"تعال نحكي دوغري".. ثنائي راب ينشد السلام في الشرق الأوسط
٣ يناير ٢٠٢٢يافا ديسمبر/ كانون الأول 2021: أسر عربية تجلس في مطعم بالمدينة القديمة، وبجانبها شباب إسرائيليون يجلسون في مقهى مجاور، في أجواء هادئة ومريحة. "نحن لا نقتل بعضنا كل يوم هنا"، يقول سامح زقوت الذي يسكن في شقته الصغيرة في أحد شوارع يافا الفرعية، ويضيف مبتسما "إننا نتفاهم جيدا خلال حياتنا اليومية".
لكن أن يجلس عربي ويهودي فعلا على طاولة واحدة ويتحدثان بصراحة تامة مع بعضهما، فهو استثناء وأمر نادر جدا. لكن هذا هو ما يفعله بالضبط، مغنيا الراب الإسرائيليان: سامح زقوت العربي وأوريا روزنمان اليهودي، إذ يتكلمان بصراحة تامة، في مشروعهما الموسيقي المشترك "دغري" وخاصة في أغنيتهما "تعال نحكي دغري".
وفي أغنيتهما الجديدة والفيديو كليب الذي نشر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، يجلس سامح وأوريا على مقعدين مقيدين بحبل معا وقد أدارا ظهرهما لبعضهما. ويحاولان الفكاك والابتعاد عن بعضهما بدون جدوى، في كناية عن وضع الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي هذه الأغنية التي عنوانها "Munfas" يغني كل منهما بلغته الأم "العربية والعبرية" ويقولان فيها "فش عنا منفس.. فش عنا منفس"، وهي صرخة وتعبير عن اليأس من حدوث تغيير بعد تصاعد العنف.
مايو/ أيار 2021: انتشار حالة من الذعر في يافا
في مايو/ أيار الماضي تم إطلاق صواريخ من قطاع غزة على القدس وتل أبيب، فرد سلاح الجو الإسرائيلي بقصف غزة. مدينة يافا العربية التي هي اليوم جزء من تل أبيب، عاشت لأيام عديدة أجواء حرب، حيث السيارات المدمرة، وواجهات المحلات التجارية الزجاجية التي تحول إلى شظايا، كما طال القصف حتى سوق السلع المستعملة.
والكثير من سكان المدينة كانوا يخشون الخروج من منازلهم، حيث كان اليهود يتعرضون لهجمات من العرب المتطرفين، والمتطرفون من اليهود كانوا يضايقون المواطنين العرب. ويافا كما المدن الأخرى المختلطة "عرب ويهود" كانت في حالة صدمة. "كان بعدا جديدا تماما" يقول اوريا روزنمان متذكرا تلك الأيام، ويضيف "لقد ساد الذعر". والحرب لم تقتصر على حماس في قطاع عزة والجيش الإسرائيلي فقط، وإنما بين الإسرائيليين على اختلاف انتماءاتهم، وكثيرون كان يتساءلون: كيف يمكن أن يحدث شيء مثل هذا؟
في تلك الأثناء ظهرت أغنية راب، كنور وصفعة في نفس الوقت. حيث أنها أوضحت وأعلنت ما كان كثيرون لا يريدون تصديقه: فالعدوانية المكبوتة بين الإسرائيليين العرب واليهود منذ زمن طويل، كانت بحاجة إلى شرارة فقط لتطفو على السطح وتظهر للعلن. وهذه الأغنية بعنوان "تعال نحكي دغري" كانت الأولى لثنائي الراب: سامح زقوت وأوريا روزنمان.
أحكام مسبقة وعنصرية متبادلة
يقول أوريا في الأغنية بالعبرية "وين ما في عرب في عمليات. وأنتو بدكم تفوتوا على نوادي ليلية تسهروا؟ مش أحسن تبطلوا تضايقوا نسواننا؟". يرد عليه سامح في الأغنية بالعربية "أنتو اليهود نسيتوا شو يعني تكون أقلية" ويضيف "عربي منيح هو عربي ميت".
وقبل كتابة نص الأغنية، سأل أوريا عشرات الإسرائيليين في مختلف أنحاء البلاد عن أحكامهم المسبقة، قبل التصعيد الأخير في شهر مايو/ أيار الماضي بوقت طويل. وقد سمع أحكاما مسبقة بالعنصرية والكراهية من كلا الجانبين "العرب واليهود". ويؤكد أوريا أنه لم يتم اختلاق شيء من تلك الشتائم ويقول "هكذا نبدو عندما نكون في حفلاتنا العائلية لوحدنا".
ويضيف أوريا بأنه كان واحدا من التيار العام السائد في إسرائيل، فبعد المدرسة الثانوية التحق بالجيش جنديا مقاتلا. "كنت أشعر بالخوف من اللغة العربية" يقول وهو يتذكر تلك الفترة، ويتابع "يتعلم المرء في الجيش بأن (العربية) لغة العدو"، ولم تكن لديه أي فكرة عن التاريخ الفلسطيني.
فلسطيني وإسرائيلي
سامح يتحدث مع أوريا عن "النكبة" وكيف نزح الفلسطينيون عام 1948 لدى تأسيس دولة إسرائيل، وكيف انتشروا حول العالم من قطاع غزة في إسرائيل إلى لبنان وحتى إلى ألمانيا. سامح يحمل الجنسية الإسرائيلية ولكن لا يروق له مصطلح "إسرائيلي عربي" الذي غالبا ما يستخدم. فهذا "غير صحيح" ويقول إنه ليس مصطلحا جادا، إنه يجمل صراع الهويتين. إنه فلسطيني، ويحمل جواز سفر إسرائيلي لأنه يريد أن يكون متساويا في الحقوق مع أوريا.
وحين تقابل أوريا وسامح أول مرة، هما أيضا كانت لديهما أحكام مسبقة عن الآخر. وكان أوريا قد كتب نص أغنية "تعا نحكي دغري"، وحين عرفه أحد المنتجين الموسيقيين على مغني الراب سامح زقوت من يافا، أراد أوريا أن يؤدي الأغنية ويسجلها معه، وتكون الأغنية المشتركة الأولى بينهما.
لكن سامح كان متشككا في البداية ويقول إنه لم يكن يرغب المشاركة في"مشروع التعايش" هذا الذي يريد أن يؤكد أن العرب واليهود يمكن أن يعيشوا بسلام مع بعضهما، في حين أن هناك غليان تحت السطح. وقد تفاجأ بأن أوريا يريد التحدث بصراحة تامة.
أمل في التغيير!
تمت مشاهدة فيديو كليب "تعا نحكي دغري" أكثر من 160 ألف مرة على موقع يوتيوب، وهذا ليس كثيرا مقارنة مع أغانٍ أخرى. لكن ذلك كان كافيا للفت نظر وسائل الإعلام إلى ثنائي الراب "سامح وأوريا" والاهتمام بعملهما، وإجراء مقابلات معهما داخل وخارج إسرائيل. ووجهت الكثير من المدارس في مختلف أنحاء إسرائيل، الدعوات لهما لمناقشة نص الأغنية ومحتواها معهما. ويأمل الاثنان أن يستطيع الجيل الشاب من الجانبين "العربي واليهودي" التحرر من دوامة العنصرية والكراهية.
ويقول سامح "أنا اختلف عن أوريا" ويضيف "تاريخنا مختلف، لا نتفق دائما في الرأي، ولكن رغم ذلك نتفاهم". كلاهما ليسا ساذجين، فلا يريدان حل الصراع في الشرق الأوسطمن خلال أغنية راب، لكنهما يسعيان لنشر الأمل "لقد التقينا كغريبين، ونحن الآن صديقان حميمان وإذا كنا استطعنا (أن نكون صديقين)، فالآخرون أيضا يستطيعون ذلك" يقول أوريا.
ساره هوفمان/ ع.ج