ترفض طلب اللجوء.. سورية تطلق مشروعا لإدماج النساء في ألمانيا
٢٩ أغسطس ٢٠٢١سوريا التي تشتاق لها والموجودة في ذاكرتها ”ربما لم تعد موجودة اليوم في الواقع" هذا ما تشعر به الشابة السورية ياسمين مرعي عندما تتذكر بلدها. لكن حبها لوطنها لم يجعلها تفرط في أي فرصة تثبت أن المرأة السورية لا تعرف اليأس. فهي تومن بأن أي ”عالم جديد عليك بنائه من الصفر مهنيا وإنسانيا".
ومنذ أن بدأت ترحالها بين أربع دول، تحاول ياسمين من خلال عملها خلق مساحات تسعها وتسع غيرها من النساء السوريات والعربيات.
فياسمين درست اللغة العربية ولكن ظروف الحرب جعلتها تكتشف عالما جديدا لم يكن متاحا لها من قبل في بلدها. ”اعتبر نفسي واحدة من السوريين الذين دخلوا لعالم الصحافة بعد الثورة، لأننا وجدنا أنفسنا فجأة نقوم بتغطية الأحداث دون دراسة الصحافة بالضرورة حسبما تؤكد في حوارها مع موقع مهاجر نيوز.
وترى ياسمين أن بخروج الكثير من السوريين من بلادهم، تكونت مساحات أوسع للحديث بحرية بما جعل العمل الصحافي أكثر جذبا لها، ”خاصة عندما تكون منغمسا في القضايا الإنسانية ببلادك لأن حينها تشعر وكأنك تساهم في توصيل الحقيقة أو البحث عنها"، على حد قولها.
ولدى حديثها عن الرحيل من المكان الأول في قصتها، سوريا، لا تكتفي ياسمين باستخدام كلمات كـ ”الخروج" أو ”السفر". ففي عام 2012 بعد شهور قليلة من انطلاق الثورة، اضطرت الشابة السورية إلى ”الهروب"، على حد تعبيرها، من مدينة حمص عقب إلقاء القبض على والدها وشقيقيها.
وكانت ياسمين سعيدة الحظ باستعداد أصدقاء لها لاستضافتها بلا مقابل في لبنان. ولكن طوال فترة إقامتها في بيروت، لم تنشأ علاقة بينها وبين المدينة لاعتقادها أنها ستعود لموطنها بعد بضعة أيام لا أكثر، على حد قولها.
ومع تأزم الموقف في سوريا وتحول الثورة هناك إلى حرب، أدركت ياسمين أنها لن تتمكن من العودة إلى مدينتها مجددا، فقررت حينها قبول فرصة عمل في تركيا.
”المرأة تدفع ثمن ثغرات المجتمع السوري"؟
في تركيا٬ بدأت ياسمين العمل الصحفي بشكل أكثر احترافية٬ إذ أتيحت لها فرصة العمل في أكثر من جريدة ومجلة ”ضمن الموجة التي يصفها البعض بالإعلام السوري البديل"، على حد وصفها. وساهمت ياسمين هناك في تأسيس مجلة ”سيدات سوريا"، وعملت مديرة تحرير لها لخمس سنوات.
وتبرر الشابة السورية اهتمامها بقضايا المرأة ”بتجربتها الشخصية كامرأة سورية قادمة من مجتمع محافظ فيه الكثير من الحدود". وتقول ياسمين: ”لا أنتقص من طبيعة المجتمع السوري، وإنما أتحدث عن الثغرات التي تكونت نتيجة للكثير من التراكمات السياسية والدينية والثقافية. والتي ربما جعلت المرأة تدفع الثمن في التفاصيل المتعلقة بحياتها الشخصية".
وأثناء قيامها بعملها الموجه للمرأة السورية في المهجر، لاحظت ياسمين ”عدم تقدير واستيعاب البعض" للعوامل والظروف التي تدفع النساء القادمات من الريف أو الأحياء الشعبية والفقيرة أو المجموعات الأكثر تحفظا نحو عدم إكمال دراستهن أو الإنجاب بكثرة أو تقبل تعدد الزوجات أو زواج القاصرات وغيرها من الأمور. لتقرر الصحفية السورية أن تعمل على توصيل رسالة للجميع ترفض فيها ”فرض الوصاية على النساء أو اختزالهن في دائرة مغلقة"، إذ تؤمن بأنهن في حاجة فقط لمن يفتح لهن نافذة على الحياة.
من تركيا إلى لوس آنجلوس!
طموح ياسمين في دعم المرأة لم يقتصر على عملها الصحفي فحسب، بل شاءت الأقدار أن تترجم هذا الدعم على أرض الواقع. إذ لم تتخيل ياسمين أن تجد من يفتح لها نافذة جديدة في مكان آخر حيث قادتها الصدفة نحو المشاركة بورشة تدريب لمنظمة ”مراسلون بلا حدود" في تركيا، ليرشحها فريق المنظمة للحصول على منحة بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية.
لم تكن ياسمين تشعر بالاغتراب أثناء وجودها في تركيا لأنها كانت مرتبطة بالعمل والتواصل مع سوريين هناك طوال الوقت. ولكن بالانتقال إلى الولايات المتحدة، شعرت ياسمين بـ ”قسوة" الغربة، خاصة وأن قدرتها علي التحدث بالإنجليزية حينها كانت محدودة.
تعرفت الصحفية السورية، من خلال المنحة التي حصلت عليها، على مصممة ألمانية كانت حريصة على التعرف على سوريا. وبعد بضعة أشهر، نشأت بينهما صداقة لتعرض المصممة الألمانية على ياسمين استقدامها للعمل معها في برلين.
”نساء من أجل مساحات مشتركة"
كانت ياسمين مدركة أنها سعيدة الحظ لحصولها على عقد عمل بدوام جزئي في ألمانيا، ولكن البداية لم تكن سهلة. ففي برلين عانت الشابة السورية من الاكتئاب والخوف والقلق. وتقول ياسمين: ”اعتدت أن أسأل نفسي يوميا حينها ما الذي أفعله هنا ولماذا أنا هنا. فأنا لا أستطيع العودة إلى بلدي وخياراتي كانت محدودة". لم تستسلم ياسمين٬ إذ بدأت العمل في مراكز الإيواء المخصصة للمهاجرين وطالبي اللجوء في برلين، لترى بعينها حجم ما يشعر به السوريون من ألم وحزن لفقدانهم كل شيئ، بما فيه خصوصيتهم بعد أن أصبح عليهم مشاركة الغرفة الواحدة مع غرباء.
وظهرت من هنا فكرة المساحات المشتركة وقررت حينها تأسيس مشروعها، الذي يحمل اسم ”نساء من أجل مساحات مشتركة". وتقول ياسمين: ”أعمل على الترويج لفكرة المساحة المشتركة كبديل لمصطلح الاندماج. لأن الاندماج بالصيغة الحالية المطروحة، مع الامتنان للمؤسسات الألمانية، هو عملية تأتي من الأعلى للأسفل في قالب معين تحتاج للتأقلم معه بغض النظر عن ظروفك ووضعك النفسي وخسائرك".
وتقيم ياسمين ورش عمل تعمل من خلالها على خلق ”مساحات مشتركة" بين السوريات لتحقيق المزيد من التفاهم بين النساء القادمات من خلفيات دينية وسياسية واجتماعية متعددة عن طريق مشاركتهن لتجاربهن، على أن تتوسع تلك المساحة لتشمل لاحقا المساحة بين الناطقات باللغة العربية عموما. والمساحة الثالثة التي تستهدفها ياسمين من خلال مشروعها هي تلك التي تجمع النساء بشريك الحياة سواء كان أب أو زوج أو إبن أو شقيق. وترى ياسمين أنه ”وبتحقيق المزيد من التوازن مع الذات نصبح أكثر تأهيلا لبناء مساحة مشتركة مع المضيف الألماني"، على حد وصفها.
وفي تحديد شكل علاقتها بذلك المضيف الألماني، اعترفت ياسمين بأنها حاولت تجنب حفظ أسماء الشوارع أو تعلم اللغة أو بناء علاقة حميمة مع مدينة برلين، على حد وصفها، ”خوفا من تكوين ذاكرة جديدة بديلة لذاكرتها عن حياتها بمدينة حمص".
وتشعر ياسمين بالامتنان لبرلين لكنها قررت بشكل حاسم ألا تتقدم بطلب للحصول على حق اللجوء حيث تقول: ”لا أرغب في التخلي عن جنسيتي السورية، فحتى لو تسبب النظام السياسي الحالي في طردنا من البلاد، فهو لن يُسقط الجنسية عنا. كما أنني ممتنة لزميلتي الألمانية بسبب الفرصة التي منحتني إياها، وأريد لذلك أن أثبت جدارتي واستحقاقي لها".
ولا تقتصر أحلام الشابة السورية على استكمال دراسة الماجستير التي لم تتمكن من إنهائها في سوريا والالتحاق بالعمل الأكاديمي، فهي تحلم بالعودة يوما ما إلى سوريا.
رغم اشتياق ياسمين لسوريا التي ”ربما لم تعد موجودة اليوم كما عرفتها"، على حد تعبيرها، ولكنها على الأقل ترغب في زيارة قبر والدها الذي فارق الحياة بعد الخروج من المعتقل أثناء وجود إبنته في المهجر.
دينا البسنلي/ مهاجر نيوز