تخصص البيونيك في جامعة بريمن
٦ أكتوبر ٢٠١٠جدران المختبر الصغير في قبو مبنى جامعة بريمن مكسوة بالقرميد وأرضيته بالبلاط، لكون الماء يستخدم في أغلب التجارب التي تُجرى هنا. في وسط الغرفة الصغيرة يمتد أنبوب بطول مترين تقريبا ومكوّن من الحديد والزجاج كقناة تتدفق فيها المياه التي تدفعها مضخة صغيرة. الطالب سيباستيان مولر يصعد على كرسي صغير ويعلق داخل الجزء الشفاف للأنبوب زعنفة لسمك القرش، ثم يتركها تسبح داخل المياه المتدفقة. لكن الأمر لا يتعلق بزعنفة حقيقية، كما يوضح الطالب سيباستيان، وإنما بنموذج "مصنوع من مادة السليكون المرنة للغاية. يمكن القول إنه نموذج مبسط لسمكة، يعمل بنظام جيد ومرن تماما ويحتوي على كل خصوصيات زعنفة سمك القرش."
الطبيعة كمصدر للإلهام
سيبايتيان مولر البالغ أربعة وعشرين عاما هو الذي قام بتطوير هذا النموذج في إطار أطروحته لتسلم شهادة البيتشلر. ففي تخصص البيونيك يدرس الطالب الشاب مواد الأحياء والفيزياء والكيمياء والمعلوماتيات والرياضيات. كما أنه درس خلال الفصول الأولى علم وهندسة المواد. دون هذه المعارف لم يكن بإمكانه تطوير هذا النموذج كما يقول. والطالب الشاب يرغب من خلال هذه التجارب معرفة سبب وجود قطعة جلد إضافية في أعلى قمة زعنفة أسماك القرش.
تقصي مثل هذه الظواهر الطبيعية ومحاولة فهمها هو هدف تخصص البيونيك، وذلك بهدف تقليد الطبيعة في تطوير منتجات تقنية جديدة. فالخطوة الأولى في هذا التخصص هي البحوث الأساسية لعلم الأحياء، كما تؤكد البروفيسورة أنتونيا كيزل مديرة تخصص البيونيك في جامعة بريمن. فالأمر "يتعلق في البداية بإدراك مغزى الأشكال التي تعطيها الطبيعة للحيوانات أو للنباتات أو حتى لأجزاء منها. كيف تعمل نبتة ما مثلا؟ وما هي الأسرار التي تحويها؟"
فالطبيعة تعتبر أول مدرسة تعلم الإنسان فيها القواعد الأساسية للعلوم. كما أن دراسة القوانين الطبيعية شكلت، وما تزال، الخطوة الأولى في طريق أشهر الاختراعات وأهمها. والمخترع الألماني أوتو ليلينتال (Otto Lilienthal) لم يكن ليجرب الطيران قبل مائة وخمسين عاما دون ملاحظته الدقيقة للطريقة التي تستخدمها الطيور للتحليق في السماء. فمن خلال المعلومات البيولوجية حول الحيوانات والنباتات تمكن الإنسان من تطوير تقنيات ساعدته على اختراع أجهزة أو مواد يستفيد منها في مختلف المجالات.
تقنيات يمكن الاستفادة منها الآن
من جهته قضى الطالب سيباستيان مولر ساعات عديدة في المختبر كي يدرك أن قطعة الجلد الصغيرة في زعنفة القرش تساعد السمك الضخم في الحفاظ على مستوى علو معين أثناء السباحة، مهما كانت السرعة التي يسبح بها. من جهة أخرى فحص الطالب تغير وظائف الزعانف مع تغيير صلابة السليكون.
نتائج بحثه قد يستفيد منها قطاع الصناعة الآن : "يمكن استخدام هذه التقنيات في محركات السفن أو الغواصات مثلا، وذلك بتزويدها بقطع مرنة تعوض القطع المعدنية التي عادة ما تكون كبيرة الحجم وثقيلة الوزن وجامدة للغاية". ما قد يساهم في الرفع من فعالية هذه المحركات وخفض استهلاكها للطاقة والمحافظة على البيئة.
ورغم أهمية هذا التخصص، إلا أنه لا يمكن دراسته لحد الآن إلا في جامعة بريمن، كما أن المقاعد هناك محدودة، إذ لا يتعدى عددها 27 مقعدا في الفصل الواحد. لكن الجامعات الألمانية بدأت تدرك أهمية العلوم البيونيكية، فالمدرسة العليا في مدينة غيلزنكيرشن (Gelsenkirchen) افتتحت تخصصا جديدا ابتداء من موسم الشتاء المقبل، يمنح لستين طالبا فرصة الحصول على شهادة البيتشلر في تخصص البيونيك، التي قد تمنح لحامليها فرص عمل جذابة في مختلف مجالات البحث العلمي أو المجالات الإقتصادية، كما تؤكد البروفيسورة أنتونيا كيزل. أما سيبستيان مولر، فيطمح بعد حصوله على شهادة البيتشلر في اكتشاف السر الكامن وراء قدرة تحرك الأسماك في الماء.
هايكة تسيغلر / خالد الكوطيط
مراجعة: عبد الرحمن عثمان