تراجع الإقبال على المشاركة في الحياة الحزبية في ألمانيا
١١ سبتمبر ٢٠٠٧بدأت الأحزاب الألمانية تعاني من مشاكل مالية، واتضحت معالم تلك المشكلة في منتصف شهر آب/ أغسطس بعد أن قدم الائتلاف الموسع مقترحا لحصول الأحزاب على 20 مليون يورو من خزينة الدولة سنويا. وبسبب المعارضة القوية التي واجهها المقترح تم سحبه على عجل مجدداً، غير أن هذا يدل على أن خلف النقاش ثمة مشاكل عميقة لدي الأحزاب الشعبية. وبسبب التراجع في عدد أعضاء هذه الأحزاب منذ سنوات، أخذت مبالغ الاشتراك بالتراجع بحدة.
"للأحزاب دور مهم دائماً"
هل تعتبر الأحزاب سلعة بالية؟ يرد الكثير من علماء السياسة على هذا السؤال بالرفض القاطع. فيؤكد أوسكار نيدرماير، المتحدث باسم الحلقة الدراسية المعنية بدراسة الأحزاب في الاتحاد الألماني للعلوم السياسية، "أن من غير الممكن تصور النظام السياسي الألماني بدون أحزاب. فهذه الأحزاب تلعب على الدوام دوراً مهماً في ألمانيا". أما الباحث في شؤون الأحزاب كلاوس ديتربيك فيشاطر زميله الرأي ويعلق على تلك الإشكالية بالقول: „يوجد هناك اختلاف في تعامل الأحزاب، إلا إنها لا تفقد أهميتها على الإطلاق".
ويرى نيدرماير أن الحديث عن أزمة الأحزاب يتردد منذ عقود، ويضيف بالقول: "غير أن الأحزاب ما تزال موجودة". وذلك بالرغم من أن بلدان غرب أوروبا تشهد تحولات اجتماعية تريد إنهاء دور الأحزاب فيها.
المنافسة من قبل الحركات الاجتماعية
فقد أخذت الأحزاب السياسية تواجه مؤخرا منافسة متزايدة من قبل حركات اجتماعية جديدة. عن هذا يقول نيدرماير: "من أراد خوض غمار المعترك السياسي في خمسينيات القرن الماضي، كان عليه الانتماء لأحد الأحزاب، أما اليوم فأصبح يمكنه ذلك من خلال الانتماء لمنظمة آتاك المناهضة للعولمة على سبيل المثال". فالشبيبة يفضلون بصورة خاصة الالتزام بنشاطات محدودة زمنيا ومرتبطة بمشاريع معينة. أما ديتربيك فيذهب إلى ابعد من ذلك ويعلق بالقول: "لقد ترك بعض أعضاء الحزب الطموحين العمل السياسي بشكل مطلق".
إضافة إلى ذلك فقد تفككت الأجواء الكلاسيكية التي كانت تمثل الأرضية التي تمد فيها الاحزاب جذورها، بحسب نيدرماير. وبسبب أن الروابط النقابية والكنائس أخذت تعاني من قلة الأعضاء فإنها لم تعد تشكل حيزاً لكسب الأعضاء بالنسبة للأحزاب. ويستدرك نيدرماير بالقول: "حتى اهتمامات أوقات الفراغ لدى الناس قد تغيرت"، ويضيف "لم يعد الناس يجدون في الأحزاب ملهما للأفكار ووسيط لتقديم المعلومات".
الأعضاء العاديون وعملية اتخاذ القرار
ويرى ديتربيك إضافة إلى ذلك أن هناك تغييراً جوهرياً في نظام الأحزاب. فأن مواقف الأحزاب تُتخذ اليوم في الغالب من قبل سياسيين محترفين في الكتل البرلمانية أو اللجان الحزبية. ويؤكد ديتربيك بالقول: "لم يعد يُشرك الأعضاء في القاعدة الحزبية في القرارات سوى بشكل هامشي فقط". ويرى أنه بات من غير الممكن الرجوع بهذا التحول إلى الوراء. ويؤكد الخبير الألماني أن "العملية المعقدة في اتخاذ القرارات تتطلب خبراء محترفين. ومن الصعب أن نتصور أن يتمكن مواطن عادي من أن يقدم في وقت فراغه تصورات عن اقتصاد الطاقة في أوروبا مثلاً". وبذلك فأن العمل الجماعي في الحزب بدأ يفقد جاذبيته.
على العكس من ذلك يشكك نيدرماير في تراجع أعداد المنتمين للأحزاب يعود إلى قلة فرصهم في التأثير في عملية اتخاذ القرار. فليس جميع الأحزاب تعاني من تراجع أعداد أعضائها. والأحزاب الصغيرة لا تعاني مطلقاً من هذه المشكلة لأنها غير مضطرة لتوحيد مصالح واهتمامات قطاعات مختلفة كثيرة.
اليسار ومنافسته للحزب الاشتراكي الديمقراطي
أن ظاهرة فقدان الأحزاب لأعضائها تصيب بشكل كبير الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والأمر لا يتعلق بقيادة الحزب الحالية، كما يؤكد نيدرماير، الذي يضيف قائلاً: "المشكلة لم تنشأ خلال الثمانية عشر شهر الأخيرة". إن تفكك تلك الأجواء الكلاسيكية إضافة إلى التغيرات الاقتصادية وتأثيرها على أعداد العاطلين على العمل قد أثرت على الحزب الاشتراكي الديمقراطي بصورة أكبر من تأثيرها على بقية الأحزاب، كما أن أجندة الإصلاحات 2010 أدت إلى موجة استقالات جماعية في صفوف الحزب. إضافة الى ذلك فأن الحزب أخذ يواجه منذ سنوات عديدة منافسة قوية من قبل الأحزاب اليسارية، بعد أن كان في البدء يواجه منافسة من قبل حزب الخضر.
ويضيف نيدرماير بالقول: "يجب على الحزب الاشتراكي الديمقراطي ان يتعايش مع اليساريين خلال المرحلة القادمة. أن حركة الجمود الظاهرية التي أعقبت تأسيس حزب اليسار أخذت بالتلاشي منذ وقت طويل، فآخر التقديرات تشير إلى ان 20 بالمائة من أصوات الناخبين باتت من صالح الحزب. ويعتقد نيدرماير أن حضور الحزب في البرلمان الألماني "البوندستاغ" سيزداد بصورة كبيرة من خلال تزايد شعبيته في ولايات شرق ألمانيا وبعض الولايات الأخرى في غربها. وفي هذا السياق يشير ديتربيك إلى مقارنة مع بعض البلدان الأوروبية الأخرى، ويعلق على ذلك بالقول: "لقد استقلت الأحزاب اليسارية في بعض البلدان الاسكندينافية عن الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية. وهي تتمتع هناك بشعبية، لكنها غير كافية بعد للبقاء في البرلمانات".
نهاية العصر الذهبي
تواجه جميع الأحزاب مصاعب جمة تتعلق بالحصول على جيل سياسي شاب يواصل مسيرتها. نيدماير يصف الوسائل التي يمكن للأحزاب من خلالها مواجهة ذلك بالقول: "على الأحزاب أن تقدم المزيد من عناصر الجذب وترفع القيود وتصنع المزيد من الفرص أمام أعضائها". أنهم تفتح على سبيل المثال فرص جديدة للمشاركة من خلال اختيار الناخبين وتقلل من الحواجز أمام الانتماء إليها من خلال العضوية التجريبية والندوات المشتركة للروابط المحلية، كما أن عليها أن تحاول جذب أعضاء جدد من خلال المشاريع والروابط المحلية المفترضة.
ويستدرك الباحث الألماني قائلاً: "أن هذه الوسائل تعد ناجحة، غير إنها لن تؤدي إلى جذب مئات الآلاف من الأعضاء الجدد"، ويضيف بالقول: "لا يمكن التنبؤ مستقبلاً بعصر ذهبي. فينبغي على الأحزاب أن تقوم بكل شيء من اجل الحفاظ على عدد أعضائها".