تضارب المصالح السياسية يعرقل صياغة دستور جديد لتونس
٣٠ مايو ٢٠١٣كان من المقرر أن يرى الدستور التونسي الضوء في شهر أكتوبر من العام الماضي، ليفسح بذلك المجال لخوض انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، انتظرها التونسيون منذ وقت طويل. ولكن حتى الآن لا يزال هناك جدل ونزاع كبير، بين مختلف الفصائل وخاصة منها القوى العلمانية والإسلامية، التي تتضارب آراؤها حول فحوى نص الدستور الجديد. فحتى الآن تم عرض المسودة الثالثة من مشروع الدستور، الذي يبقى مثيرا للجدل، رغم موافقة اللجان المتخصصة عليه. ويعتبر التأثير الإسلامي على ملامح الدستور التونسي الجديد من أهم المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل.
المحامي التونسي الشهير عياض بن عاشور، المتخصص في القانون الدستوري، يعتبر أن:" النص الحالي للدستور يمهد الطريق إلى ديكتاتورية دينية" ويفسح المجال، حسب رأيه، للعديد من التفسيرات والتأويلات الخطيرة التي تخالف الروح التحررية للدستور الثوري" .
عدم الوفاء بالوعود الانتخابية
الخلاف على الدستور هو أيضا جدل حول النموذج السياسي والاجتماعي، في وقت تعيش فيه تونس انقساما عميقا بين معسكر الإسلاميين والفصائل العلمانية، حيث يحاول كلا الطرفين فرض سيطرتهما ووضع بصماتهما على الدستور الجديد، الذي سيحدد إلى حد كبير التوجه المستقبلي البلاد.
فالدستور الجديد من شأنه أن يقوم بوضع لبنات القيم الأساسية للمجتمع وتكريسها، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة: هل سيتم ربط حقوق الإنسان المعترف بها دوليا بالخصائص الثقافية للشعب التونسي - كما هو منصوص عليه في مسودة الدستور؟ هل يضمن الدستور الجديد المساواة بين الرجل والمرأة بما في ذلك المساواة في الميراث؟ هل يحمي الدستور حرية الدين والتدين بشكل كافي؟
كلها أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة، فحتى الآن ليس هناك قرار نهائي، كما تنتقد لبنى الجريبي، التي تدافع عن أفكار حزب التكتل العلماني داخل المجلس التأسيسي للدستور: "بالرغم من أن جميع الأطراف أعربت عن تأييدها خلال انتخابات العام الماضي على الالتزام بالمساواة بين الرجل والمرأة ولكن لا أحد يريد الآن كتابة ذلك في الدستور".
الربط بين العلمانية والإرث الديكتاتوري
والمجلس التأسيسي هو الذي يجب أن يوافق في نهاية المطاف بغالبية الثلثين على الدستور الجديد. والجدير بالذكر هنا هو أن حزب النهضة الإسلامي يحظى بغالبية مريحة في هذا المجلس بنسبة 136 من 217 مقعدا. و يسعى هذا الحزب إلى تعزيز الصلة بين الدين والدولة.
ويحظى حزب النهضة بشعبية كبيرة في عدة مناطق من البلاد. خاصة وأن فصل الدين عن الدولة والمساواة بين الرجل والمرأة تعتبر من إرث الحكم الديكتاتوري السابق. ولذلك فإن الأفكار العلمانية لم تعد لها مصداقية عند العديد من التونسيين، حيث يتم ربطها بمرحلة ديكتاتورية فاسدة.
وفي هذا الصدد تطالب لبنى الجريبى بعدم خلط الأمور:" بالنسبة لنا يبقى الطابع المدني للدولة أمرا مهما، تونس ليست دولة علمانية بحتة وليست دولة دينية أيضا". وهذا يعني أن حماية الدين أمر واجب. ولكن ليس الدين كأساس للقوانين وقرارات المحاكم والنظام السياسي." وتضيف الجريبي: "أكيد أن هناك دين رسمي للدولة يجب الإشارة إليه في الدستور وتدريسه وحمايته أيضا من قبل الدولة، كما أن الدولة مسؤولة أيضا عن حماية أماكن العبادة والأئمة وخطبهم. ولكن يجب أن يتوافق ذلك مع الإسلام المعتدل، الذي يمارس في تونس منذ عدة قرون."
ضبابية الموقف الأوروبي
ولكن الإسلام المعتدل لم يعد مضمونا في الوقت الراهن، خاصة بسبب تمويل قطر والمملكة العربية السعودية، بعد الثورة، للأئمة والمنظمات المتشددة في تونس، وذلك بغية تعزيز الإسلام الوهابي كنموذج سياسيي واجتماعي، حيث تستخدم المساجد كأبواق لكسب قلوب وعقول جيل الشباب المحبطين، الذين لا زالوا يبحثون عن آفاق مستقبلية بعد الإطاحة بالنظام السابق.
ومن جهة أخرى تفتقر السياسة الخارجية الألمانية والأوروبية إلى موقف حكيم وواضح، على حد تعبير هرتا دوبلر غيملن، وزيرة العدل الألمانية السابق، التي تتابع عملية صياغة الدستور الجديد في تونس عن كتب. فهي تعتبر أن المشاركة الأوروبية ضعيفة وتنتقد موقف أوروبا في هذا الشأن حيث تقول: "الانتقادات الموجهة إلى أوروبا لها ما يبررها: لماذا لا نبدي دعما أكبر للفصائل العلمانية في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية؟"، هذا هو السؤال الذي تطرحه دوبلر في مقابلتها مع DW.
وتشدد دوبلر على أنه:"في الوقت الذي تنتظر فيه القوى العلمانية بشغف الدعم الخارجي بدون جدوى، يستفيد الإسلاميون والمتطرفون من الدعم المالي من البلدان العربية ". ولا يقتصر هذا الدعم، حسب رأيها، فقط على شمال أفريقيا ولكن أيضا في اليمن مثلا، "حيث نرى طريقة مماثلة للتأثير على سياسة البلد". ولهذا تطالب دوبلر الاتحاد الأوروبي وألمانيا بإعادة التفكير أكثر في صفقات بيع الأسلحة الموجهة إلى بعض الدول.
فقد زودت ألمانيا عام 2012 دول الخليج، بما فيها قطر والمملكة العربية السعودية، بمعدات عسكرية تبلغ قيمتها حوالي 1.42 مليار يورو. بالإضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام تتحدث بانتظام عن اهتمام السعودية بشراء دبابة ليوبارد 2 الألمانية وغيرها من الأسلحة الثقيلة.
الخطر السلفي
هذا في الوقت الذي يتزايد فيه خطر السلفيين. ففي منتصف هذا الشهر وقعت اشتباكات عنيفة بين حركة "أنصار الشريعة" السلفية، التي لها صلة بتنظيم القاعدة، وقوات الأمن التونسية، ما أدى إلى مقتل رجل وجرح 18 آخرين.
وعندها اضطرت الحكومة للتدخل، خاصة بعد اتهامها بنهج سياسة لينة ضد الإسلاميين المتطرفين. وقد وعد رئيس الوزراء، علي العريض، باتخاذ إجراءات صارمة ضد الإسلاميين مشددا على أن حركة "أنصار الشريعة" هي منظمة غير قانونية، تتحدى الدولة وتستفزها". وتم بعدها إلقاء القبض على حوالي 200 من المتشددين المشتبه بهم.
وأما بالنسبة للمعارضة العلمانية لبنى الجريبي فإن هذه الحملة ضد السلفيين هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح :"من المهم والإيجابي أن تقوم مؤسسات الدولة وقوات الأمن بدور فعال عقب تلك الأحداث الجارية. فبهذا تسترجع قوات الشرطة والأمن الثقة بها وتظهر أيضا حيادها وقدرتها على العمل ".
ومن المقرر أن تتم المصادقة على المسودة الثالثة للدستور الحالي من قبل مجلس النواب في يوليو/ تموز 2013. هذا في الوقت الذي يزيد فيه الغضب الشعبي من المجلس التأسيسي في ظل المشاكل الاجتماعية، التي لم تنته بقيام الثورة، حيث يبلغ معدل البطالة حوالي 17 في المائة. كما يصعب على الشباب في تونس حاليا الحصول على وظيفة منتظمة. ولهذا يخشى بعض الناشطين السياسيين، مثل المتخصصة في العلوم الإسلامية أمل غراني، أن يفقد المجتمع الثقة بالسياسة ويبتعد عنها كليا، وهو ما قد يشكل عبئا كبيرا على بداية المسيرة الديمقراطية في تونس.