تعليق: ما يحدث في العراق يهدد أمن أوروبا أيضا
١٢ يونيو ٢٠١٤"ما يحدث في أفغانستان هو دفاع عن أمن أوروبا " قالها وزير الدفاع الألماني الأسبق بيتر شتروك لتبرير المهمة العسكرية الألمانية والغربية في أفغانستان. ما يزال الجدل مستمراحتى يومنا هذا حول ما إذا كانت هذه المهمة قد فشلت أو ربما حققت نجاحا جزئيا من خلال مساهمتها في إضعاف القاعدة وطالبان. لكن تحليل سيناريوهات التهديد يبقى صالحا للاستخدام ولا ينطبق على أفغانستان فحسب.
علينا أن ندرك الآن أن أمن أوروبا يشهد تحديات أيضا في الموصل وتكريت والرمادي. مدينة عراقية تلو الأخرى سقطت خلال الأيام الماضية دون مقاومة تقريبا، في أيدي عناصر جهادية متطرفة. لا يكتفي مقاتلو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) بهذه المدن فحسب بل يمتد نظرهم للعاصمة بغداد. وسط فزع شديد فر مئات الآلاف من الموصل والمناطق المحيطة بها خوفا من أهوال نظام إرهابي بغطاء ديني، الأمر الذي يزيد من عدد اللاجئين في هذه المنطقة ممن ينتقلون من بلد لآخر أو منطقة لأخرى أو قد يبحثون في وقت ما عن الأمن عند الجارة أوروبا.
دولة الإرهاب غير مقبولة
من غير المتوقع أن ينجح الجهاديون في السيطرة على العراق بالكامل في وقت منظور بالنظر إلى المقاومة المنتظرة من الميلشيات الكردية والشيعية في المناطق الشيعية والكردية. كما أن الدول المجاورة والقوى الفاعلة الأخرى في المنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل لن تسمح بحدوث مثل هذا السيناريو دون تدخل. لكن بالرغم من كل هذا فإن العراق صار مهددا الآن بالوقوع مرة أخرى في حلقة مفرغة من الإرهاب والعنف واسع النطاق يمكن أن تنهار الدولة تماما. وهذا ربما سيجعل العالم في مواجهة مع "دولة خلافة" قوية التسلح يقودها متطرفون سنة في أجزاء من العراق والجارة سوريا، وقد تتحول بسرعة إلى معسكر تدريب ونقطة جذب قوية للجهاديين من كل أنحاء العالم.
على العالم ألا يسمح بتأسيس مثل هذا النموذج لدولة الإرهاب: من حق العراقيين علينا في هذا الوضع الخطير أن نقدم لهم أفضل المساندة، سيما وأن مثل هذه الدولة الجهادية تمثل عامل تهديد دائم لأوروبا. فتنظيم "داعش" يضم بالفعل العديد من العناصر القادمة من أوروبا، بالإضافة إلى متطرفين سنيين من دول عربية وآسيوية، كما أن الشخص المشتبه في تورطه في قتل ثلاثة أشخاص في هجوم على المتحف اليهودي في بروكسل، كان ضمن صفوف مقاتلي "داعش" في سوريا.
لكن يبقى السؤال الأهم هو ماذا يمكن أن يفعل الغرب في هذا الوضع المعقد وفي تلك المنطقة مترامية الأطراف؟ التدخل العسكري المباشر مستبعد حتى إشعار آخر. فبعد التجارب المريرة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة من خلال العملية العسكرية في العراق والتي تعتبر محل تساؤل بالنظر للقانون الدولي، صار هذا الخيار بمثابة الحل الأخير وفي حالة الضرورة القصوى. في الوقت نفسه يجب أن يتجنب الغرب الوقوع في فخ الالتقاء في خندق واحد مع مصالح الديكتاتور السوري بشار الأسد، الذي يعد أحد أكبر أعداء "داعش". فالأسد حتى وإن لم يقم يقطع رقاب مناهضيه بزعم الاستناد إلى الشريعة الإسلامية، فهو ليس أفضل من الجهاديين السنيين، إذ أنه يرهب معارضيه بالقصف الجوي واسع النطاق.
الحاجة لأكثر من المساعدات العسكرية
المساعدات العسكرية هي المطلوبة الآن، والتي عرضتها الولايات المتحدة بالفعل. يجب التصدي للإرهاب بالقوة وهو أمر لا بديل عنه، لكن المسألة لا يجب أن يتوقف عند هذا الحد، فكل مساعدة للحكومة العراقية يجب ربطها بشروط سياسية، إذ يتعين الضغط على رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي، لدفعه إلى عدم إقصاء الأقلية السنية من توزيع السلطة والثروة. فلا يمكن تصور تحقق الانتصارات العسكرية الأخيرة للجهاديين دون أن تكون قد حظيت بدعم خفي على الأقل من قبل هذه المجموعات الشعبية المقصاة.
ثمة حاجة أيضا لضغط سياسي عسكري غربي باتجاه الحلفاء "الأوفياء" المحتملين للغرب مثل السعودية ودول أخرى في منطقة الخليج، لاسيما وأن ممولي "داعش" وشركائها يستقرون في هذه "الدول الشريكة" ويتعمدون إشعال الصراع بين الشيعة والسنة.
تعليق: راينر زوليش