"تعاملوا مع الثقافات الأخرى بقلب مفتوح"
١ ديسمبر ٢٠٠٥دويتشه فيلّه: السيد السفير، تحظى جهودكم الرامية إلى تعزيز الحوار الثقافي بين ألمانيا والعالم العربي بإعجاب شديد في أوساط المصريين. هل لنا معرفة سر هذا الإعجاب؟
كوبلر: أعتقد أن ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى احترامنا وتقديرنا الشديد للثقافة العربية، فضلاً عن العلاقات الوثيقة، التي تربطنا بالعالم العربي والإسلامي، إذ اننا على اتصال دائم بالهيئات الدينية في مصر كمشيخة الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة القبطية. ومما لا شك فيه أنه لا غنى عن هذه العلاقات من أجل تفعيل الحوار الثقافي بين البلدين. وانطلاقاً من إدراكي أن نطاق الحوار الثقافي لا يمكن حصره عند الهيئات المسيحية والإسلامية، أحرص دائماً على زيارة الجامعات في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، لكي أقوم بتطبيق الحوار الثقافي عملياً من خلال النقاش المباشر مع طلبة كليات الاقتصاد والعلوم السياسية. وأرى أنه من المهم أن نتحدث مع المواطنين المصريين لكي نكون على علم بطريقة تفكيرهم. وهنا لابد لي أن أشيد بشفافية الحوار مع الجانب المصري.
يعتب المرء على الدول الأوربية تركيزها على إجراء مثل هذا الحوار مع الصفوة في المجتمعات العربية. كيف تستطيعون التواصل مع جماهير الشعب المصري؟
هذا سؤال مهم للغاية، ونحن على علم بهذه الإشكالية. لا غرو أنه من الواجب أن نتحاور مع النخبة السياسية والدينية في البلدان العربية، ويجب علينا ألا نغفل عن مدى التأثير القوي للحوار، الذي يدور على هذا المستوى، لكننا لا نكتف بذلك ونهتم بركائز أخرى أساسية للتواصل الثقافي كالصحافة، وذلك من خلال المركز الإعلامي الألماني بالقاهرة، الذي ينقل صورة واضحة عن مجريات الحياة السياسية في ألمانيا إلى كافة أقطار العالم العربي والإسلامي عبر شبكة الانترنت. ونهتم في إطار أعمال هذا المركز بالتواصل مع أصدقائنا العرب من خلال لغتهم الأم.
ما هو واجب العرب والمسلمين لكي يؤتي الحوار الثقافي أكُله؟
من المهم أن يستمر الحوار بيننا وبين أصدقائنا العرب وأن نبقى على علاقة وثيقة بهم. علينا أن نستمر فيما بدأناه، وأعني بذلك دعم نشر اللغة الألمانية في العالم العربي وتفعيل دور معهد غوته ودعم موقع دويتشه فيلّه وغيره من المواقع الإلكترونية الألمانية المعنية بالحوار مع العالم العربي والإسلامي. نرجو من الجانب العربي أن يأخذ بعين الاعتبار أنه من المهم اتخاذ مواقف محددة وصريحة تجاه قضية الإرهاب الدولي. لقد أبدت الهيئات الدينية في مصر بكل وضوح رفضها وتنديدها بالإرهاب والتطرف. لكن الجزء الأهم يقع على عاتق أئمة المساجد، إذ أن من واجبهم توضيح حقائق هامة ألا وهي أن الإرهاب لا يخدم مصالح المسلمين، وأنه لا يمكن استغلال الدين كوسيلة لتبرير الأعمال الانتحارية، فليس هناك ما يبيح القيام بعلميات إرهابية تؤدي بحياة الأبرياء. نود أن يتبنى الجانب العربي هذا الموقف وأن ينقله إلى عموم الناس.
تظهر الإحصائيات أن الشباب هم الفئة الأكبر بين زوار موقعنا، مما يعكس اهتمام شبابي بالحوار الثقافي مع ألمانيا في العالم العربي. هل تهتمون أيضاً بتعزيز الحوار الثقافي في أوساط الجيل الجديد؟
بالتأكيد. ولدينا في مصر ثلاث مدارس ألمانية: اثنتين في القاهرة وثالثة في الإسكندرية، 90 بالمائة من تلاميذ هذه المدارس مصريين. يعايش خريجو هذه المدارس الثقافة الألمانية منذ الصغر ويلعبون دوراً فعالاً في الحوار الثقافي بين الشباب. ومنذ عامين توجد جامعة ألمانية في مصر، وهي جامعة خاصة تم دعمها مادياً وعلمياً من قبل جمهورية ألمانيا الاتحادية، يعادل مستواها مستوى الجامعات في ألمانيا. أما بالنسبة للسياحة الألمانية إلى العالم العربي فلها دور محوري في التواصل بين الشعوب، إذ يزور مصر وحدها أكثر من مليون مواطن ألماني كل عام. يعود هؤلاء إلى وطنهم كسفراء لمصر، ليحكون عنها وعن شبعها بصورة حسنة.
أنتم تجيدون اللغة العربية، هل سبق لكم زيارة موقعنا على شبكة الانترنت؟
بالطبع، ويوجد في معهد غوته بالقاهرة مركز خاص لعرض برامج وأخبار دويتشه فيلّه. ومن دواعي سروري أن أقوم بتصفح موقعكم عند تواجدي بالمعهد. مما لا شك فيه أن البرنامج العربي لدويتشه فيلّه يمثل خطوة كبيرة نحو الأمام. أتمني أن يستمر هذا البرنامج وأن يتم توسيع نطاقه في المستقبل. فمن الضروري أن تتواجد دويتشه فيلًه بصورة أكبر في العالم العربي لنقل مواقف بلادنا تجاه قضاياه، لاسيما وأن التلفاز ووسائل الأعلام الاليكترونية هي ما يشاهده الناس في المقاهي والقرى وما يستخدمه الطلاب أثناء دراستهم.
هل لكم أن توجهوا كلمة لقرائنا العرب؟
أنصح الجميع، خاصة الشباب منهم، أن يتطلعوا إلى الثقافات الأخرى بقلب مفتوح، وألا يضيقوا آفاق تفكيرهم، وألا يصلبوا مواقفهم. علينا أن نستفيد من التقنيات الحديثة في عصر العولمة لكي نتمكن من تنمية معارفنا وإطلاعنا على الثقافات الأخرى. علينا أن نعمل سوياً على حماية الحرية الفكرية، وأن نتسامح مع الرأي الآخر. ويجب أن نعى أن الفكر الأحادي، الذي لا يأخذ الفكر الآخر بعين الاعتبار، هو فكر ضيق ومن الواجب تجنبه. هذا النداء ليس موجهاً إلى قراء موقعكم العربي فحسب، بل إلى الألمان أيضاً وإلى الإنسانية جمعاء.
أجرى الحوار علاء الدين سرحان
كوبلر في سطور
ولد مـارتـين كـوبـلـر عام 1953 في مدينة شتوتغارت الألمانية. وبعد تخرجه في كلية الحقوق عام 1983 التحق بالكادر الدبلوماسي الأعلى بوزارة الخارجية الألمانية، ليشغل مناصب دبلوماسية رفيعة، لعل أهمها: ملحق بالسفارة الألمانية في القاهرة/مصر ونيودلهي/الهند، رئيس مكتب التمثيل الدبلوماسي الألماني بمدينة أريحا، نائب مدير مكتب وزير الخارجية الألماني، مدير مكتب وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر. ويشغل مارتين كوبلر منذ آب/أغسطس 2003 منصب سفير جمهورية ألمانيا لاتحادية في القاهرة.