "فريدوم هاوس" ومنظمات أخرى ذكرت أن التصور العالمي بشأن الصين أصبح سلبيا أكثر مما كانت عليه في بداية عام 2019 عندما بدأت بكين في السعي للتأثير على الرأي العام العالمي.
وقالت دات إن هذا التوجه بدأ مع "موجة الإدانات العالمية لفظائع حقوق الإنسان في شينجيانغ واحتجاجات هونغ كونغ وجائحة كورونا. أدت الكثير من تصرفات بكين إلى جذب الاهتمام العالمي لما يفعله الحزب".
من جانبه، أكد أوميجي على هذا الأمر لن يدفع المسؤولين الصينيين بعيدا عن مساعي التأثير على الرأي العام العالمي.
وقال تقرير "فريدوم هاوس" إن الصين تحاول أن تلعب لعبة طويلة الأمد وهو ما يثير تساؤلات حيال قدرة الدول الديمقراطية على مواجهة ذلك.
وسعت DW للحصول على تعليق من وزارة الشؤون الخارجية.
اليكس ماثيوز / م. ع.