تركيا: هكاري تعود للهدوء بعد عقود من الصراع العنيف
١١ مايو ٢٠١٣اتفاق سلام يقضي بانسحاب المسلحين الأكراد إلى كردستان العراق أنهت عقودا من الصراع العنيف بين المسلحين الأكراد والجيش التركي في مدينة هكاري، جنوب شرق تركيا. المدينة المحاطة بالجبال، وتقع على حدودي العراق وإيران، كانت مسرحاً لهذا الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني (PKK) فيما يأمل سكانها الآن وأغلبهم من الأكراد إلى عودة حياة الاستقرار والهدوء بعد الاتفاق. بيد أن الهدوء السائد حالياً لا يخلو من بعض الحذر، ويتضح ذلك في التواجد الدائم على مدار اليوم للدوريات العسكرية حول المدينة.
استقرار حذر للأوضاع في هكاري وتواجد عسكري مكثف
رؤية سلاح آلي يوجه إليك فجأة من قبل دورية عسكرية تمشط المدينة صباح وليل لا يجب أن يفاجئك في هكاري. التواجد العسكري التركي في هكاري لا يزال قويا رغم معاهدة السلام مع المسلحين الأكراد فيما يبدو الجنود على أهبة الاستعداد لحدوث أي "عمليات إرهابية" في المدينة. كذلك تتواجد دشم للقوات التركية أمام المناطق الحيوية في المدينة والتي تكتظ بالناس وأبرزها المتنزهات العامة.
ورغم القلق الواضح على وجوه الناس والاستعداد من قبل الجيش التركي، يحاول سكان المدينة أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية حيث يجوبون الشوارع صباحاً وحتى غروب الشمس ما بين متسوقين من محال الملابس أو زبائن على المطاعم والمقاهي التي تكتظ بهم المدينة. ورغم هدوء الأجواء يبقى الهكاريون حذرين من الاقتراب من المناطق العسكرية والجبال. ويوجه الهكاريون هذا التحذير للسائحين القليلين في المدينة بعدم الاقتراب من تلك الأماكن دون مرافقة واحد من السكان المحيين العالمين بالمنطقة تحسباً لوقوع أي مكروه لهم.
وقد استضافت جامعة هكاري وفداً من خمس دول مختلفة هذا الشهر في برنامج للتبادل الثقافي في خطوة لمحاولة تنشيط السياحة في المدينة والتي قال عنها رئيس الجامعة إنها ستصبح من أكبر المدن السياحية في العالم. ويلاحظ الزائر للمدينة محاولة معظم سكان المدينة تجنب الحديث عن الحرب وما كانت عليه الأمور فيما يبدو محاولة منهم لنسيان الماضي وتخطيه ذهنياً والنظر للحاضر والمستقبل.
"الأوضاع تتحسن وجميعنا خسر في تلك الحرب"
"الجيش لا يزال متواجداً تحسباً لوقوع أي مشكلات"، يقول المواطن الكردي "أرمن" والذي رفض ذكر كامل اسمه لـ DW عربية. ويرى أرمن أن الأوضاع الآن أصبحت مستقرة بشكل كبير وتتحسن تدريجياً في هكاري بعد الاتفاق الذي تم بين زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المعتقل عبد الله أوجلان والحكومة التركية. ويقول أرمن أن الأكراد سكان مدينة هكاري فرحين بهذا الاتفاق مضيفاً بتهكم "الكل فرح ما عدا بعض الأتراك الذين يريدون الخلاص من كل الأكراد". ويعتقد أرمن أن هكاري تبقى مدينة مظلومة بسبب تلك الحرب والتي أسفرت عن عدم بناء أي مصانع أو مشاريع مما تسبب في ارتفاع كبير نسبة البطالة في المدينة.
ويسترجع أرمن ذكرياته عن الفترات السابقة في حديثه لـ DW عربية قائلاً: "كنا دائماً نرى الطائرات الحربية والهليكوبتر تقصف الجبال ولم تكن المدينة آمنة على الإطلاق". وأضاف: "جميعنا خسر في تلك الحرب الأتراك والأكراد على السواء، بالطبع يبقى الظلم الأكبر واقع على الأكراد". وتمنى أرمن في نهاية حديثه لـ DW عربية الأفضل لمدينة هكاري وسكانها بعد الاتفاقية مضيفاً: "هكاري تبقى من أجمل المدن".
وكان لـ DW عربية حديث مع شاب كردي آخر يوسف ديان. وفي بداية الحديث اتفق ديان مع أرمن على كون هكاري من أجمل المدن "وشعبها طيب وودود وكريم" – على حد قوله. لكن ما عكر صفو تلك المدينة في رأي ديان هو وجود قرابة 6000 جندي فيها. ويقول في هذا السياق: "وجود كل هذا العدد من الجنود كان يسبب قلقا وعدم راحة لسكان المدينة". بيد أن الطالب الجامعي يعتقد أن الأحوال تتحسن وستتحسن أكثر بعد اتفاق السلام بين الحكومة والمسلحين الأكراد. وقد شدد ديان على استفادة كلا الطرفين من الاتفاق قائلا: "لأن كليهما خسرا الكثير من الأرواح في تلك الحرب".
"القرويون يعودون قريبا والكل سعيد باتفاق السلام"
وعن إذا ما كان القرويون قد بدؤوا العودة إلى قراهم بعد المعاهدة نفى الشاب الهكاري حدوث ذلك بعد، لكنه أكد أنه سيحدث في القريب. وقتل ديان في هذا السياق لـ DW عربية: "هناك خطوات تتبع في هذا الموضوع وقريباً إن شاء الله سيعودون إلى قراهم". أما عن توقعاته بنجاح عملية السلام فقد أكد ديان أن نجاحها متوقع للغاية وأن الناس سعداء بالاتفاق في هكاري. ولا يرى الشاب الكردي في انسحاب المسلحين الأكراد إلى كردستان العراق أمرا مجحفا في حق الأكراد قائلاً: "الأكراد غير قلقين لأن في حالة فشل السلام فسيعودون مجدداً".
أما من ناحية الأتراك فقد أعرب عدد منهم بشكل عابر لـ DW عربية عن سعادتهم بالاتفاق لكنهم رفضوا إجراء أحاديث صحفية. فيما أعربت الشابة التركية فيليز (تحفظت أيضاً عن ذكر كامل اسمها)، التي تعيش في هكاري لظروف عملها، عن تفاؤلها تجاه الوضع في المدينة. وتقول فيليز إن الوضع تحسن كثيراً. ولم تخف هذه الشابة التركية أثناء حديثها المقتضب لـ DW عربية سعادتها "وسعادة الجميع بعملية السلام بغية عودة الهدوء والإستقرار"، منهية كلامها بالقول: "نحن نتمنى الأفضل لنا جميعاً للأتراك والأكراد وأن تعيش هكاري في هدوء وسكينة وسلام من اليوم ولاحقاً".