تزايد حدة الجدل حول الموارد المائية في الشرق الأوسط
١٥ فبراير ٢٠١٤لم تمطر السماء خلال هذا الشتاء في إسرائيل والضفة الغربية سوى أربع مرات فقط. كما أن مستوى المياه في بحيرة طبريا لم يتجاوز 15 سنتيمترا، فيما كان مستوى المياه العام الماضي وفي نفس الفترة قد بلغ مترين. وتترقب المنطقة بأسرها هطول الأمطار، خاصة وأن موسم الأمطار ينحسر بين شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وأبريل/ نيسان، ما يسمح للأنهار والبحريات برفع نسبة مخزون مياهها بما يكفي لبقية السنة.
وإلى جانب بقية المسائل الخلافية في الشرق الأوسط، يعد موضوع المياه من المواضيع الهامة ذات الأبعاد السياسية، باعتبار الموارد المائية في المنطقة محدودة جداً. إذ يتعين تقسيمها بين حوالي سبعة ملايين إسرائيلي ونحو مليوني فلسطيني في الضفة الغربية ومليون فلسطيني آخر في قطاع غزة.
والسؤال حول ما إذا كانت هذه الموارد المائية توزع بشكل عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا يطرحه فقط رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس الذي تساءل في خطاب ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلي الثلاثاء الماضي حول طرق توزيع الموارد المائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتسائل شولتس أمام نواب البرلمان الإسرائيلي قائلاً: "كيف يعقل أن الإسرائيليين بإمكانهم استهلاك 70 لتراً من الماء يوميا، فيما لا يتاح للفلسطينيين سوى استهلاك 17 لتراً فقط؟"
وتتباين الأجوبة عن هذا السؤال بحسب الانتماء السياسي والديني والعرقي لمن سيجيب عنه. وقد أثار تساؤل مارتن شولتس استهجانا كبيرا من قبل أعضاء الأحزاب اليمنية الإسرائيلية، ففي هذا الإطار اتهم نفتالي بينت، رئيس الحزب القومي الديني "البيت اليهودي" شولتس بالكذب وطالبه بالاعتذار. أما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فقد قال إنه "كان يتعين على شولتس أن يتأكد من معلوماته قبل أن يطلق مثل هذه المزاعم علنا".
توزيع غير عادل للمياه؟
ولكن ماذا تقول الحقائق على الأرض؟ في البداية يجب التنويه بأن الموارد المائية تخضع لسيطرة الحكومة الإسرائيلية. وهذا الأمر يعود إلى أسباب جغرافية: فمخزونان المياه على غرار بحيرة طبريا تتواجد في الأراضي الإسرائيلية. ويقول ناشطون في حماية البيئة إنه يتم استخدام كميات كبيرة من المياه من هذا المخزون الطبيعي.
وقد نتج عن هذه العملية تراجع منسوب مياه نهر الأردن الذي يصب في البحيرة إلى مستوى منخفض. وبالتالي لم يتبق للقرى الفلسطينية في الضفة الغربية سوى القليل من المياه. كما يُحظر على الفلسطينيين حفر آبار بأنفسهم، الأمر الذي من شأنه أن يهدد وجود المزارعين في جنوب الضفة الغربية. كما يواجه الفلسطينيون مشكلة ارتفاع نسب التلوث بسبب انعدام محطات التنقية، كما يؤكد غيدون برومبيرغ، رئيس منظمة "أصدقاء الأرض ـ الشرق الأوسط" لحماية البيئة.
ولمنظمة "أصدقاء الأرض ـ الشرق الأوسط" فروع في إسرائيل والضفة الغربية والأردن. وتقوم المنظمة منذ عشرين عاماً بدعوة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات من أجل إيجاد حلول لحماية الثروات المائية وتوزيعها بشكل عادل. ويقول برومبيرغ "إن السبب وراء تأزم مشكلة المياه هو اتفاقية أوسلو التي أبرمت عام 1995، والتي لم يتم تعديلها تماشيا مع تغير المعطيات على الأرض". ويوضح رئيس منظمة "أصدقاء الأرض ـ الشرق الأوسط" بأن عدد السكان والتطور الذي عرفهما مجالي الاقتصاد والتكنولوجيا قد تغير خلال 17 عاما ولم يعد كما كان عليه عند إبرام الاتفاقية.
تباين في الإحصائيات والأرقام
ومن يريد معرفة كمية المياه المخصصة للإسرائيليين والفلسطينيين في اليوم الواحد، فإنه يجد كما هائلا من الإحصائيات والأرقام التي تختلف فيما بينها باختلاف مصادرها. ووفقا لإدارة وتوزيع المياه الإسرائيلية فإن إسرائيل توفر للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة 52 مليون متر مكعب في السنة – أي أكثر مما تم التنصيص عليه في اتفاقية أوسلو.
وبالمقابل "تسرق" السلطة الفلسطينية الماء من خلال السماح بحفر نحو 300 بئر غير مرخص له، حسبما ما تقول المؤسسة الإسرائيلية، فيما ترد السلطة الفلسطينية بالرجوع إلى اتفاقيات بين الطرفين تعطي للفلسطينيين الحق في حفر الآبار وكذلك الحق في الحصول على 118 مليون متر مكعب، لافتة إلى أن هذه الكمية قد انخفضت بمقدار 20 مليون متر مكعب. وعزت السلطة الفلسطينية سبب ذلك إلى جفاف مصادر المياه والحظر الذي تفرضه إسرائيل على إعادة استخدام آبار قديمة.
ومن جهتها، تتحدث منظمات حقوقية على غرار "بيتسيلم" عن وجود تباين كبير في كميات المياه المخصصة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ففي الوقت الذي يستهلك فيه فلسطينيو الضفة الغربية 73 لترا من الماء، يستهلك الإسرائيليون ما بين 211 و242 لترا.
"يجب التحرك بسرعة"
ويقول برومبيرغ، مدير منظمة "أصدقاء الأرض ـ الشرق الأوسط" إن "الموضوع معقد"، لافتا إلى أنه ووفقا لإحصائيات منظمته، فإن الإسرائيلي الواحد يستهلك 250 لترا في السنة، بينما يستهلك الفلسطيني في الضفة الغربية 70 لترا فقط. "كما لم يتم احتساب 30 بالمائة إضافية تضيع بسبب البنية التحتية السيئة"، وفق برومبيرغ.
وعليه فإن الأرقام التي ذكرها مارتن شولتس ليست صحيحة، ولكن الصحيح أن "الإسرائيليين يستهلكون كميات مياه أربع مرات أكبر من الفلسطينيين". بيد أنه شدد في الوقت نفسه أن الجدال لا يقدم ولا يؤخر. ويقول برومبيرغ "إنه من المؤسف أن تتحول الأشياء المهمة بالنسبة للإنسان إلى سيرك سياسي"، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الثروات المائية بدلا من جعل ذلك "رهن" التوصل إلى حل سياسي. كما دعا برومبيرغ إلى ضرورة إدراج مسألة المياه وتوزيعها العادل في إطار اتفاقية سلام مستقبلية والعمل على حماية الثروات المائية من التلوث وسوء الاستخدام.