تعزيز قوات الناتو.. ما مدى جاهزية الجيش الألماني؟
١٠ يوليو ٢٠٢٢تعد "قوة الرد السريع" بمثابة جدار الردع والحماية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) حيث تتشكل من وحدات قتالية متعددة الجنسيات جاهزة وعلى أهبة الاستعداد دائما، ففي حالة الطوارئ تكون هذه الوحدات قادرة على التحرك إلى مناطق الأزمات في غضون 48 ساعة للقيام بمهام برية أو بحرية أو جوية.
ويأمل القائمون على الحلف في زيادة جاهزية "قوة الردع السريع" في القريب العاجل حيث اتفق زعماء الحلف في قمة مدريد قبل أسبوع على تعزيز قوة الحلف على حدود أعضاء في شرق أوروبا عبر نشر قوة رد سريعة بقوام ما بين 40 إلى 300 ألف جندي على أهبة القتال.
وأعلنت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينه لامبرشت أن بلادها ستساهم بخمسة عشر ألف جندي، حيث سينتشر ما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة ألاف جندي من هذه القوة العسكرية في ليتوانيا حيث، يتمركز حتى الآن حوالي ألف جندي.
ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوى، بل سوف تسهم ألمانيا بـ 65 طائرة و 20 سفينة بالإضافة إلى قوة من الوحدات الخاصة في الجيش الألماني المعروفة اختصارا بـ "كيه إس كيه".
وفي سياق متصل، يأمل الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في رؤية جزء كبير من قوات الرد السريع الجديدة جاهزة للعمل في أقرب وقت ممكن العام المقبل وهو، الأمر الذي من شأنه أن يضع الكثير من الضغوط على الجيش الألماني.
أعباء ثقيلة
تنعكس تزايد الثقة في قدرات الحلف داخل أروقته في بروكسل في الوقت الحالي رغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وصف الحلف في أواخر 2019 "في حالة موت سريري" ، لكن يبدو أن الحرب الروسية أعادت الحلف للحياة كما أقر ماكرون بنفسه لاحقا.
بيد أن الوضع في ألمانيا يتسم بواقعية أكبر خاصة في ضوء الحالة الحالية للجيش الألماني ما يثير تساؤلات حيال هل بإمكان هذا الجيش التعامل مع مهام الناتو الجديدة في ظل تقلص حجم الجيش بشكل كبير منذ نهاية الحرب الباردة.
وقد أشارت وزيرة الدفاع لامبرشت إلى ذلك خلال مناقشة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) في نهاية أبريل / نيسان، بقولها: "على الورق لدينا 350 مركبة مشاة مدرعة من طراز "بوما"، العاملة منها 150 مركبة، وهذا الوضع يشابه وضع الطائرات المقاتلة من طراز "النمر" فمن أصل 51 طائرة، تسعة فقط يمكنها الإقلاع."
وأضافت "هناك نقص في السترات الواقية وحقائب الظهر ومعدات الرؤية الليلية، بل هناك نقص في ملابس داخلية حرارية للقوات المتمركزة على الجناح الشرقي لحلف الناتو".
ووفقا لمفوضة الدفاع في البوندستاغ، إيفا هوغل، التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس، فإن تعزيز "قوة الدرع السريع" لحلف الناتو قد تضع أعباء ثقيلة على الجيش الألماني الذي يُعرف باسم "البوندسفير". وقالت في تصريحات لصحيفة "أوغسبورغ الجماينه" إنه يُتوقع "تزايد وتيرة المطالب على ألمانيا"، مضيفة أن هذا يمثل "تحديا كبيرا على الجيش الألماني فيما يتعلق بالأفراد والعتاد والمعدات والبنية التحتية."
تحديات كبيرة
وبدوره، يرى رئيس رابطة البوندسفير، أندريه فوستنر، أن الجيش الألماني "يواجه تحديا كبيرا يتمثل في قدرته على القيام بهذه المهمة في ظل هذا العدد الصغير من الجنود على الإطلاق". ويعتقد فوستر أنه ما أعلنه المستشار الألماني من صندوق خاص بقيمة مئة مليار يورو لتحديث الجيش لن يكون كافيا لإعادة التنظيم الهيكلي الخاص بالجيش، على حد قوله. وأوضح ذلك، قائلا: "إذا أردنا تحقيق ما يفكر فيه الناتو، فإننا نتحدث عن تمويل يتجاوز 200 مليار".
وفي ذلك، لا يزال خبراء وزارة الدفاع يناقشون الكيفية التي سيتم بها إنفاق المئة مليار دولار، لكن الوقت ليس في صالحهم إذ يتعين عليهم العمل على تحديث الجيش الألماني في وقت سريع.
نقص الدبابات
وقد حذر كريستيان مولينغ، مدير الأبحاث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، من أن "الأرفف فارغة وهو ما يجب أن نفكر فيه. السوق لا يبدأ في إنتاج أي شيء قبل معرفة ما إذا كان هناك من يرغب في الشراء. فالأمر لن يكون بمثابة شراء دبابة من أرفف السوبر ماركت، بل يجب التصنيع أولا".
كذلك يحتاج الجنود الألمان إلى هياكل قيادية وتعزيزات لوجستية، وفقا لما أشار إليه مولينغ. وأضاف "يجب أن يكونوا قادرين على التنقل، لكن الاتصال والتواصل بين القادة والجنود يعد أهم شيء في الجيش وهذا يعني ضرورة وجود أجهزة راديو وأقمار صناعية جديدة ومجموعة كاملة من وسائل الاتصال". وقال إن الجيش الألماني لديه بعض الإمكانات "للحاق بهذا الركب".
الشكوك لن تساعد في وقت الحروب
وشدد مولينغ على أنه في وقت السلم يمكن إخفاء القصور في النواحي العسكرية، لكن في وقت الحرب يكون للأمر تداعيات خطيرة. وأضاف "في زمن الحرب، تكون أوجه القصور واضحة بشكل مخيف فإذا لم يتم السيطرة عليهم، فسوف يكون المصير الغرق".
ويعتقد كثيرون أن هناك حاجة إلى تغيير طريقة تفكير المؤسسة العسكرية الألمانية خاصة بعد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالذات فيما يتعلق بمفهوم "ضبط النفس" على الصعيد العسكري، وهو الأمر الذي حظي بإجماع بين السياسيين والمجتمع فيما كانت البيروقراطية تبطء عملية صنع القرار.
وقد أدى ذلك إلى تداعيات خطيرة، لكن الآن فإن سيناريو أسوأ الحالات قد يكون قريبا والمتمثل في أن يتحول الجيش الألماني إلى قوة قتالية يمكنها الصمود في ساحات المعارك الصعبة.
وفي هذا السياق، قال فرانك سوير من جامعة الجيش الألماني بالقرب من ميونيخ إن الوقت "قد تغير في الوقت الحالي مرة أخرى"، في إشارة ضمنية لما أعلنه شولتس من "تغير الزمن" عند بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر فبراير / شباط. وفي مقابلة مع DW، قال الباحث العسكري فرانك سوير إن "وحدات الناتو التي كانت ولا تزال متمركزة في الجانب الشرقي من بحر البلطيق من حيث المبدأ تشبه قوة عسكرية أصغر بكثير من قوات الخصم المحتمل."
وأضاف أن الهدف كان إبطاء الغزو الروسي المحتمل لأراضي الناتو حتى يكسب الحلف الوقت لتنظيم صفوفه، مشيرا "لكننا الآن نواجه عدوانا روسيا في أوكرانيا والآن يقولون أنهم لا يستطيعون وضع قوة عسكرية صغيرة. كان يتعين علينا أن نكون قادرين على الدفاع منذ البداية، لهذا السبب تقررت هذه الزيادة الهائلة."
وقال إن هذا الأمر لن يصب فحسب في صالح تعزيز القدرات الدفاعية الجيش الألماني على سبيل المثال للدفاع عن ليتوانيا، وإنما أيضا لأنه يُتوقع أن "تحظى ألمانيا بموقع لوجستي للتعامل مع كل شيء". وأضاف "سيأتي هذا الأمر في إطار إعادة التنظيم الاستراتيجي في أوروبا بشكل كبير مما سيكون له تأثيرات طويلة الأمد على الجيش الألماني." وشدد سوير على أن هذا يمثل تحديا كبيرا أمام الجيش الألماني.
رالف بوزن / م ع