تركيا - مشروع قانون لتشديد إجراءات مراقبة الإنترنت
١٣ يناير ٢٠١٤ما أن تخرج الحكومة التركية من عاصفة احتجاجات إلا وتلحقتها عاصفة أخرى. فبعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها شوارع أنقرة انتقلت أحداث شغب إلى البرلمان التركي، شملت أيضا برلمانيين يوم السبت الماضي (11 يناير/كانون الثاني). وحسب شاهد عيان فقد قفز أحد النواب إلى طاولة أحد البرلمانيين أثناء اجتماع اللجنة القضائية، كما شهد البرلمان تراشقا بالملفات وقنينات الماء والحواسب اللوحية بين النواب. وجاءت هذه الاشتباكات على خلفية موقف رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وتدخله القوي في سيادة القانون. فبعد أن استبدل أردوغان بعض المدراء التنفيذيين للشرطة بسبب فضيحة الفساد في صفوف بعض السياسيين المحسوبين على حزب العدالة والتنمية الحاكم، بدأ الآن يستهدف العدالة بشكل متزايد، كما تقول المعارضة. كما بدأ الحديث في تركيا عن مشروع قانون جديد قد يمنح الحكومةَ مزيدا من النفوذ في تعيين القضاة وممثلي الادعاء العام. ولآن تخطط الحكومة التركية إلى تشديد إجراءات الرقابة على شبكة الإنترنت في البلد.
حماية للحقوق الشخصية أم رقابة على الحرية؟
وقد تقدمت وزارة الشؤون الأسرية والاجتماعية بمشروع قانون من شأنه أن يسمح للسلطات التركية بحجب مواقع إليكترونية محددة، كما سيصبح بإمكان السلطات حفظ الصفحات الإلكترونية التي يتصفحها مستخدمو الإنترنيت لمدة قد تصل إلى سنتين. ويوضح الباحث القانوني يامان أكدينز في إحدى الجامعات في إسطنبول تلك الخطوة بالقول: "حتى الآن، كان حجم المحتويات التي تم اعتبارها غير قانونية، محدودا، وحسب المخططات الحالية فمن الممكن حظر المحتويات بشكل كامل في تركيا". وتندرج ضمن تلك المواقع غير القانونية، حسب الباحث التركي، "المواقع الإباحية المرتبطة بالأطفال والقمار، ومواقع التحريض على الانتحار أو الدعارة ومواقع البحث عن المتعة الجنسية".
ويرى يامان أكدينز أن الحكومة تعمل على توسيع دائرة المحتويات الممنوعة لتشمل مجالات أخرى مثل انتهاكات الحقوق الشخصية والمس بالحقوق الفردية للأشخاص. ويخشى فيامان أكدينز أن تقوم "السلطات، استناداً إلى مشروع القانون الجديد، بحجب مواقع تنشر فيديوهات غير مرغوب فيها ومسئية لأعضاء حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان ". ويعبر الباحث القانوني عن قناعته أن السلطات التركية "قد تبرر قرار الحجب بحجة المس بالحريات الشخصية، في حال عدم موافقة الشخص الذي يظهر في الشريط على تصويره". ويعني ذلك أنه في حالة "نشر شريط عن رئيس الوزراء فإن التعليمات ستصدر فورًا لوقفه".
مراقبة صارمة على الإنترنت منذ 2007
لقد مارست تركيا رقابة صارمة على الإنترنيت. ففي عام 2007 تم حجب موقع يوتوب بشكل كامل لمدة ثمانية عشر شهراً. وفي عام 2012 أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن قانون الحجب يتعارض مع المادة 10 من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تضمن حرية التعبير. وحاليا يبلغ عدد المواقع المحجوبة في تركيا، حسب التقديرات، أربعين ألف موقع.
في الشهر الماضي نشر موقع البحث العالمي غوغل إحصائيات أوضحت أن تركيا تقدمت بمعظم الطلبات لإلغاء محتويات معينة في بنك معلومات غوغل، مقارنة بغيرها من الدول. فخلال النصف الأول من عام 2013 طالبت تركيا غوغل بحذف 12162 مقالا،ً وهو ما يشكل مستوى زيادة في حدود عشرة أضعاف مقارنة مع الأشهر الستة الماضية .
وبالنسبة لنشطاء الانترنيت مثل أحمد سابانجى فإنه على الرغم من أن الحكومة تبرر أن الحجب يهدف إلى حماية الأطفال من المحتويات غير المناسبة لهم، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ذريعة. فالحكومة، حسب الناشط التركي، تسعى منذ انطلاق الاحتجاجات في ميدان التقسيم في العام الماضي إلى الحد من حرية التعبير. ومن خلال فضيحة الفساد في أوساط بعض السياسيين المنتمين لحزب العدالة والتمنية، ازدادت رغبة الحكومة في توسيع دائرة المحرمات في عالم الإنترنيت. الحكومة التركية نجحت حتى الآن في إحكام سيطرتها بقوة على وسائل الإعلام التقليدية، حسب سابانجى، ملاحظا أنها تحاول الآن السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
رقابة بشكل أسهل
وبمقتضى مشروع القانون المقدم سيصبح بإمكان الحكومة منع بعض الصفحات في مواقع معينة بدل حجب كامل الموقع. ويوضح سابانجى قائلا:" سيكون بإمكان الحكومة تعطيل حساب معين في الفايسبوك أو تويتر لبعض المستخدمين المعينين". وبذلك ستتم الرقابة بشكل أسهل بكثير. كما سيرغم ذلك الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت وترغب في الاستمرار في عملها الانضمام إلى إحدى الهيئات الخاضعة لمراقبة الدولة، حيث يتوجب عليها "البحث عن بدائل للدخول إلى المواقع الممنوعة" حسب الباحث القانوني فيامان أكدينز.
تركيا تحذو حذو الصين؟
هناك تخوفات في تركيا من أن تتخذ الرقابة على الإنترنيت في تركيا نفس التوجه في الصين. غير أن الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم يرفض مثل تلك المقارنة بالكامل ويقول: "تركيا ليست هي الصين ولن تشبه في يوم ما الصين في ذلك". وأكد المتحدث باسم الحزب الحاكم على ضرورة وجود إمكانية للقيام "بسن بعض القوانين التي تنظم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على الانترنت".
حسب المنظمة الأمريكية غير الحكومية لحماية الصحفيين (CPJ) فإن تركيا تواصل تضييق الخناق على الصحفيين، حيث تعرض أربعون صحفيا تركيا للسجن عام 2013. وقال غيوفيري كينغ من المنظمة الأمريكية: " إن تركيا أصبحت أكثر الدول التي يتعرض فيها الصحفيون للسجن مقارنةً مع باقي دول العالم". ولذلك يجب على حكومة أردوغن أن تضع في الحسبان وجود مقاومة من طرف دول الإتحاد الأوروبي في مواجهة تلك المخططات التي يرفضها المعارضون ومن بينهم ناشط الانترنت أحمد سابانجى الذي أعلن عن نية النشطاء الحقوقيين الأتراك في التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حال المصادقة على القانون الجديد.