تركيا ودعم حكومة الوفاق.. هل تتغير موازين القوى في ليبيا؟
٣٠ أبريل ٢٠١٩بكلمات واضحة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دخول بلاده بشكل رسمي ساحة الحرب الدائرة في ليبيا بعد بدء عملية عسكرية موسعة تقوم بها قوات الرجل القوي في شرق ليبيا خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس.
في الحقيقة لم تكن تركيا بعيدة عن المشهد الليبي، فهي انخرطت فيه بشكل كبير منذ عام 2014. بيد أن الدعم السياسي والعسكري، الذي كان خفياً في جزء منه أصبح اليوم معلناً. فما الذي دفع تركيا لتعلن عن دعمها؟ وما الذي يمكن أن تفعله لتغيير موازين القوى على الأرض في ليبيا؟
ساحة حرب دولية
لم يعد خافياً على أحد أن ساحة الصراع في ليبيا ما هي إلا امتداد لصراعات كبرى بين قوى إقليمية ودولية، نقلت خلافاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية إلى أرض جديدة بعد أن كانت الأراضي السورية هي مسرح تلك الصراعات.
"أصبحت ليبيا اليوم ساحة حرب لأجندات وإرادات خارجية أكثر منها حرب بأيدي ومعاول ليبية، حتى إننا يمكننا أن نصنف منها 6 أجندات على الأقل". هذا ما يراه نزار مقني الكاتب والمحلل السياسي التونسي المختص بالشأن الليبي في مقابلة مع DW عربية. ويوضح مقني أن الصراع له أطراف متعددة "فهناك الحلف المصري السعودي الإماراتي في مواجهة الحلف القطري التركي، وهناك الصراع الفرنسي الإيطالي بجانب الأجندة الروسية المتعاكسة مع الأجندة الأمريكية".
ويؤكد مقني أن الدعم التركي لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج والقوات المتحالفة معها لم يكن عسكرياً فقط وإنما كان سياسياً أيضاً بمنح الغطاء الدبلوماسي في المحافل الدولية، ما خلق توازناً للرعب بين الشرق والغرب في ليبيا وكذلك في صراع الأجندات السياسية في الشرق الأوسط.
ويرى المحلل السياسي التونسي أن "ما دفع تركيا للإعلان عن موقفها الداعم بهذه الصراحة (لحكومة الوفاق) هو وجود خطاب كامل ومعلن تتبناه دول معينة تدعم حفتر في هجومه على العاصمة الليبية وهذه الدول معروفة بالاسم وهي مناوئة لتركيا".
وربما يكون تعدد أطراف النزاع في ليبيا وتشابك المشهد أحد الأسباب القوية التي أدت لفشل مجلس الأمن في الوصول لقرار بإدانة هجوم قوات حفتر على طرابلس، ليكتفي بالوصول لــ "مشروع بيان"، ويدلل نزار مقني على ذلك بفشل المجلس في التوافق على ذكر اسم قوات حفتر في البيان وإنما الإشارة إليها بقوات الجيش الليبي "ما جعل الموقف في ليبيا انعكاس لفشل المجتمع الدولي في الوصول إلى حل ليصبح الأمر رغبة في إدارة الصراع دون السعي إلى حله".
سلاح متدفق من كافة الاتجاهات
رغم القرار الدولي رقم 1970 الصادر عن مجلس الأمن في مارس 2011 والذي طالب جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بمنع بيع أو توريد الأسلحة ومتعلقاتها إلى ليبيا، بجانب القرار 2420 ، الذي يسمح للدول الأعضاء بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا أو القادمة منها بهدف التصدي لدخول السلاح إلى ليبيا، إلا أن الواقع على الأرض كان أمراً مختلفاً تماماً. فالسلاح لم يتوقف عن التدفق على جانبي الصراع سواء حكومة الوفاق في طرابلس المعترف بها دولياً أو قوات الجنرال خليفة حفتر.
وسبق أن قدمت الإمارات ومصر دعماً لحفتر بضربات جوية خلال حملات للسيطرة على شرق ليبيا. وقال مسؤولون أمريكيون في ذلك الوقت إن كلتا الدولتين وجهتا ضربات جوية على طرابلس في 2014 خلال صراع مختلف لمساعدة قوة متحالفة مع حفتر.
وأكدت تقارير سابقة للأمم المتحدة أن دولة الإمارات ومصر تزودان قوات حفتر منذ 2014 بالعتاد العسكري مثل المقاتلات والمروحيات، ما ساعدها في أن تكون له اليد العليا في الصراع الليبي المستمر منذ ثماني سنوات. ليس هذا فحسب، بل إن تقريراً من هذه التقارير أفاد في 2017 بأن الإمارات بنت قاعدة جوية في منطقة الخادم بشرق ليبيا، بحسب ما أوردته وكالة رويترز.
هل يمكن أن يغير السلاح التركي موازين القوى؟
في شهر شباط/ فبراير من هذا العام أعلنت سلطات الجمارك الليبية مصادرة شحنة أسلحة في ميناء الخمس البحري قالت إن مصدرها تركيا، كان قوامها مدرعات قتالية وسيارات دفع رباعي وذلك بعد أسابيع من إحباط دخول شحنة أسلحة تركية تحتوي على 20 ألف مسدس إلى ليبيا عبر ميناء مصراته، وفق ما أوردت مصادر إعلامية.
ما سبق يعني أن تدفقات السلاح التركي ليست بجديدة، شأنها في ذلك شأن تدفقات السلاح المصري والإماراتي. فما الجديد الذي يمكن أن يأتي مع تصريحات الرئيس التركي هذه المرة؟
ويقول الكاتب والمحلل السياسي التونسي المختص بالشأن الليبي نزار مقني إن دعم تركيا العسكري سوف يذهب بشكل مباشر وأولي إلى كتائب مصراته وقوات الدرع المشترك الليبية وستكون في الأغلب أسلحة ثقيلة ومضادة للطائرات، خاصة بعد ما جاء في تصريحات فتحي باشاغا وزير داخلية حكومة الوفاق خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في تونس عن الضربات الجوية التي "تنفذها مقاتلات دول عربية لمساندة قوات حفتر وتقوم بقصف دقيق للمواقع في طرابلس".
ويرى مقني أن هناك غلبة لدى قوات حفتر من الناحية العملياتية على مستوى الدعم والإسناد الجوي وفي الأغلب ستقوم تركيا بمد حلفائها بأسلحة تكتيكية مضادة للطائرات. كما أنها قد تمد حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها بأسلحة هجومية متطورة ومدفعية ثقيلة لمواجهة الدعم الجوي الإماراتي والذخيرة والسلاح المصريين، "ما يمكن القوات من الدفاع ليس فقط من صد الهجوم وإنما التقدم واكتساب مساحات جديدة من الأرض خاصة بعد فتح جبهة سرت وكذلك دعم الموجات الهجومية التي تنفذها قوات البنيان المرصوص في هذه المدينة".
سيناريو سوري أم صومالي؟
مع هذه التدفقات المتوقعة من السلاح التركي يصعب كثيراً أن تقف الدول الموالية والداعمة لحفتر موقف المتفرج فيما قواته تندحر على الأرض بفعل الدعم العسكري التركي، ما يعني مزيداً من تدفقات السلاح على القوات التي يقودها حفتر الأمر الذي يرسم سيناريو شديد الكابوسية بشأن مستقبل الأزمة الليبية.
في هذا الإطار يرى مقني أن إعادة إنتاج النموذج السوري في ليبيا صعب جداً لأن في سوريا كانت هناك عدة دول متحالفة هي اليوم متخاصمة في ليبيا، "لذا فالأقرب للواقع هو أمكانية "صوملة ليبيا" أكثر منها "إعادة إنتاج النموذج السوري".
ويذكر مقني بهجوم محمد فارح عيديد على العاصمة الصومالية مقديشيو في 1994 ما نتج عنه تشظي هائل في المشهد الصومالي "وهو ما قد يحدث في ليبيا خاصة مع غياب أي أفق لحلٍ سياسي، بجانب أن أمراء الحرب في الجانبين مستفيدون من إطالة أمد الصراع بسبب الدعم المالي والعسكري" الذي ينهال عليهم من جانب مناصريهم وأصحاب المصالح، لذا "فالمشهد المستقبلي في ليبيا قد لا يبشر بخير".
عماد حسن