تفوق شرودر رغم الأداء الجيد لمنافسته ميركل في مناظرتهما التليفزيونية
الحملة الانتخابية الألمانية وصلت إلى ذروتها مساء الأحد بعد المناظرة التليفزيونية بين المستشار الحالي غيرهارد شرودر ومنافسته على المنصب انجليكا ميركل. عُرضت المناظرة على أربع قنوات تليفزيونية في نفس الوقت، وتابعها وفقاً لتوقعات المنظمين 20 مليون مشاهد، وذلك قبل أسبوعين من الانتخابات المزمع إجرائها في 18 من سبتمبر/أيلول. وتهدف المناظرة، التي تعقد للمرة الثانية في تاريخ الانتخابات الألمانية، إلى التأثير على الناخبين المتذبذبين والذين لم يحسموا رأيهم بعد، كما أنها تتيح فرصة أخيرة للمتنافسين لبيان الخطوط العريضة لبرنامجهم الانتخابي، وتوضيح نقاط الاختلاف بينهما. جدير ذكره أن استطلاعات الرأي تقدر أن ربع الناخبين لم يحسم رأيه بعد.
ميركل دخلت المناظرة التليفزيونية تدعمها استطلاعات الرأي التي أكدت تفوق حزبها بفارق كبير في النقاط على حزب شرودر، مما وضعها تلقائيا في موقف الأقوى، فآخر الاستطلاعات قدرت الفارق بـ 10 نقاط مئوية على الأقل. لكن ليس بالأرقام وحدها تُحسم المناظرات التليفزيونية، فميركل رغم تفوق حزبها في استطلاعات الرأي كانت تلعب مباراة تقام على ملعب الخصم، فهناك حيث توجد كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين يشعر شرودر أنه في بيته، الهالة الإعلامية الفريدة التي يتمتع بها يعرف جيدا كيف يوظفها لكسب إعجاب المشاهدين وتعاطفهم. وهو ما دفع الكثيرين إلى تسميته بـ"مستشار الإعلام". وذلك على النقيض من ميركل التي عُرف عنها جفاف أحاديثها وسهولة استثارتها.
سوق العمل وسياسة الضرائب
وقف شرودر يمين الأستوديو وانتحت ميركل جهة اليسار، وفي مواجهتهم جلس محاوريهما الأربعة. وتم الاتفاق على ألا يتجاوز زمن الإجابة على الأسئلة عن 90 ثانية. استمرت المناظرة ساعة ونصف، واحتلت الموضوعات الداخلية موقع الصدارة من حيث الترتيب والمساحة. فلقد دار ثلثي المناظرة (قرابة الساعة) حول الاختلافات في سياسة الضرائب، وكيفية إصلاح سوق العمل، وإمكانيات تحقيق العدالة الاجتماعية، إضافة إلى الموقف من البيئة ومصادر الطاقة. بعدها تم على عجالة تناول موضوعات السياسة الخارجية، مثل العلاقة مع الحليف الأمريكي، والموقف من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان لافتا للنظر الثقة والهدوء اللذان أبدتهما السيدة ميركل وهي تشرح سياسة حزبها المتعلقة بتحقيق نظام ضرائب يراعي العادلة الاجتماعية، وذلك عن طريق رفع ضريبة المبيعات واستثمار عائدها في تخفيض كلفة الإنتاج. وأوضحت أن ذلك يصب في مصلحة سوق العمل، فتكاليف إنتاج أقل تعني أماكن العمل أكثر. كما انتقدت ميركل ضريبة البيئة التي أدخلتها الحكومة الحالية، وقالت إنها لا تصلح للتطبيق على المدى البعيد. ووصفت سياسة حكومة شرودر الحالية بأنها فاشلة، لإنها لم تفِ بوعودها الخاصة بخفض نسبة البطالة، فعدد العاطلين عن العمل اليوم يزيد عن عددهم يوم توليهم السلطة. ووعدت بإصلاح ميزانية الدولة عن طريق إطلاق النمو الاقتصادي وتشجيعه، وليس عن طريق سياسة التوفير التي تنتهجها الحكومة الحالية.
شرودر في المقابل دافع عن سياسة الإصلاح التي تتبناها حكومته، وأوضح أن هذا الإصلاحات دخلت حيز التنفيذ أوائل العام الحالي وبدأت تظهر نتائجها بدءا من شهر ابريل على شكل تحسن في وضع سوق العمل. وهو ما ردت عليه السيدة ميركل مقاطعة "سوق العمل تتحسن عادة في الربيع والصيف، لكنها تسوء دوما في الشتاء يا سيادة المستشار". ثم هاجم شرودر نظام الضرائب الخاص بالحزب المسيحي الديموقراطي الذي تتزعمه ميركل، ووصفه بأنه يتنافى مع العدالة الاجتماعية، حيث سيتم إلغاء التسهيلات الكثيرة التي يحصل عليها محدودي الدخل، كما سيساوي بين الأغنياء ومحدودي الدخل في الضرائب. وعاد شرودر لاستخدام حجة السياسة الخاطئة التي انتهجها الحزب المسيحي الديموقراطي أثناء فترة حكمه الأخيرة 1992 - 1998 والتي تسببت في رفع ديون البلاد، واستنزفت العديد من المصادر بعد انتقال الحكم إلى الحزب المسيحي الديموقراطي.
الأسرة والبحث العلمي
في مجال الأسرة لعبت ميركل بورقة وضع المرأة، ودعت بشكل غير مباشر النساء إلى انتخابها، لأن تولي امرأة منصب المستشارية لأول مرة في تاريخ ألمانيا سينعكس إيجابا على وضع المرأة في البلاد. وأوضحت أن حزبها يعمل على التوفيق بين الأسرة والعمل، بحيث تنجح المرأة في عملها وتحافظ على أسرة سعيدة في نفس الوقت. وركزت على خطط حزبها لدعم البحث العلمي واستئصال البيروقراطية، وتغيير القوانين التي تحكم الأبحاث الجينية، وذلك لفتح الباب أمام العلماء والشركات العاملة في هذا المجال لإثراء السوق الألمانية بابتكاراتهم.
شرودر أجاب انه يتفق مع ميركل في ضرورة تعديل القوانين الحالية لتضمن حرية البحث العلمي. وأضاف أن ألمانيا تعتبر قوة اقتصادية لا يستهان بها في أوروبا، وليس من العدل التقليل من إنجازات الحكومة الحالية في جعلها ألمانيا على قمة لائحة الدول المصدرة.
السياسة الخارجية
وعندما تطرقت المناظرة إلى أسئلة حول السياسة الخارجية، بدا واضحا حنكة وخبرة المستشار أمام منافسته التي ظهرت كأنها تتهرب من هذه الموضوعات. فقد تهربت ميركل من الاجابة على سؤال حول الوضع في امريكا بعد كارثة الاعصار كاترينا، وتحدثت عن ضرورة تقديم المساعدات العاجلة، في حين كان شرودر صريحا في قوله ان الرئيس الأمريكي نفسه انتقد الطريقة التي سارت بها عملية الانقاذ حتى الآن، وبالتالي لا داعي من الحرج في تقديم نقد بناء.
وبشأن تركيا كررت ميركل موقفها الرافض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لقلة فرص اندماجها، وأوضحت أن عرض الشراكة المميزة الذي تتمسك به هو أفضل الحلول المتاحة. اما شرودر فهاجم ميركل متهما اياها انها تكرر نفس خطأها حيال الحرب على العراق، حيث أخذت موقفا مساندا للحكومة الأمريكية، وأوضح أهمية دمج تركيا في القارة الأوروبية، وانعكاساته الايجابية على المنطقة المضطربة التي تحيط بها، كما شدد على امكانية محاربة الارهاب عن طريق خطوة مثل ضم تركيا.
محصلة
المرة الأولى التي أدخلت فيها فكرة عقد مناظرات تليفزيونية بين المتنافسين على منصب المستشارية كانت في الانتخابات الاتحادية الماضية عام 2002، وكانت بين المستشار الحالي شرودر وزعيم الحزب الاجتماعي المسيحي ادموند شتويبر. اجتذبت المناظرة وقتها 15مليون مشاهد، وعقدت على حلقتين، خرج شرودر من كلاهما منتصرا وفق استطلاعات الرأي. فقد رأى 57 بالمائة من الذي تم سؤالهم أن شرودر كان الأفضل، بينما قال 15 بالمائة العكس. وبشكل عام يمكن القول ان محصلة المناظرة هذه المرة جاءت في مصلحة شرودر، غير أن السيدة ميركل استطاعت تحسين صورتها أمام الإعلام، واثبات أنها قادرة على الوقوف بثبات أمام "مستشار الإعلام".
ديوتشه فيله