تحليل- هل تتفكك روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا؟
١١ أبريل ٢٠٢٢لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة دون تحقيق مكاسب واضحة لموسكو بعد أسابيع من انطلاقها، إلا أن الخسائر باتت أكثر وضوحاً.
تلك الخسائر قد تفضي في نهاية المطاف - وفقاً للباحث الأمريكي دان نيغريا - إلى تفكك الاتحاد الروسي بتصاعد مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة للاتحاد، في تكرار لسيناريو تفكك الاتحاد السوفيتي.
ويضيف نيغريا، زميل مركز سكوكروفت للإستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست أن "غزو روسيا المشؤوم لأوكرانيا يعيد إلى الأذهان الحملة ضد السويس (ما يطلق عليه العدوان الثلاثي في مصر) في عام 1956.
التاريخ لقريب لنهاية القوى العالمية
وكان تراجع بريطانيا وفرنسا المهين بمثابة نهاية لوضعهما كقوى من الدرجة الأولى وبداية فترة مضطربة من الأزمات السياسية وفقدان الأراضي لصالح حركات الاستقلال.
ويضيف نيغريا الذي عمل سابقاً بمكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، أن التاريخ قد يعيد نفسه، حيث تواجه روسيا فشلاً في محاولتها لاحتلال أوكرانيا. وفي خضم هذه العملية، تتكبد روسيا خسائر فادحة في القدرة العسكرية والقوة الاقتصادية والموقف الدولي.
وأكد أنه من الواضح الآن أن روسيا ليست قوة عظمى في مصاف الولايات المتحدة والصين، وأنها تدخل فترة من الاضطرابات السياسية التي من المرجح أن تشمل مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة لها تؤدي إلى تفكك الاتحاد الروسي على غرار ما شهده الاتحاد السوفيتي من قبل.
وفي عام 1956، كانت كل من بريطانيا وفرنسا تتمتعان بالقوة. وكانتا منتصرتين مؤخراً في الحرب العالمية الثانية وقوتين أوروبيتين مهيمنتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وحكمتا إمبراطوريتين استعماريتين شاسعتين. وقد شعرتا بالقوة الكافية لغزو مصر لمنع الرئيس جمال عبد الناصر من تأميم قناة السويس.
ولكن بعد ذلك اعترضت القوى العظمى الحقيقية في ذلك الوقت، حيث هددت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية وهدد الاتحاد السوفيتي بانتقام عسكري، واضطرت بريطانيا وفرنسا إلى التراجع المهين.
ضغوط .. وتفكك
واتُهم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن بالكذب على مجلس العموم وأجبر على الاستقالة. وبعد أن شعرت المستعمرات البريطانية بالضعف، زادت من ضغطها من أجل الاستقلال. وسقطت الملكية العراقية الموالية لبريطانيا في عام 1958. وأصبحت قبرص ومالطا مستقلتين بعد ذلك بوقت قصير. وبحلول عام 1967، استقلت أكثر من عشرين من الأراضي الخاضعة لبريطانيا.
وكانت الأزمة في فرنسا أكثر سوءاً. وجاء الانسحاب من السويس بعد عامين من استسلام الحامية الفرنسية في ديان بيان فو للفيتناميين الشماليين، وعزا بعض الضباط العسكريين هذه الهزائم إلى طبقة سياسية لا تملك من القوة شيئاً.
وفي عام 1958، قامت مجموعة من الضباط العسكريين والمسؤولين الاستعماريين بانقلاب في الجزائر، وانهارت الجمهورية الرابعة، وتولى شارل ديغول السلطة رئيسا للجمهورية الخامسة. وفاز الجزائريون بحرب الاستقلال الطويلة في عام 1962 وفر 900 ألف أوروبي جزائري إلى فرنسا خوفاً من الانتقام. واكتسبت حركات الحرية قوة في جميع أنحاء المستعمرات الفرنسية.
هل تتضاءل مكانة روسيا الدولية بعد الحرب؟
ويقول نيغريا إن الحرب التي شنها فلاديمير بوتين تعد بمثابة تجاوز، وسوف تجبر روسيا على الاعتراف بحدودها ومكانتها المتضائلة. ومن المرجح أن تواجه مطالب متجددة بالاستقلال من الجمهوريات والأقاليم المكونة لها.
ويضيف أن العالم كله يشهد عجز الجيش الروسي عن استعراض قوته حتى في بلد مجاور بثلث حجمه. ويتراجع الاقتصاد الروسي تحت وطأة تكلفة الحرب والعقوبات، حيث يتجه التضخم نحو 20%، وسينكمش الاقتصاد بنسبة 10% هذا العام.
ولا تعمل البورصة الروسية وانخفضت الأسهم الروسية المتداولة في لندن بأكثر من 90%. وسيزداد تأثير العقوبات القاسية للغاية والشاملة المفروضة على روسيا من قبل معظم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم مع مرور الوقت.
ويوضح الخبير الأمريكي أن العواقب السياسية الدولية للغزو واقعية بالقدر نفسه. فليس لدى روسيا حلفاء مهمين في هذه الحرب. ولا تقدم الصين سوى دعم ضمني.
وبيلاروسيا أيضاً حليف ولكن ليس لديها الكثير لتقدمه. وفي الوقت نفسه، فإن كل أوروبا تقريباً والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا والعديد من دول العالم الحر الأخرى مصطفة ضد روسيا وتساعد أوكرانيا بنشاط.
نظام "ديكتاتورية الرجل الواحد"
ويرى نيغريا أنه يتم التعامل مع هذه التحديات الخطيرة من قبل نظام سياسي هش مبني حول ديكتاتورية بوتينالشخصية. ويضيف أنه سيتعين على بوتين زيادة القمع الداخلي بشكل أكبر للتعامل مع عدم الرضا المتزايد عن الحرب.
ولكن هذا أيضاً له تكاليفه وحدوده، فهناك عدد أكبر من الأشخاص اليوم في أجهزة الأمن الروسية مقارنة بقواتها المسلحة، وعدد كبير من الأشخاص في السجون.
ويخلص نيغريا إلى القول إن غزو أوكرانيا كان خطأ فادحا في التقدير، فقد اعتقد بوتين أن الأمر سيكون مثل غزو المجر في عام 1956 أو تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 مما جعل الاتحاد السوفيتي أقوى. بل إنها أشبه بحرب أفغانستان 1989-1979 التي تفكك بعدها الاتحاد السوفيتي وأصبحت العديد من الجمهوريات المكونة له مستقلة.
ع.ح./ع.ش. (د ب أ)