تفكك التحالف الدولي في حرب العراق ليست سوى مسألة وقت
٩ يناير ٢٠٠٦
لا يختلف اثنان على أن التحالف الدولي في الحرب على العراق آخذ بالتفكك شيئا فشيئا تحت ضغوط الرأي العام في الدول المشاركة في الحرب ونظرا للمخاطر والخسائر التي تكبدتها قواتها في حرب كان يعتقد انها ستكون خاطفة وستنجز مهامها في وقت قصير. فمن بين 38 دولة شاركت في هذا التحالف الذي عُرف "بتحالف الراغبين" او "تحالف قوى الخير" لم يبق سوى 27 دولة تحتفظ بقوات لها في العراق، يمثل وجود معظمها مجرد مشاركة رمزية. وحتى هذه الدول تخطط على المدى القريب والمتوسط لتخفيض وسحب قواتها من العراق وترك الساحة العراقية المحفوفة بالمخاطر.
من ناحية ثانية تتعرض إدارة الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، لضغوط كبيرة، من قبل جزء كبير من الرأي العام الأمريكي ومن المعارضة السياسية من اجل سحب القوات الأمريكية وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم أو على الأقل وضع جدول زمني لذلك. وفي هذا السياق اعترف بوش بوجود أصوات معارضة كثيرة في واشنطن تقول "أعيدوا الجنود فورا"، حسب تعبيره، لكنه أضاف بان ذلك لو حدث سيكون "خطأ كبيرا" و"ومخيفا" و"رسالة خاطئة لقواتنا المسلحة ولأعدائنا وللعراقيين أيضا". وأكد بوش في هذا الصدد على صعوبة تحقيق هذا الانسحاب في الوقت الحالي وان كان قد أبدى مرونة معينة مع هذه المطالب ووعد بتخفيض قوات بلاده المتواجدة في العراق. لكن التطورات الأخيرة على الساحة العراقية لا تنبئ بحدوث تراجع في قدرة المسلحين العراقيين على تسديد الضربات الموجعة الى الولايات المتحدة وأجهزة الأمن العراقية، ناهيك عن أعمال التفجير الوحشية التي تطال المدنيين كل يوم تقريبا. وكان الأسبوع الماضي من أكثر الأسابيع دموية حيث فقد الشعب العراقي ما يزيد عن 300 شخص من أبناءه العزل، فيما زادت خسائر الجيش الأمريكي، بعد سقوط طائرة هليكوبتر أمس ومقتل من كان على متنها، زادت عن 25 جنديا في أسبوع واحد ليرتفع العدد الإجمالي للقتلى الأمريكيين الى نحو 2197 منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2003.
معادلة صعبة أمام إدارة بوش
بطبيعة الحال لم يأت الأمريكان إلى العراق وتكبدهم كل هذه الخسائر لكي يخرجوا منه بهذا الشكل ـ على الأقل في الوقت الحالي دون تأمين مصالحهم هناك. كما انه ليس من المتوقع ان تترك الولايات المتحدة الساحة العراقية للعدو اللدود، إيران. فقيام تحالف شيعي عراقي ـ إيراني وارد، الأمر الذي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، لاسيما في ظل الطموح الإيراني في حيازة الأسلحة النووية. وقبل هذا وذاك فان المعركة مع تنظيم القاعدة، الذي اتخذ من العراق ساحة جديدة للمواجهة مع أمريكا، لم تنتهِ ولا يبدو انها ستنتهي قريبا. ناهيك عن المخاوف الجدية من عدم تمكن الحكومة العراقية من الإمساك بزمام الأمور في البلاد و سد الفراغ الأمني الذي سيحدثه انسحاب القوات الدولية وتسليم المهام الأمنية إلى القوات العراقية التي لا يبدو أنها قادرة على ضبط الأمور بالشكل الكافي.
لكن الضغط السياسي الداخلي في أمريكا يزداد يوما بعد يوم والحلفاء يديرون ظهورهم لواشنطن الواحد تلو الأخر. وهكذا تجد الإدارة الأمريكية الحالية نفسها أمام معادلة صعبة وخيارين كلاهما أسوأ من الأخر: فإما الإذعان لمطالب الرأي العام الأمريكي والتسليم بالأمر الواقع والانسحاب من العراق، وهذا ليس متوقعا بطبيعة الحال، أو البقاء في هذا البلد بما ينطوي على ذلك من مخاطر وخسائر. وتضاعف الخسائر البشرية التي تتكبدها القوات الأمريكية يوميا والنزيف المستمر للخزينة الأمريكية من الضغوط الداخلية على إدارة بوش. أضف إلى ذلك الانتقادات المستمرة وردود الفعل التي أحدثتها الممارسات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وكذا الأخطاء التي صاحبت احتلال العراق والفوضى التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين والتي نجمت عن سوء تقدير الأمور.
مصير "تحالف الراغبين"
بنفس الوتيرة التي تفكك فيها التضامن الدولي مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، اخذ التحالف الدولي في الحرب على العراق في التفكك. وبدأت الدول المشاركة في هذه الحرب تسحب قواتها من العراق تباعا. وكانت أسبانيا قد بدأت في هكذا خطوة عام 2004 وذلك عقب هجمات مدريد وسقوط حكومة رئيس الوزراء السابق وحليف بوش القوي أزنار مقابل الاشتراكي ثاباتيرو الذي عمل على سحب كل قوات بلاده من العراق عقب انتخابه رئيسا للوزراء. وبرر ثاباتيرو موقفه هذا بان الحرب التي لم تولد "سوى العنف، كانت كارثة والاحتلال مازال كارثة أيضا". ومنذ لك الحين والتحالف يشهد تفككا مستمرا. يذكر أن دولا أخرى لحقت بأسبانيا وسحبت قواتها من العراق بعدها بوقت قصير منها مثلا جمهورية الدومينيكان، و هندوراس، والفلبين، وتايلاند ونيوزلندا وهنجاريا. وتخطط ايطاليا من ناحيتها لتخفيض قواتها في العراق تمهيدا لسحبها بالكامل بحلول نهاية عام 2006.
أما لندن فانها بطبيعة الحال مصممة على الاستمرار في هذا التحالف والبقاء هناك أطول فترة ممكنة. وتمثل بريطانيا بعدد قواتها البالغ تقريبا 8000 جندي في العراق ثاني دولة بعد الولايات المتحدة من حيث حجم القوة العسكرية المتواجدة لها في العراق. وعلى الرغم من ان رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، لم يستبعد إجراء علمية إعادة انتشار لقوات بلاده في العراق، فانه أكد بما لا يدع مجالا للشك على البقاء هناك قائلا: "سوف نبقى هناك حتى تنتهي المهمة". ولكن وزير خارجيته جاك سترو أعلن من العراق أمس أن "بلاده ستشرع في انسحاب تدريجي لقواتها من المحافظات التي تسيطر عليها جنوبي العراق غير محافظة البصرة." من ناحيتها مددت بولندا، الحليف الثاني لواشنطن بعد بريطانيا، مددت فترة بقاء قواتها في العراق والبالغة 1500 جندي عاما أضافيا فقط. وكذلك فعلت كل من اليابان واستراليا اللتان مددتا مهمة قواتها إلى نهاية عام 2006.
خفض، وليس انسحاب القوات الأمريكية
من ناحيتها أعلنت إدارة بوش عن خطة لخفض القوات الأمريكية في العراق كلما حققت عملية إعادة بناء وتأهيل الجيش والشرطة العراقيين تقدما. ووفقا لهذه الخطة سيتم سحب لوائين من الأولوية السبعة عشر حتى ربيع 2006. السبب المعلن هو ان الحكومة العراقية حققت تقدما ملحوظا في حفظ الأمن في البلاد والقوات العراقية أصبحت تتمتع بكفاءة مناسبة، حسب تصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية، كوندوليزا رايس. كما ان بوش قد المح، في تصريحات صحفية يوم الأربعاء الماضي، إلى احتمال إجراء خفضا آخر للقوات في العراق في وقت لاحق هذا العام، لكنه أكد على أن أي خفض "يتوقف على الوضع في العراق لا على جدول زمني تفرضه واشنطن". في السياق نفسه أشاد بوش بالفاعلية المتزايدة للجيش العراقي التي ستتيح التفكير في إجراء خفض جديد لعديد القوات الاميركية في العراق في 2006، حسب تعبيره.
عبده جميل المخلافي