تعيين سفير للسعودية لدى السلطة ـ تمهيد للتطبيع مع إسرائيل؟
١٨ أغسطس ٢٠٢٣للمرة الأولى، عينت المملكة العربية السعودية سفيراً لها لدى السلطة الفلسطينية. السبت الماضي، قدم نايف السديري، سفير المملكة العربية السعودية في الأردن، أوراق اعتماده إلى وفد من السلطة الفلسطينية. وتشير هذه الأوراق إليه باعتباره "سفيرا (للسعودية) فوق العادة مفوضا وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلا عاما بمدينة القدس"، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس". ومع ذلك، فإن مكتب السفير الرسمي سيظل في العاصمة الأردنية عمّان.
السفير السعودي نايف السديري سيسافر في إطار منصبيه الجديدين أيضا إلى القدس. ومع ذلك، أوضح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بسرعة أنه من غير المتوقع وجود إقامة سعودية ثابتة للتواصل الدبلوماسي مع الأراضي الفلسطينية في القدس. قد يلتقي السديري بممثلي السلطة الفلسطينية، لكن كوهين أكد قبل بضعة أيام لإذاعة 103 FM في تل أبيب أنه لن يكون لديه وجود رسمي في القدس. وقال بوضوح: "لن نسمح بذلك".
التقارب السعودي الإسرائيلي
تأتي تعيينات السديري في وقت تظهر فيه خطوات تقارب في العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل. ورغم أن المملكة العربية السعودية لم توقع حتى الآن على ما يعرف باتفاقيات أبراهام ، التي أدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية بعد عقود من الرفض، إلا أن الرياض قد أظهرت منذ مدة طويلة عدم رفضها لاحتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فقد سمحت السعودية لأول مرة في العام الماضي برحلات جوية مباشرة من إسرائيل.
تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية هو هدف سياسي خارجي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعدما مهد سلفه دونالد ترامب لاتفاقات أبراهام مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ثم مع السودان والمغرب. ويبدو أن بايدن يسعى الآن إلى التوصل إلى اتفاق مماثل بين السعودية وإسرائيل. وهذا سيكون له أهمية رمزية أكبر حتى من الاتفاقات التي تم التوصل إليها حتى الآن مع الدول الأخرى، وذلك نظرا لأهمية وثقل السعودية.
العلاقة بين السعودية والفلسطينيين
"المملكة العربية السعودية ليست مجرد أي دولة عربية أخرى،" يقول الباحث السياسي أوزي رابي، مدير مركز "موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا"، التابع لجامعة تل أبيب. "المملكة العربية السعودية هي دولة رائدة في العالم العربي والإسلامي. وكدولة رائدة، تظهر أيضا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والفلسطينيين،" كما يقول رابي لـ DW.
يظهر أن المملكة العربية السعودية بتعيين السديري تقوم الآن بتعديل مسار. تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان كانت المملكة قد أبعدت نفسها عن الفلسطينيين. فقد كانوا في حسابات ولي العهد "عائقا مزعجا لعلاقته مع إسرائيل، والذي يرغب في التخلص منه في أسرع وقت ممكن"، وفقًا لخبير الشؤون الشرق أوسطية غيدو شتاينبرغ من "مؤسسة العلوم والسياسة" في برلين، إذ ذكر ذلك منذ بعض السنوات.
لا تحظى موقف ولي العهد من الفلسطينيين بتأييد كامل في العالم العربي، تقول لـ DW آنا ياكوب، خبيرة شؤؤون شبه الجزيرة العربية في "مجموعة الأزمات الدولية"، وتشرح: "القيادة السعودية على علم بموقف شعبها المحلي وبأهمية القضية الفلسطينية المستمرة في عيون الشعب السعودي وفي العالم العربي بأكمله".
وبالفعل مازال يشعر كثير من العرب بتضامن قوي مع الفلسطينيين. ووفقًا لمؤشر الرأي العربي لعام 2022 الذي أجراه "المركز العربي في واشنطن"، فإن حوالي 76 في المائة من المستجوبين من 14 دولة عربية يرون أن قضايا الفلسطينيين هي قضايا جميع العرب.
الطريق إلى التطبيع ـ اهتمام مشترك بالتوصل لاتفاق
تعيين المملكة العربية السعودية لسفير للأراضي الفلسطينية يظهر على أنه تنازل أمام تضامن العديد من العرب مع القضايا الفلسطينية. على الرغم من أن هذه القضايا ليست الجانب المركزي في اقتراب الرياض من إسرائيل، كما قال أوزي رابي، لكنه يوضح: "لكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية كدولة رائدة في العالم العربي، يتعلق الأمر بتسريع عملية التطبيع، وذلك من خلال إرسال إيماءات تجاه الفلسطينيين." وهذا ما أشار إليه السديري بنفسه، فمن خلال هذه الخطوة، تؤكد القيادة السعودية رغبتها في تعزيز العلاقات مع "الأشقاء في دولة فلسطين" وتقديم دفعة رسمية لهم في جميع المجالات، وفقًا لما قاله الدبلوماسي السعودي في فيديو بثته قناة "الإخبارية" التلفزيونية السعودية الرسمية.
استجابة إسرائيل بتحفظ لتعيين السديري قد تعود إلى الاهتمامات المشتركة التي تربط إسرائيل بالسعودية. ويعني بشكل خاص ما يتعلق بإيران . إذ على الرغم من أن المملكة العربية السعودية وإيران اتفقتا في آذار/ مارس من هذا العام بوساطة صينية على إنهاء العداوة بينهما التي استمرت عقودا، إلا أن العلاقة بين البلدين لا تزال متوترة، بحسب قول أوزي رابي. ولذلك، تأمل الرياض في مزيد من الدعم العسكري من الولايات المتحدة.
في إسرائيل يُنظر أيضا إلى إيران على أنها تهديد. في الواقع، هددت القيادات الإيرانية مرارا بـ"تدمير إسرائيل"، ولذا فإن هناك قاسم مشترك بين البلدين من خلال معارضتهما المشتركة لطهران. ولدى الولايات المتحدة علاقة متوترة مع طهران. "بالنسبة لهذا، جميع الأطراف - (رئيس الوزراء الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، ومحمد بن سلمان، وجو بايدن - لديهم اهتمام بالتوصل إلى اتفاق"، وفقا لما قاله أوزي رابي. ويضيف: "لذلك يجب أن تفكر إسرائيل في إظهار إيماءة تجاه الفلسطينيين تُرضي أيضا الرياض"، ثم يختم أوزي رابي بالقول: "ثم يمكن تنفيذ التقارب".
كيرستين كنيب/ ع.خ