تدويل الأزمة السورية ـ تمهيد للقيام بعمل عسكري لإسقاط النظام؟
١٣ أغسطس ٢٠١١بالرغم من أن زيارة الرئيس التركي عبد الله غول إلى السعودية كانت مقررة سابقا، وأنها، وحسب وكالة الأنباء السعودية، للمشاركة في اجتماع مجلس الأمناء لمراكز الدراسات الإسلامية في جامعة أوكسفورد الذي يعقد بمدينة جدة وكذلك لأداء مناسك العمرة، فإن معظم المراقبين يربطونها بالحدث السوري. فالسعودية وتركيا تعتبران العاصمتين الأكثر نشاطا والتصاقا بملف الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. فالسعودية كانت قد وجهت، وبعد خمسة أشهر من الصمت، رسالة وصفت بالقاسية من الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الرئيس السوري كما سحبت سفيرها في دمشق، في إجراء احتجاجي حذت الكويت والبحرين حذوها فيه أيضا.
أما "الحليف القوي والجارة القوية تركيا"، حسب تعبير محمد بن عبد الله آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، فقد مضت إلى أكثر من ذلك حين أرسلت وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو إلى دمشق قبل أيام في مهمة محددة وصفت بـ "الفرصة الأخيرة". ويضيف آل زلفة، متسائلا في حوار مع دويتشه فيله، أن الرياض تنسق مع بقية الدول العربية ومع تركيا في هذا الملف لكنها لا تدري ما هو "المأمول من الرئيس السوري خلال خمسة عشر يوما"؟ وذلك في إشارة إلى كلام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي قال فيه إن بلاده منحت سوريا أسبوعين للقيام بالإصلاحات الضرورية.
"أسبوعان لإنجاز الإصلاحات مطلب غير واقعي"
ويعرب النائب السعودي السابق عن اعتقاده بأن "الرئيس السوري، ومعه قادة حزبه المتسلط (حزب البعث) لا يرون أي حل إلا من خلال القمع؛ وهم يعلقون الآمال على أنهم سيستفيدون من هذه المهلة التركية كي يحسموا الأمر عسكريا وأمنيا، لكن هذا أمر مستحيل". أما الكاتب والصحافي السوري كامل صقر، رئيس تحرير مجلة سوريانا الاقتصادية، فيرى أن زيارة وزير الخارجية التركي لسوريا أعطت "منحى جديدا للأزمة السورية وأن البلاد أمام أسبوعين حاسمين".
ويضيف صقر، في حوار مع دويتشه فيله، أن دمشق يبدو وكأنها تتجاوب مع المطالب التركية و"إلا كيف نفسر الطريقة التي خرج بها داود أوغلو من دمشق وكذلك تصريحاته الهادئة وكذلك تصريحات أردوغان وخصوصا حول حماة ومهلة الأسبوعين". وبدوره يستبعد صقر أن "يحقق الحل الأمني أية نتائج مرضية في سوريا". فحتى لو تمكن الخيار الأمني من "قمع الاحتجاجات الشعبية أو إنهائها، وهذا أمر مستبعد، فإنه لن يكون الحل للأزمة في سوريا. فالاحتجاجات ليست ردود فعل على أمور بسيطة بل هي ضد واقع سياسي واقتصادي وحتى اجتماعي قائم".
تدويل الأزمة السورية
ويحذر صقر مما يصفه بـ"تدويل الأزمة السورية في أروقة مجلس الأمن والعواصم الغربية، لأن هذا التدويل لا "يصب في مصلحة الاستقرار في المنطقة وستكون له مفاعيل سلبية على الوضع الداخلي في سوريا ومجمل الحراك السوري". وبالرغم من وجود إشاعات عن احتمال تكليف الناتو للقيام بعمل عسكري في سوريا وربما بغطاء عربي، كما كانت الحال في ليبيا، فإن آل زلفة يؤكد لدويتشه فيله بأن السعودية "ضد أي تدخل أجنبي في سوريا لأن ضرره سيكون أكثر من نفعه".
ويشدد آل زلفة على أن بلاده تعمل بالتنسيق مع بقية الدول العربية وتركيا على تجنب تدويل القضية السورية، لأن ذلك "يعني تدويل كل القضايا العربية". ويبدي حسن منيمنة، كبير الباحثين في معهد هادسون الأمريكي، استغرابه من الحديث عن تدخل عسكري في سوريا بقيادة الناتو أو الولايات المتحدة لأنه "لا توجد أية قابلية في الولايات المتحدة، شعبيا أو رسميا، لخوض مغامرة عسكرية أخرى". ويضيف منيمنة، في حوار مع دويتتشه فيله، أنه من غير الممكن " أن تتورط واشنطن في أي عمل عسكري في سوريا بعد الورطة الليبية التي لا يعرف أحد كيف ستنتهي".
"النظام السوري غير قابل للإصلاح"
ويشدد منيمنة على أن العمل العسكري في سوريا غير وارد إطلاقا في ذهنية صاحب القرار الأمريكي، وجل ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية هو "قطع الموارد المالية لهذا النظام". فالنظام السوري يعتمد على "بعض التسريبات المالية لتعبئة أجهزة القمع والقتل لديه. لذا المطلوب هو تجفيف هذه المنابع كي تتراخى قبضة النظام وصولا إلى سقوطه الداخلي الذاتي". وبالرغم من التنسيق الأمريكي التركي والأمريكي السعودي، وحديث أوباما بأنه متفق مع رئيس الوزراء التركي على ضرورة التحول نحو الديمقراطية في سوريا فإن واشنطن "ليس لديها أي وهم بأن هذا النظام قابل للإصلاح، هو برأيها قابل للسقوط فقط".
لكن الكاتب والصحافي السوري كامل صقر لم يفقد الأمل بقيام إصلاحات في سوريا دون إسقاط النظام. إذ أن هناك "قطاعا واسعا من السوريين مازالوا يؤمنون بإمكانية انتقال سوريا لمرحلة أخرى بدون اللجوء إلى إسقاط النظام. هذا لا يعني الإبقاء على شكل النظام الحالي وأجهزته ومؤسساته الأمنية وطريقة تعاطيه، كلا. ما أعنيه هو إنتاج نظام جديد دون اللجوء إلى فكرة الإسقاط لأنها تثير قلقا لدى شريحة واسعة من السوريين". لكن النائب السعودي السابق آل زلفة يستغرب هذا الطرح لأنه يجزم بأن "هذا النظام غير قابل للإصلاح وأية خطوة إصلاحية تعني المسمار الأول في نعش سقوطه".
أحمد حسو
مراجعة: طارق أنكاي