تعديل قانوني حول الإجهاض.. هل يقلل معاناة المرأة في ألمانيا؟
٢٤ يونيو ٢٠٢٢صوت البرلمان الألماني اليوم الجمعة (24 يونيو/حزيران 2022) على رفع الحظر المثير للجدل على الإعلان عن عمليات الإجهاض. وصوتت أغلبية كبيرة من أعضاء البرلمان لصالح حذف الفقر (219 إيه) من قانون العقوبات، فيما صوت ضده نواب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والبديل من أجل ألمانيا، اليميني الشعبوي.
وحتى الآن، كانت الفقرة (219 إيه) تحظر الإعلان عن عمليات الإجهاض، وهو ما أدى إلى العديد من المواقف التي لا يشعر فيها الأطباء بأنهم يستطيعون إبلاغ المرضى بشكل صحيح بالإجهاض دون المخاطرة برفع دعوى قضائية. وسيسمح هذا التعديل القانوني للأطباء بتقديم المعلومات في حرية.
ووصف وزير العدل الألماني ماركو بوشمان هذا القانون بأنه "غير منطقي وقد عفا عليه الزمن"، في حين قالت وزيرة شؤون الأسرة ليزا باوز إنه "يوم عظيم"، مضيفة أن "صحة المرأة وتقرير مصيرها هي من حقوق الإنسان".
ورحب حزب "دي لينكه" اليساري المتشدد بالخطوة، ولكنه قال إنه لن يتم الذهاب بعيدا في هذا الأمر. وطالب الحزب بإلغاء الفقرة 218 من أجل إلغاء تجريم الإجهاض بشكل عام.
على الجانب الآخر، قال حزبا الاتحاد الديمقراطي المسيحي والبديل من أجل ألمانيا المعارضين لهذا التغيير القانوني، إنه كان هناك فرص عديدة أمام المرأة للحصول على معلومات حول الإجهاض بالفعل، مستشهدين بحقوق الطفل الذي لم يولد بعد. ورغم هذا التغيير القانوني، فإن الإعلان عن عمليات الإجهاض دون سبب طبي سيظل محظورا.
الوقوع تحت طائلة القانون
عانت الشابة الألمانية فيرينا كثيرا من أجل التخلص من حملها غير مرغوب فيه خاصة في العثور على معلومات في شبكة الانترنت، مضيفة "لم يكن من السهل الوصول إلى الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض أو كيفية إجراء عملية الإجهاض."
ويجرم القانون الألماني الإجهاض فيما تصل عقوبة خرق هذا القانون إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، لكن النساء والأطباء لا يعاقبون في حالات الإجهاض جراء أن الحمل يشكل خطرا على صحة المرأة أو في حالات الاغتصاب.
وخلافا لذلك، يمكن إجراء عملية الإجهاض خلال الأسابيع الاثني عشر الأولى من الحمل بعد الحصول على استشارة طبية إلزامية فيما لا تزال هناك عوائق مجتمعية ضد الإجهاض.
ووقعت طبيبة أمراض النساء كريستينا هانيل التي أجرت عمليات إجهاض لقرابة ثلاثين عاما في مدينة غيسين بغرب ألمانيا تحت طائلة هذا القانون حيث دفعت في عام 2017 غرامة قدرها 6000 يورو (6926 دولارًا) لإعلانها عن تقديم خدمات الإجهاض على موقعها على الإنترنت في قضية أثارت الكثير من الجدل في البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قالت إنه إذا جرى إلغاء هذا القانون، فإن ألمانيا "سوف تخطو خطوة في الاتجاه الصحيح لتوفير المعلومات للمرضى".
ويتضح ذلك فيما تقصه الشابة فيرينا البالغة من العمر 22 عاما حيث لم تجد معلومات كافية عن عمليات الإجهاض ما أدى إلى انتظارها كثيرا حتى عثرت على عيادة محلية حيث طُلب منها بشكل سري الاتصال بأحد الأطباء الثلاثة في منطقتها للمضي قدما في عملية الإجهاض.
ورغم ذلك، فإنها لم تعثر على معلومات كافية حيال تقييم هؤلاء الأطباء الثلاثة وقضايا أخرى تتعلق بالإجهاض مثل الفارق بين الإجهاض الدوائي و الإجهاض الجراحي وما هي الآثار الصحية المترتبة على الإجهاض؟
وفي ذلك، قالت"عند البحث عن الإجهاض على محرك البحث غوغل فإن المرء يكتشف مواقع إلكترونية تحذر من خطورة ذلك مع احتمالية الإصابة بالاكتئاب والعقم."
وأضافت "لا يعد هذا شكلا من أشكال النصائح الطبية إذ يجعل المرء يشعر بأنه أسوأ شخص في العالم".
وفي سياق متصل، قالت جانا ميفرت وهي طبيبة أمراض النساء في منظمة ألمانية تدافع عن حق النساء في الاختيار، إن عدم توافر معلومات كافية قد خلق ظروف قاسية للمرضى، مضيفة أن الأطباء لا يمكنهم الإشارة في موقعهم الإلكترونية إلى أنهم يجرون عمليات إجهاض طبية أو جراحية أو كليهما.
وأضافت أن الأطباء ليس بمقدورهم الإفصاح عن أنهم يجرون عمليات الإجهاض باستثناء تلك التي تُجرى حتى الأسبوع العاشر من الحمل، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة تجد المراة صعوبة إجراء عملية الإجهاض لأنها في الأسبوع الحادي عشر من الحمل.
"الإجهاض قضية من المحرمات"
الجدير بالذكر أن عملية الإجهاض في ألمانيا تمر بمراحل معقدة ففي البداية يطلب الطبيب رؤية شهادة تُثبت أن المرأة الحامل قد حصلت على استشارة من مركز طبي معتمد من الدولة على الأقل قبل ثلاثة أيام.
وتضم ألمانيا العديد من المنظمات التي تقدم المشورة الطبية للنساء مثل تقديم معلومات للمراة الحامل خاصة الخيارات المتاحة أمامها وقد تحصل على مساعدة نفسية ومالية إضافية إذا قررت الحفاظ على الجنين.
بيد أن الأمر لم يكن بالسهل بالنسبة للشابة فيرينا إذ كان حصولها على هذه الاستشارة الإلزامية أمرا شبه مستحيل، لكنها بعد محاولات مضنية استغرقت الكثير من الوقت حصلت على موعد للذهاب إلى العيادة المختصة للحصول على الاستشارة الإلزامية.
ورغم ذلك، قالت إن الطبيب لم يكن يقدم خدمات كما كانت تتوقع.
يشار إلى أنه منذ عام 2003، انخفض عدد الأطباء الذين يبدون استعدادهم لإجراء عمليات الإجهاض في ألمانيا بنسبة 40٪ فيما لا يوجد في البلاد في الوقت الحالي سوى 1200 عيادة أو منشأة طبية حيث يمكن لسيدة الحامل إجراء عملية إجهاض بشكل قانوني بعد أن كان عدد هذه العيادات يفوق الألفين قبل عشرين عاما.
وعلى وقع هذه المعلومات، أوضحت جانا ميفرت، أخصائية أمراض النساء، ان "الإجهاض يعد قضية من المحرمات أو المحظورات في ألمانيا سواء للمرضى والأطباء. فإذا كان الطبيب يعمل في بلدة صغيرة، فإنه سوف يقرر عدم إجراء عمليات إجهاض لأنه سوف يُطلق عليه طبيب الإجهاض".
وأضافت أنه في ألمانيا يوجد طبيب أمراض نساء واحد من بين كل عشرة أطباء يجري عمليات إجهاض وهذا لا يرجع بالضرورة لأنهم "يعارضون الإجهاض وإنما بسبب القيود والعقبات".
وأشارت إلى أن بعض المريضات "تضطر إلى السفر لمسافة تتجاوز 150 كيلومترا" للعثور على طبيب خاصة في المناطق الريفية أو ذات أغلبية كاثوليكية مثل بافاريا.
وقالت إن الأمر لا يتوقف على هذه المناطق بل أيضا في بعض المدن الكبرى إذ ذكرت وسائل إعلام محلية أن مستشفيات شتوتغارت لا تجري عمليات الإجهاض فيما أُحيل الطبيب الوحيد الذي يجرى عمليات إجهاض في مدينة مونستر إلى التقاعد عام 2019.
مظاهرات ضد الإجهاض
ومع تدني معدلات الإجهاض القانونية في ألمانيا، قل عدد النساء اللاتي خضعن لعمليات إجهاض بمرور الوقت حيث شهد العام الماضي أقل معدل للإجهاض في البلاد منذ عام 1996 الذي تزامن مع بدء تسجيل إحصائيات حول عمليات الإجهاض في البلاد.
وقد ذكر المكتب الفيدرالي للإحصاء أنه أُجريت قرابة 94000 عملية إجهاض العام الماضي بانخفاض بلغ نسبة 5.4٪ مقارنة بعام 2020 وذلك بالتزامن مع مظاهرات نظمها ناشطون ضد الإجهاض خارج العيادات وأيضا ارسال رسائل كراهية ضد الأطباء الذين يجرون عمليات إجهاض.
وتقر طبية أمراض النساء يانا ميفرت بذلك، مضيفة أنه في بعض مناطق بافاريا "يقف متظاهرون أمام العيادات طوال الوقت وهو ما يخلق أجواء مرعبة للمرضى والأطباء".
وقد دفع هذا الأمر طلاب الطب إلى إيجاد طرق مبتكرة للحصول على تدريب مناسب في هذا الصدد سواء في ورش عمل حيث يحضر الطلاب محاضرات لمناقشة عمليات الإجهاض، لكن لا تكفي هذه الدورات لحصول الطبيب على شهادة لإجراء عمليات الإجهاض.
كذلك يقوم بعض الأطباء في ألمانيا بوصف حبوب الإجهاض من خلال خدمات التطبيب عن بعد حيث تتناول الحامل هذه الأدوية في المنزل لكن تحت إشراف الطبيب في إطار الإجهاض الدوائي وتفادي الإجهاض الجراحي.
إليزابيث شوماخر (د ب أ)/ م ع