"تدريس الدين الإسلامي في ألمانيا اعتراف بالمسلمين"
٢٦ سبتمبر ٢٠١٠دويتشه فيله: سيتم استحداث تخصص جديد في الجامعات الألمانية هو فرع "الدراسات الإسلامية" إلى جانب الفرع القديم فرع "العلوم الإسلامية"، ما هو هذا التخصص وأوجه اختلافه عن العلوم الإسلامية؟
عاصم حفني: سيتم تدريس العقيدة الإسلامية من قبل مسلمين وليس كالمعتاد تدريس علوم الإسلام من قبل غير مسلمين، بهدف تأهيل الأئمة وتأهيل مدرسي الدين الإسلامي في المدارس الألمانية. بالنسبة للتخصص الجديد "الدراسات الإسلامية" ما زلنا في مرحلة تمهيدية، مرحلة وضع المناهج. ومن المنتظر أن يكون هناك شقان للتدريس، الشق الأول هو تأهيل الأئمة والشق الثاني هو تأهيل مدرسي مادة الدين الإسلامي في المدارس الألمانية والعاملين في مجال الخدمة الاجتماعية.
بالنسبة لهؤلاء سيكون المقرر الدراسي أخف من مقرر الأئمة، لأن الإمام لا بد أن يحصل على تأهيل أعلى من مدرس الدين، ولا بد أن يدرس العلوم الإسلامية المتعارف عليها من علوم القرآن وأن يجيد تلاوته باللغة العربية ثم تفسير القرآن والحديث والسيرة النبوية، إلى جانب مواد تساعد على الاندماج وتؤهل هذا الإمام لأن يكون فاعلا في المجتمع. لذلك لا بد من أن يدرس علوما تناسب إماما أو مدرّسا يعمل في أوروبا مثل العلوم الاجتماعية أو العلوم التربوية، حتى يستطيع التواصل مع طلاب نشأوا في ألمانيا ويحملون فكرا أوروبيا يختلف بطبيعة الحال عن فكر البلدان العربية.
لو انتقلنا إلى الجانب العقائدي، أي إسلام سيدرُس هؤلاء الطلاب؟ هناك المذاهب المختلفة وهناك الإسلام السني والشيعي. ما هو الإسلام الذي سيدرَّس وهل هناك إجماع عليه؟
هذا سؤال هام وصعب والإجابة عليه تحتاج إلى وقت طويل، ولكن باختصار شديد نحن نركز على الأطر العامة للدين الإسلامي. نعم هناك المذهب الشيعي والمذهب السني وداخل كل مذهب هناك مذاهب. في البداية سيكون التدريس منفتحا على هذه الجوانب ولن يكون في البداية هناك أساتذة لكل الفروع المتواجدة في الدين الإسلامي مثل المذاهب المختلفة، ولكن سيتم التركيز على النسبة الكبرى للمسلمين وهي السنة الذين يمثلون 90 بالمائة من المسلمين. وبالنسبة للشق الشيعي سيقوم به أحد الشيعة ولكن هذا على المستوى البعيد. أما بالنسبة للشق السني فسوف ندرس المذاهب الأربعة المتعارف عليها مع الانفتاح على المذاهب الأخرى، ومع الوقت سيتخرج طلاب ينتمون إلى مذاهب معينة يمكن أيضا أن يتولوا تدريس مذهب معين. ولكن هدفنا أيضا خلق نوع من التفاهم بين الأساتذة والطلاب. لدينا طلاب مختلفي العرق ومختلفي المذهب، ولكن هدفنا خلق نوع من التوازن التعليمي الديني بين الطلاب وأساتذتهم، وهو شكل من أشكال الاندماج في ألمانيا: التركيز على القواسم المشتركة وتقليل نسبة الخلاف.
ومن سيقوم بعملية التدريس؟ هل يوجد في ألمانيا عدد كاف من المدرسين المتخصصين؟ ولماذا يتم استبعاد الألمان؟
حسب الرؤية المنطقية، وهذا يتفق مع الرؤية الألمانية أيضا، لا بد أن يكون من يُدرّس العقيدة الإسلامية مسلما لأنه يتحدث عن عقائد وتأهيل أئمة ولا يتحدث عن علم بالمعنى المتعارف عليه لإيصال معلومات. لكن بلا شك هذه مشكلة تعاني منها ألمانيا حتى الآن، ولا يوجد عدد كاف من الأساتذة المختصين، ولذلك سيتم الاستعانة ببعض من ترى فيهم ألمانيا القدرة على توصيل هذه العلوم كمرحلة انتقالية إلى أن يتخرج ألمان مسلمي الأصل يقومون بهذه المهمة في المستقبل.
هل سيتم التعاون مع جامعات من دول عربية وإسلامية عريقة بتدريس الشريعة والفقه الإسلامي؟
نعم، هذه خطوة هامة نحو تدريس الدراسات الإسلامية والعقيدة الإسلامية في الجامعات الألمانية، وهي التعاون مع الجامعات الإسلامية المختلفة ذات الخبرة الطويلة في تدريس الدراسات الإسلامية المختلفة وعلوم الإسلام. منها الأزهر كمثال وربما بعض الجامعات السعودية والتركية. ثم إن التدريس لن يتم في جامعة ماربورغ فقط، هناك جامعة أوزنابروك وجامعات أخرى، وربما تقوم الجامعات بعقد اتفاقيات مع جامعات إسلامية مختلفة ترى فيها تقاربا في وجهات النظر حول تدريس الأئمة. كما من المخطط أن نرسل طلابا يدرسون لمدة نصف عام أو أكثر في الأزهر حتى يكون نوع من تبادل الخبرات بين الجامعات المختلفة من أجل التبادل وكسب الثقة.
غالبية المسلمين في ألمانيا هم من تركيا وقسم كبير منهم من العلويين، هل سيقبلون ما سيقوله لهم إمام تخرج من جامعة الأزهر؟
هذا سؤال أيضا جيد، والحكومة الألمانية أو القائمون على هذا الأمر راعوا هذه النقطة، ومن المفترض أن يتولى التدريس في هذا التخصص أيضا أساتذة أتراك. لا بد من خلق نوع من التوازن بين مدرسي هذه المادة، ولا نستطيع أن ننكر أن جل المسلمين المقيمين في ألمانيا أتراك، ومن ثمة سيكون أيضا مدرسون أتراك يقومون بتأهيل أئمة للجالية التركية، لا بد من التوازن بين الاثنين. وربما يتم لاحقا إدراج الفكر العلوي في الدراسات الإسلامية في ألمانيا، ولكن هذه الخطوة ستكون لاحقة لأن ألمانيا لا تستطيع البدء بكل الفروع الموجودة داخل الدين الإسلامي ودمجها في العملية التدريسية. على الذين يمثلون أقلية داخل المسلمين أن يصبروا كي يمثلوا داخل هذه المنظومة.
هناك نقاش بين الأكاديميين حيث يرفض قسم لا بأس به منهم أن تتولى الجامعات الألمانية تدريس الدراسات الإسلامية ويتمسكون بتدريس العلوم الإسلامية على اعتبار أن تدريس العقائد مكانه كليات اللاهوت. ما رأيك بهذا النقاش؟
نحن نحترم الآراء المختلفة ولكن لا بد أن نعي جيدا أن الجامعة هي مكان العلم. كان هناك اعتراض على تسمية هذا التخصص الجديد "عقيدة إسلامية"، واستقر الرأي على تسميته الدراسات الإسلامية. ولو صار تعليم هذه الدراسات في المساجد فقط أو في مؤسسات بعيدة عن السلك الجامعي، ربما تؤدي إلى نوع من التشدد، لكن الجامعة هي محراب لتنوع الآراء وأعتقد أن ذلك سيساهم أكثر في الاندماج.
في نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي أصدر مجلس العلم في ألمانيا توصية دعت إلى تدريس "الدراسات الإسلامية" في الجامعات الألمانية. لماذا يريد مجلس العلم أن يتخرج أئمة من الجامعات الألمانية بدلا من استقدامهم من الدول الإسلامية؟
أولا في هذه التوصية اعتراف ضمني بوجود المسلمين وحقهم في ممارسة شعائرهم في ألمانيا، وهو يتضمن أيضا قلقا من نوعية الأئمة الموجودين حاليا ومن أين يأتون وتمثيلهم لمصالح البلدان التي يأتون منها. وكما نعرف لا يوجد تأهيل أئمة، هناك من يدرس هنا دراسات مختلفة مثل الطب أو الهندسة ثم يقوم بوظيفة الإمام، هذا الجو العام الموجود للأئمة كما ترى الحكومة الألمانية لا يؤدي إلى الاندماج، وهو يؤدي إلى الخلاف وأنا أعايش هذا.
أيضا هذا القرار اتجاه إلى الاعتراف بالدين الإسلامي وإدخال مادة الدين الإسلامي في المدارس الألمانية. لذلك لا بد أن يكون مدرس هذا الدين أو الإمام ملما بالثقافة الألمانية ومعايشا للفكر الألماني الأوروبي بصفة عامة حتى يساعد على الاندماج. لا أستطيع أن آتي بإمام من مصر أو السعودية أو تركيا، مع احترامنا لكل هذه البلدان، وأطلب منه أن يقوم بوظيفة إمام داخل ألمانيا، لأن السياق الألماني بعيد عنه.
الدكتور عاصم حفني، أستاذ العلوم الإسلامية في معهد الدراسات الشرق أوسطية في جامعة فيليبس بمدينة ماربورغ ومعيد سابق في جامعة الأزهر. وقد شارك في المؤتمر الحادي والثلاثين لجمعية المستشرقين الألمان بورقة عنوانها " الشريعة مقابل العلمانية – حدود الإلهي والبشري".
أجرى الحوار: عبد الرحمن عثمان
مراجعة: طارق أنكاي