تدريس مادة التربية الإسلامية في ولاية بافاريا بين الترحيب والحذر
١٠ مايو ٢٠١٠تثير تجربة مدارس ولاية بافاريا (جنوب ألمانيا) في مجال تدريس مادة الدين الإسلامي اهتماما ملحوظا لدى المهتمين والأوساط المعنية بإندماج المسلمين في المجتمع الألماني. وقد انطلق برنامج تدريس الدين الإسلامي باللغة الألمانية في مدارس ولاية بافاريا بمبادرة من وزير الثقافة والتعليم في الولاية لودفيغ شباينله (من الحزب الاجتماعي المسيحي).
ويتوخى القائمون على برنامج تدريس مادة التربية الإسلامية تحقيق مزيد من انفتاح المجتمع الألماني على التلاميذ المسلمين والمساعدة على اندماجهم فعليا هم وأسرهم. وتتميز تجربة ولاية بافاريا ببعض الخصائص لكنها لا تعتبر فريدة من نوعها، فبدورها أطلقت ولايات ألمانية أخرى مبادرات في هذا المجال وذلك كثمرة للحوار بين الحكومة الإتحادية وممثلين عن الهيئات الإسلامية في إطار"مؤتمر الإسلام في ألمانيا" الذي يعالج قضايا اندماج المسلمين ويعقد دوريا برعاية وزارة الداخلية الإتحادية.
تدريس الدين الإسلامي باللغة الألمانية
وحسب إحصاءات رسمية في ولاية بافاريا فإن مدارس الولاية يدرس بها 162 ألف تلميذ من أصول مهاجرة، ضمنهم 100 ألف تلميذ مسلم لكن نسبة الذين يصلون منهم الى الجامعة لا تتجاوز 10في المائة، "يبعث على القلق" بالنسبة للمسؤولين في وزارة الثقافة والتعليم بولاية بافاريا، خاصة بعد أن أكدت دراسة لمؤسسة "بيزا" الدولية لتقييم الأداء المدرسي بأن الإرتقاء والنجاح في المدارس الألمانية يرتبط ارتباطا وثيقا بالخلفية الاجتماعية للطلاب. لهذا السبب يبدي المسؤلون في ولاية بافاريا اهتماما خاصا بتحسين المستوى لدراسي للتلاميذ وتعزيز إندماجهم عبر تدريس الدين الإسلامي باللغة الالمانية في مدارس الولاية المعروفة بتقاليدها الكاثوليكية المحافظة. ووفق تصريحات لوزيرالثقافة والتعليم في ولاية بافاريا لودفيغ شباينله فإن "المسلمين في ولاية بافاريا يعملون ويعيشون كمواطنين وليسوا كمهاجرين لوقت محدد، لذلك فإن أي نجاح لأي طفل مسلم في ألمانيا هو نجاح للمجتمع ككل" .
وقد كانت مدينة ايرلنغن رائدة من خلال إقامة مدرسة تجريبية لتدريس الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين بدل مادة التربية الأخلاقية التي يدرسها التلاميذ المنتمون الي ديانات أخرى. ورأت الفكرة النور خلال سنة 2009 عندما دعا وزير الثقافة والتعليم البافاري 24 من خبراء التعليم في الولاية، اضافة الي القنصل التركي العام في نورنبرغ محمد سليم كارتال، ورمزي جونيزو رئيس الجمعية الإسلامية في ايرلنغن، الى اجتماع للحوار واتخاذ قرار بشأن تدريس الإسلام في مدارس بافاريا، وبالفعل جاء القرار بأن يتم التدريس في 25 مدرسة من مدارس الولاية كنموذج أولي يتم دراسته والتأكد منه قبل تعميمه في مدارس الولاية.
"تجربة ناجحة" في مدارس ميونيخ
وحول تقييم تجربة مدارس ولاية بافاريا في تدريس مادة الدين الإسلامي، تقول مونيكا كراسكيفيتز مديرة إحدى المدارس الابتدائية في ميونيخ التي بدأت في تدريس التربية الاسلامية للتلاميذ المسلمين " إن أهالي الطلاب أخذوا الأمر بشكل ايجابي، وسرَهم كثيرا وجود دروس لتعليم الاسلام في المدرسة" وأضافت أنها تعتبر تدريس الإسلام الى جانب الديانات الأخرى "إيجابي جدا". ويقول مدرس التربية الاسلامية اركان اونال التركي الأصل "إن الأطفال المسلمين يتعلمون الدين الإسلامي في المدرسة بسرور بالغ، كما يتعلمون آيات من القرآن الكريم، إنهم يتعلمون أيضا قصص الأنبياء والرسل وكل ما يتعلق بخطط المدرسة الموضوعة في هذا الإطار".
ومن جهته أكد وزير الثقافة والتعليم البافاري لودفيغ شباينله أن "الأهالي تفاعلوا مع قرار تدريس مادة الدين الإسلامي بشكل إيجابي" وأعرب عن دهشته "لعدد الأطفال الذين يشاركون في حصة الدين الإسلامي الذي يساوي عدد الأطفال غير المسلمين في حصة التربية الأخلاقية" وهي إشارة من الوزير الى النسبة المرتفعة نسبيا لعدد التلاميذ المسلمين في المدارس الألمانية.
ويرى خبراء وزارة الثقافة والتعليم في ولاية بافاريا بأن تعليم الدين الإسلامي ينبغي أن يكون خطوة جديدة في سبيل اندماج الأطفال المهاجرين وآبائهم وأمهاتهم في المجتمع الألماني ويشدد الخبراء على ضرورة إتقان هؤلاء التلاميذ للغة الألمانية.
إشكالية إختيار المدرسين
لم تسجل معارضة تذكر في ولاية بافاريا حول قرار تدريس الاسلام في مدارس الولاية، لكن بعض الأوساط السياسية والخبراء يشيرون الى ملاحظات حول طريقة تنفيذ الفكرة، ويقول هانز أولريش بفافمان من الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض "ربما تكمن المشكلة في التطبيق الفعلي للتجربة فلدينا نقص حاد في عدد مدرسي التربية الاسلامية في ألمانيا، ومن ثم ستكون هناك صعوبة أيضا في كيفية الحصول علي مدرسين ومدرسات لديهم القدرة والكفاءة في تدريس الإسلام باللغة الألمانية" ورغم ذلك فإن "هذه الصعوبات لن تغير من إيجابية الفكرة في شيء" كما يقول بفافمان.
وتثير مسألة إختيار المدرسين وتأهيلهم في مجال التربية الإسلامية نقاشا ليس فقط في ولاية بافاريا بل في ألمانيا بشكل عام ، فبينما تحرص المؤسسات الحكومية الألمانية على ضرورة إعتماد تكوين علمي من قبل المؤسسات الأكاديمية والجامعية لضمان مستوى علمي ولغوي (اللغة الألمانية) جيد ومنبثق من أسس الثقافة الألمانية، تتباين آراء الهيئات الإسلامية في ألمانيا إزاء هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، وهو ما يطرح تحديات على القائمين على برنامج تدريس مادة التربية الإسلامية، إذ يجدون صعوبة في التعامل مع حالة الإنقسامات بين الهيئات الإسلامية التي تطالب بإشراكها في وضع مناهج التربية الإسلامية.
ويسهر على وضع مناهج تدريس التربية الإسلامية في ولاية بافاريا أساتذة من الجامعة وخبراء من المعهد الدولي للجودة المدرسية والبحوث التربوية ووزارة الثقافة والتعليم البافارية. وبموازاة برنامج تدريس التربية الإسلامية تقوم وزارة الثقافة البافارية بتنفيذ برنامج خاص لتعزيز المهارات الفردية لدى الطلاب المهاجرين وتشجيع اندماجهم، وفي هذا السياق تعتزم الوزارة اعتماد اللغة التركية كلغة ثالثة اختيارية في مدارس الولاية بالنظر الي الجالية التركية الكبيرة فيها.
الكاتب: صلاح سليمان/ ميونيخ
مراجعة: منصف السليمي