تفاعلات الساحة اللبنانية بعد قرار الانسحاب السوري
حصد القرار السوري المتعلق بإتمام الانسحاب من لبنان مع نهاية شهر أبريل/نيسان الحالي ارتياحاً من كافة الأطراف بما فيها المعارضة اللبنانية. كما أتت إشارة اميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية لإمكانية إقالة قادة الأجهزة الأمنية لتثبت استجابته لمطلب هام من مطالب المعارضة. وكثرت المؤشرات مؤخراً على إمكانية تعاون السلطات اللبنانية والسورية مع لجنة تحقيق دولية تحقق في اغتيال رفيق الحريري. كل هذه المعطيات تشير إلى أن الوضع اللبناني يدخل مرحلة جديدة. فتعاون سوريا جعلها تغير الصورة التي دأبت المعارضة على رسمها لها بأنها الطرف المتقاعس الذي يتحمل مسؤولية الأحداث، والمعارضة بعد أن حققت جزءاً كبيراً من مطالبها تقف الآن أمام تساؤل: ماذا سيأتي بعد ذلك؟ خاصةً وأنها تواجه أسئلة حساسة مثل نزع سلاح حزب الله، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
وقد كشفت التفجيرات الأخيرة في بيروت عن مدى هشاشة الوضع الداخلي اللبناني، خاصةً وأنها استهدفت حتى الآن الأحياء المسيحية بالذات في استدعاء مضمر للفتن الطائفية. وعكست النظريتان اللتان فسرتا تلك التفجيرات عن مدى تعقيد صراع القوة الذي يجري بين المعارضة والموالاة، فالنظرية الأولى تشير بإصبع الاتهام إلى النظام السوري وأعوانه، وذلك لإثبات أن الوجود السوري كان عامل استقرار مهم، وأن خروجها سيتسبب في فراغ أمني كبير. النظرية المقابلة هي أن المسئولين عن هذه التفجيرات هم من معسكر المعادين لسوريا، منتهزين فرصة الظروف الحالية المواتية لتوجيه الاتهام فوراً إلى سوريا، وذلك للقضاء على سمعة سوريا وصورتها أمام الرأي العام. وكلتا النظريتان لا تستندان على منطق للتحليل بل تقترب من كونهما آراء مسبقة. غير أن ما يبعث على التفاؤل هو إصرار كافة الأطراف على أن هذه التفجيرات لن تنجح في جر لبنان إلى دوامة الفتنة الطائفية مرة أخرى.
الانسحاب السوري
تمخض قرار الانسحاب السوري عن مكاسب سياسية لكافة الأطراف. سوريا أوضحت أنها تحترم قرارات المجتمع الدولي، وأن "العلاقات بين سوريا ولبنان تستند إلى أسس تاريخية مبنية على مشاعر وطنية وقومية لا يمكن أن تلغى بانسحاب القوات السورية". وهي خطوة ستجعلها تأمل في علاقات أفضل مع الأسرة الدولية، يذكر في هذا السياق أن الإتحاد الأوروبي قد علق اتفاقية الشراكة مع سوريا إلى ما بعد إتمام الانسحاب، والمعروف أن هذه الاتفاقية ستسهل وصول البضائع السورية إلى الأسواق الأوروبية. وذلك كما جاء على لسان فاروق الشرع وزير الخارجية السوري. الأمم المتحدة أعربت عن ارتياحها لاحترام القرار الصادر عنها. والولايات المتحدة الأمريكية أبدت تفاؤلها وهي ترى للنتيجة الإيجابية للضغوط الهائلة التي مارستها.
الأهم كان موقف المعارضة حيث أنها قطعت الطريق على استخدام الانسحاب السوري لتوريط لبنان في محور معادي لسوريا. فقد أثنى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ابرز قادة المعارضة، على قرار الانسحاب أكثر من مرة، وقال مؤخراً في حديث أجرته معه محطة (العربية) التلفزيونية: "تحديد تاريخ للانسحاب الكامل يعني أن سوريا تتقيد بالشرعية الدولية". وأكد الزعيم الدرزي ضرورة إقامة أفضل العلاقات مع سورية، مذكرا بأن امن لبنان من امن سوريا والعكس صحيح. وقال: "لا نريد معاذ الله أن يتحول لبنان إلى محور معاد لسورية". كما أعلن العماد عون الذي كان أنصاره جزئيا قد تحالفوا مع جنبلاط في انتخابات العام 2000 عبر صحيفة السفير اليوم أن خصومته مع سوريا انتهت بعد التزامها بالانسحاب من لبنان. وكان النائب نسيب لحود رئيس حركة التجدد الديموقراطي المعارضة قد اعتبر أيضا أن تحديد موعد الانسحاب الشامل تطور ايجابي حاسم في مسار الأزمة اللبنانية ويلبي احد ابرز مطالب المعارضة معربا عن أمله بان يفتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية تتسم بأقصى درجات التعاون والندية بين بلدين مستقلين.
الانتخابات وسلاح حزب الله
لا تزال نقطة إجراء الانتخابات في موعدها توحد صفوف المعارضة اللبنانية بكافة أطيافها. فما أن تطايرت الأنباء باحتمال تأجيل الانتخابات البلدية اللبنانية وذلك بعد إعلان عمر كرامي عن نيته تقديم اعتذاره لتشكيل الحكومة المؤقتة، حتى تصاعدت حملة المعارضة للضغط من أجل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد أي شهر مايو / آذار القادم. واتهمت المعارضة فوراً الحكومة اللبنانية الموالية لسوريا بمحاولة نسف العملية الديموقراطية وتأجيل الانتخابات من أجل الحصول على مقاعد أكثر للموالين للنظام السوري. وسرعان ما تعالت أصوات الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتأكيد على مطلب إجراء انتخابات حرة ونزيهة في موعدها. وفي هذه الأثناء تراجع كرامي عن هذا الإعلان ومضي قدماً في تشكيل حكومته، وينتظر أن ترى النور الأسبوع المقبل. مما يوحي بأن مشكلة الانتخابات في طريقها للحل.
بقيت قضية تسليح حزب الله، فلقد نص القرار الدولي 1559 على نزح سلاح كافة المليشيات بما فيها حزب الله. ولقد أثار تيري لارسن مبعوث الأمم المتحدة هذه النقطة في لقاءه مع الرئيس اللبناني اميل لحود، ولم يعرف عن ماذا أسفر اللقاء، كما تواردت أنباء عن احتمال عقد لقاء بين لارسن وحزب الله. لكن الثابت ان الموقف اللبناني ضد نزع سلاح المقاومة، خاصة مع استمرار احتلال مزارع شبعا. وحزب الله متمسك من ناحيته بخيار المقاومة الذي أثبتت فاعليته في إخراج الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان. ويبقى السؤال هل ستستطيع المعارضة التمسك بوحدتها كما فعلت إزاء قرار الانسحاب السوري وقضية إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، أم أن قضية سلاح حزب الله ستحدث تصدعات في وحدة المقاومة التي هي تعاون بين أطياف مختلفة تضم الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وتيار الحريري وتشكيلات مختلفة من المعارضة المسيحية.
علاء الدين سرحان