تركيا ـ انتخابات تشريعية على وقع الثورات العربية
١١ يونيو ٢٠١١ربما هي من المرات النادرة التي تخاض فيها الانتخابات التشريعية في تركيا والجهة الفائزة تكاد تكون معروفة الهوية حتى قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع. فكل استطلاعات الرأي تجمع على أن حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بصدد تحقيق إنجاز تاريخي عبر حسم نتائج الانتخابات لصالحه للمرة الثالثة على التوالي. فالمراقبون "لا يختلفون على اسم الحزب الفائز بل على النسبة التي سيفوز بها هذا الحزب. فأردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية فائزان حتى قبل إجراء الانتخابات"، حسب الباحث المصري مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية.
ويضيف اللباد، في حوار مع دويتشه فيله، أن النقاش يتركز الآن حول "النسبة التي سيفوز بها حزب أردوغان في هذه الانتخابات، بمعنى هل تتراجع إلى أربعين في المائة أم تزيد عن نسبة الستة والأربعين في المائة التي حققها في انتخابات عام ألفين وسبعة"؟ وهو ما يشدد عليه أيضا سمير صالحة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوجلي التركية. ويضيف صالحة، في حوار مع دويتشه فيله، بأن "انفراد أردوغان بإدارة شؤون البلاد لحقبة جديدة يبدو محسوما، لكن السؤال هو هل سيطلق الناخب التركي يد رئيس الوزراء ليقوم بتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها فيما يتعلق بالملف الكردي وبإعداد دستور جديد للبلاد أم لا"؟
الانتخابات والثورات العربية
وقد شدد أردوغان والعديد من قادة حزبه على أنهم يحتاجون في هذه الانتخابات إلى تفويض واضح من الشعب التركي للقيام بإصلاحات قوية تشكل قطيعة بين تركيا ومخلفات الانقلاب العسكري عام 1980 حتى يسهل قبولها في البيت الأوروبي. إلا أن بعض المراقبين يضيفون عاملا آخر إلى الإصلاحات الداخلية التركية تعطي أهمية خاصة لهذه الانتخابات، والمقصود هنا الثورات التي تشهدها الدول العربية. فالباحث المصري في القضايا التركية مصطفى اللباد يرى أن "ما يميز هذه الانتخابات عن الانتخابات التركية السابقة أنها تترافق مع ربيع عربي ينظر إلى تركيا نظرة مغايرة للنظرة التي كانت سائدة في العالم العربي".
فتركيا، التي انخرطت بالفعل في الشرق الأوسط وأقامت علاقات قوية مع معظم الدول العربية في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، أصبحت "محط أنظار القوى الثورية العربية نظرا للنموذج الذي تمثله، والإنجازات التي تحققت على يد هذا الحزب"، والكلام لمصطفى اللباد. ويضيف الباحث المصري بأن اللحظة مناسبة لتركيا كي تمدد نفوذها في المنطقة العربية لأن "الأنظمة التي أطاحت بها الثورات كانت لا تناصب تركيا العداء جهارا، لكنها كانت تعرقل التعاون الإقليمي معها بكل الوسائل، وخير مثال على ذلك نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك". ويشدد اللباد على أنه وبمجرد إعلان نتائج الانتخابات فإن تركيا ستتخذ مواقف أكثر صلابة في تأييد الشعوب العربية.
"تركيا وسوريا على طرفي نقيض"
وبدوره يرى الأكاديمي والناشط السوري المقيم في السويد عبد الباسط سيدا أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية سيعزز الاستقرار في تركيا وكذلك في المنطقة، لأن لأنقرة دورا استراتيجيا في الشرق الأوسط. ويضيف سيدا، في حوار مع دويتشه فيله، أن تركيا ساهمت كثيرا في استقرار المنطقة على ضوء نظرية "صفر مشاكل مع الجيران" التي أطلقها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. إلا أن هذا الاستقرار، حسب سيدا، لن يدوم ما لم تتحول دول المنطقة إلى الديمقراطية وهذا ما كشفته الثورات العربية. فرغم كل المغريات التي قدمتها حكومة حزب العدالة والتنمية لسوريا من إلغاء التأشيرات وبناء علاقات اقتصادية قوية معها والمساهمة في فك عزلتها الدولية فإن "قيام الثورة في سوريا أنهى شهر العسل بين الدولتين، إذا لا يمكن التعايش بين نظامين مختلفين بنيويا، كما لا يمكن لتركيا أن تتفرج على مقتل المدنيين السوريين ونزوح الآلاف إلى أراضيها".
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوجلي سمير صالحة فيرى أن حكومة حزب أردوغان راهنت كثيرا على العلاقة مع سوريا وعلى إمكانية قيام الرئيس بشار الأسد بتبني سياسة إصلاحية رغم معرفتها بطبيعة النظام، لكنها فوجئت بالتصلب السوري ورفض دمشق للأخذ بالنصائح التركية. ويشدد صالحة على أن تركيا لن تقطع علاقاتها مع سوريا بعد الانتخابات إلا أنها ستتشدد في تبني مطالب المعارضة السورية خصوصا أن "الأسد يعد بشيء والممارسات على الأرض تكون شيئا آخر".
وبدوره يشدد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية مصطفى اللباد على أن مصالح تركيا الجيوبوليتيكية في سوريا تمنعها من قطع العلاقات معها لأن ذلك يعني "سقوط النظام السوري بكامله في قبضة إيران إذ أن سوريا، وعلى المستوى الإقليمي، تعتبر موزع التوازن بين طهران وأنقرة". لكن هذا لا يمنع، حسب اللباد، أن تزيد تركيا ضغطها على النظام السوري وتعزز قوة المعارضة السورية، وخصوصا بعد الانتخابات، لأن هذا يتسق مع مصالح تركيا ورغبتها في التغيير.
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي