تعلم اللغات الأجنبية في الصغر "كالنقش في الحجر"؟
٢٦ مارس ٢٠١٢في فرانكفورت، في مركز تعليم اللغة الانجليزية للأطفال، حتى الرضـّع منهم، تجلس الأمهات مع صغارهن يستمعن إلى الأغاني الإنجليزية ويتمايلن مع الألحان. الأطفال هنا لا يكترثون كثيرا بما يسمعون، فاللغة الانجليزية ما زالت غريبة عليهم، وهم يسمعونها مرة واحدة في الأسبوع. ولكن ما إن يردد أحدهم أي كلمة انجليزية، حتى تنهال عليه كلمات الثناء. يريد الأهالي أن يتعلم الأبناء لغة أخرى غير اللغة الألمانية. و"العلم في الصغر كالنقش في الحجر" فعلا. الطفلة ميرالي نموذج معبـّر. عمرها سنة واحدة وهي تحضر هذه الدورة برفقة أمها منذ ثمانية أشهر. والدتها مريم باردوفيكس تقول: "فيما يتعلق بثنائية اللغة، فمن الأفضل للطفل أن يبدأ في سن مبكرة في سماع اللغة الثانية إضافة إلى لغته الأم، وهذا يساعد كثيراً في إعداد الطفل للمستقبل، وخاصة إذا أراد هذا الطفل لاحقاً أن يتعلم اللغة الثانية بشكل جيد." وهذه حقائق يؤكدها العلم، لأن المفاهيم والمهارات اللغوية يتم اكتشافها في مرحلة مبكرة من العمر، كما أن الأساسيات في تعلم أي لغة، أي النطق الصحيح والقواعد، تترسخفي ذهن الإنسان بشكل أسهلفي سنالطفولة. لذلك تعتقد مريم باردوفيكس أن ابنتها سوف تحافظ في المستقبل على الكثير مما تتعلمه في مركزاللغة. أما لماذا اللغة الانجليزية بالذات، فلأنها اللغة الأكثر انتشارا في العالم حاليا.
تشكيك في جدوى التعلم في سن مبكر
بترا شولز، الباحثة في علم اللغات والبروفسورة في جامعة فرانكفورت بمعهد علم النفس واللغة، والتي تدرّس مادة "الألمانية كلغة ثانية" لديها رأي آخر. تقول إنها لم تطلع على دراسة علمية من شأنها أن تُظهر الأثر الإيجابي لدورات اللغة الأجنبيةللأطفال في سن مبكرة. بل وتعتقد أن هناك مبالغة في تقدير قيمة دورات تعليم اللغات عند الأطفال في سن مبكرة، خاصة وأن هؤلاء الأطفال لا يحتكونباللغة الانجليزية إلاّ ساعة واحدة فقط في الأسبوع، وقضاء هذهالساعة في المركز التعليمي لا يلعب دوراً كبيراً بالمقارنة مع ما يعايشه الطفل يومياًخارج المركز. لذلك تشكك بترا شولزبأهمية تعلم لغة ثانية في مرحلة الطفولةالمبكرة وتقول: "إن الطفل الذي يتعلم لغة ثانية غير لغته في مراكز اللغات لا يقارن بالطفل الذي يكبر ثنائي اللغة في العائلة منذ الولادة." وعلى ضوء هذا، تصبح الآمال التي يعقدها العديد من الأهالي على دورات اللغة لأطفالهم في مرحلة الطفولة المبكرة، مبالغ فيها جدا، حسب رأي شولر.
الاستعداد لزمن العولمة
في البداية كانت ماري أنّا فيليباكيس تدرّس اللغة الانجليزية للأطفال والرضع في منزلها الخاص، وأحيانا كانت تذهب إليهم في رياض الأطفال ودور الحضانة. ولكن الأمر اختلف حالياً، فعدد الأطفال تزايد بشكل كبير، لذلك أسست مركزاً لتعليم اللغة الانجليزية في فرانكفورت وبدأت التدريس فيه. وهي تحدثنا عن بدايات العمل بالمركز بحضور خمسة عشر طفلاً، وتقول ووجهها يشع فرحاً: "الآن وصل عدد الأطفال والرضع في دروسي إلى قرابة المائة والخمسين طفلاً." بالطبع هي لا تستغرب اهتمام الأهالي الكبير في ألمانيا بتوجيه أطفالهم لاكتساب لغة ثانية في سن مبكرة، إذ يريدون أن يقدموا لأطفالهم هذه الفرصة في بداية العمر. وتضيف المتحدثة قائلة: "إذا تعلم الأطفال اللغة الأجنبية في مرحلة مبكرة من عمرهم فسوف يتقنونها في المستقبل من دون صعوبة".
صاحبة المركز الخاص تنتقد في حديثها النظام التعليمي الألماني حيث تقول: "إن المدارس الألمانية تدرّس اللغة الأجنبية الأولى في وقت متأخر جدا. وبعد ذلك يجب على الأطفال إتقان اللغة الجديدة في وقت لا يتجاوز الثماني سنوات، أي حتى نهاية المدرسة." وهذا بالضبط ما جعل الكثير من الأهالي في ألمانيا يتخوفون من الاحتمالات السلبية في المستقبل، على سبيل المثال قد لا يحصل أطفالهم في المستقبل على وظيفة جيدة أو قد تكون أجورهم ضئيلة بسبب عدم قدرتهم على التحدث بلغات عالمية بشكل جيد. لذا أخذوا زمام المبادرة وسجلوا أطفالهم في دورات لتعليم اللغة الإنجليزية بهدف تهيئة أطفالهم لأن يكونوا من الناجحين في عملهم في المستقبل في عصر العولمة.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين، تنتعش المؤسسات التعليمية الخاصة في ألمانيا أيضا. ولكن رأي الباحثة اللغوية بيترا شولتز يخيّب الآمال ويكبح الطموحات حيث تقول: "إنه طريق طويل وشاق أمام الأطفال بدءاً من دورة اللغة الانجليزية للرضع مروراً برياض الأطفال ثنائي اللغة، ثم المدرسة ثنائية اللغة ومن ثم الدراسة الجامعية وانتهاء بالعمل كمدير عام في شركة عالمية". هل يحصل كل طفل على هذه الفرصة؟ورغم هذا التشكيك لا تضعف عزيمةالأهاليالذين يتدفقون مع أطفالهم الصغار وحتى الرضّع منهم بكثافة إلى مركز اللغات في فرانكفورت.
اللغة مثل الموسيقى
الأمهات اللواتي يرافقن أطفالهن إلى مركز التعليم اللغوي يعرفن أهدافهن تماما. فاللغات الأجنبية هي جزء من حياتهن اليومية. بعضهن من أصول أجنبية وبعضهن الآخر متزوج من رجال أجانب. هذا يعني إلى جانب اللغة الألمانية أن أفراد الأسرة يتكلمون في البيت تلقائياً لغة ثانية. وكما تقول ماري أنّا فيليباكيس الأمريكية الأصل أن 80 بالمائة من الأطفال في المركز لديهم أصول أجنبية. على سبيل المثال الطفلة أيومي صوفي يونغس ذات الثمانية عشر شهراً من العمر، والداها من جنسيتين مختلفتين، فأبوها ألماني وأمها يابانية. الطفلة تنشأ ثنائية اللغة ففي المنزل تتكلم العائلة مع الطفلة باللغتين معا باستمرار. والآن ها هي تتعلم في مركز ماري أنّا فيليباكيس اللغة الانجليزية. عازفة البيانو أم الفتاة أيومي صوفي تعرف من خلال رحلاتها الموسيقية عبر العالم مدى أهمية أن يتحدث المرء لغة انجليزية جيدة. ولذلك تريد هي أن تمنح ابنتها الفرصة لأن تكتسب إحساساً باللغة الانجليزية في سن مبكرة. وتؤكد في حديثها على أن اللغة مثل الموسيقى.
عن طريق الموسيقى والغناء ينمو الحس اللغوي عند الأطفال. هل يتعلم الطفل إيقاعات اللغة كما يتعلم إيقاعات الموسيقى؟ بحسب عازفة البيانو اليابانية يكون الجواب "نعم"، لأن اللغة هي مزج بين الإيقاع واللحن أيضا. وتضيف قائلة: "إن الشعور بالإيقاع ينمو عند ابنتي وهذا ما يفيدها كثيراً في تعلّم اللغات." هذا المفهوم لا تريد الباحثة بيترا شولتز أن تناقضه، لكنها تختصر الكلام حول دورات تعليم اللغة للرضّع في كلمات إذ تقول: "إنها بحد ذاتها لا تؤذي، لكنها لا تجلب أيضاً أي شيء للأطفال الصغار، خاصة وأن هؤلاء الأطفال لا يعيرون اللغة الجديدة أي اهتمام إذا هم ليسوا على صلة يومية بها".
الكاتب: بيانكا فون دير أوّ / فؤاد آل عواد
مراجعة: عبده جميل المخلافي