الجمهور الحكم.. تحذيرات عربية من تخلي ميتا عن "تقصي الحقائق"
١٠ يناير ٢٠٢٥مع سقوط نظام بشار الأسد مطلع الشهر المنصرم، جرى نشر سيل من التغريدات والمنشورات المثيرة للجدل ما بين مزاعم هدم تماثيل وحوادث قِيل إنها طائفية. لم يكن ذلك سوى غيض من فيض لحملات تضليل شهدتها المنطقة العربية، ما دفع خبراء إلى دق ناقوس الخطر إزاء تأثير ذلك على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المنطقة. بيد أن هذه التحذيرات تزايدت عقب قرار رئيس مجموعة ميتا مارك زوكربيرغ المفاجئ بوضع حد لبرنامج التحقق من صحة الأخبار على فيسبوك وإنستغرام في الولايات المتحدة.
جاء دخول ميتا عالم التحقق من صحة الأخبار غداة فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، والتي قال معارضوه إنها كانت نتيجة حملة تضليل واسعة على فيسبوك وتدخل جهات خارجية بينها روسيا عبر الشبكة الاجتماعية. وبعد قرار زوكربيرغ الأخير، خرج دونالد ترامب ليشيد بالخطوة، رغم أنه ظل على مدى سنوات ينتقد بشدة ميتا وزوكربيرغ، متهما الشركة بالتحيز ضده فيما هدد بالانتقام فور عودته إلى السلطة. ورغم انحصار القرار على الولايات المتحدة، إلا أن خبراء عرب حذروا من تداعياته على المنطقة.
"حجم المعلومات المضللة سيكون أكبر"
حاول أحمد الشيخ، عضو مجلس الإعلام الجديد في نقابة الصحافيين البريطانيين، توضيح آلية ميتا الجديدة. وفي مقابلة مع DW عربية من لندن، قال إن "القرار سوف يتيح تعليقات من الجمهور بمعنى أنه في حالة انتشار خبر ويلاحظ رواد فيسبوك أن هذا الخبر يتضمن معلومات غير دقيقة، فالجمهور يشرع في إضافة معلومات".
وأشار إلى أن أسلوب إضافة المعلومات ليس متاحا للجميع، مضيفا: "على سبيل منصة إكس، إضافة معلومات يتطلب التسجيل والانخراط في خطوات معينة لكي تُتاح للمستخدم إضافة تعليقات". وبحسب ما أُعلن، سوف يستبدل فيسبوك برنامجه للتحقق من الأخبار بخاصية "ملاحظات المجتمع" الشبيهة بتلك المستخدمة على منصة "إكس" التابعة لإيلون ماسك، الذي سارع لتأييد الخطوة التي وصفها بـ "الجيدة".
وأكدت دراسة أجرتها عام 2023 الشبكة الدولية لتقصي الحقائق، التي تضم 137 منظمة لتدقيق المعلومات، أن برنامج ميتا لتقصي الحقائق شكل "مصادر دخل مهمة" للجهات الفاعلة في هذا القطاع.
وعربيا، يرى أحمد الشيخ أنه في حالة تطبيق مثل هذا القرار في العالم العربي، فإن وتيرة التضليل المعلوماتي سوف تزداد نظرا لأن الفيسبوك "المنصة الأكثر انتشاراً في الدول العربية". وأضاف أنه "في حالة سريان قرار مماثل، فإن حجم المعلومات المضللة سيكون أكبر في عالمنا العربي، لأن المنطقة تشهد في الوقت الراهن حملات تضليل كبيرة جدا، بعضها متعمد وبعضها غير متعمد. المشكلة تكمن في تصدير مسؤولية التحقق من الأخبار والمعلومات من الشركة، وفي هذه الحالة "ميتا"، إلى الجمهور".
"فوضى معلوماتية كبرى“
يرى مراقبون أن قرار ميتا، الذي يعد أكبر تعديل على نهجها في إدارة المحتوى السياسي، جاء رضوخا لانتقادات المحافظين بينما يستعد ترامب لتولي المنصب للمرة الثانية. ويتفق في هذا الرأي محمد علي السويسي، الصحافي المتخصص في التكنولوجيا والاتصال الرقمي، قائلا: "شركة ميتا بهذه السياسة الجديدة، تحاول أن تتنصل من مسؤولية مراقبة المحتوى".
وأضاف في مقابلة مع DW عربية من باريس، أن ترامب "اعتاد خلال فترة رئاسته الماضية بث أخبار كاذبة ومغلوطة، لذا فإن شركة ميتا لا تريد أن تدخل في مواجهة مع ترامب وإدارته في المرحلة القادمة، وهو السبب الرئيسي وراء قرار زوكربيرغ". وذكر زوكربيرغ نفسه أن ميتا ستتوقف أيضا عن الفحص الاستباقي لخطاب الكراهية وأنواع أخرى من انتهاك القواعد، وستراجع مثل هذه المنشورات فقط استجابة لتقارير المستخدمين.
ويعتقد السويسي أن تأثير هذه الخطوة، لو تم تطبيقها في الوطن العربي، سيكون سلبيا، قائلا: "نتحدث عن الولايات المتحدة.. بلد واحد توجهاته السياسية واضحة، لكن في العالم العربي، نحن نتحدث عن اختلافات سياسية واجتماعية، هذه الاختلافات ستجعل من عملية التثبت من الأخبار أمرا صعبا، إن لم نقل مستحيلا". وأضاف أن "هناك العديد من النقاط الشائكة التي ستجعل من تطبيق هذه السياسة الجديدة في وطننا العربي نقطة انطلاقة لفوضى معلوماتية كبرى".
سوريا.. الخطر الأكبر
وقد لعبت أدوات التحقق من صحة الأخبار دورا مهما في جعل منصات التواصل الاجتماعي أكثر أمانا، ما يعني أن دول المنطقة التي تعاصر أزمات سياسية واقتصادية وأمنية قد تكون الأكثر عرضة للخطر في حال شمول قرار ميتا الدول العربية.
وقد شهدت سوريا منذ سقوط الأسد زيادة في حجم التضليل الإعلامي وسط المساعي من عدة أطراف إلى استغلال التضليل الإعلامي لتعزيز مواقفها. في هذا السياق، قالت ماريا مينغو، مديرة المناصرة والسياسات في منظمة "نيمنيك" غير ربحية وأحد مشاريعها "الأرشيف السوري"، إن نشر روايات أو تفاصيل كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي يهدد الانتقال السياسي السلمي في سوريا.
وفي مقابلة مع DW، حذرت ماريا من أن إزالة أو تقليل الاستعانة بأدوات تقصي الحقائق سوف ينجم عنه نشر هذه الروايات والأخبار الكاذبة على نطاق أوسع، ما يعني ارتفاع حدة التوترات المجتمعية ودوافع العنف. وأضافت بأن "توخي ميتا الحذر في إزالة المحتوى الذي لا ينتهك سياسات المنصة قد يحد من عمليات الحذف التمييزية التي شهدناها في الماضي، والتي شملت أدوات محتملة قد تخدم أهداف المساءلة والعدالة في سوريا المستقبل. ومع ذلك، سنواصل مراقبة هذه الأدلة المحتملة ونستمر في أرشفتها ضمن الأرشيف السوري."