تحليل: من يضمن تنفيذ وعود قمة العشرين الخاصة بمواجهة كورونا؟
٢٣ نوفمبر ٢٠٢٠هيمنت جائحة فيروس كورونا واللقاحات التي يتم تطويرها لمواجهة الفيروس على قمة مجموعة العشرين الاقتصادية التي نظمتها الرياض خلال اليومين الماضيين 21 و 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ووسط تعدد وجهات النظر بين من يطالب بتوفير اللقاح بسعر مناسب وآخر يدعو إلى المزيد من التعاون ودفع المزيد من المال لتوفيره للجميع دون تمييز بين غني وفقير، خرج بيان القمة بتعهدات طموحة كما في قمم سابقة.
غير أن المشكلة الأساسية تكمن وقبل كل شيء في أن التعهدات ما تزال تفتقر إلى آليات التنفيذ التي لم تطرح حتى على بساط البحث. ويبدو أن خطر الجائحة على الجميع والتحديات التي جاءت بها ليست كافية لدفع القادة إلى وضع آليات من شأنها تنفيذ تعهداتهم. في هذا الإطار أبدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل قلقها حيال بطء المحادثات الهادفة إلى تزويد الدول الأكثر فقراً باللقاحات المضادة لوباء كورونا.
هل سيتم الوفاء بالتعهدات؟
تناول البيان الختامي للقمة قضايا كثيرة من أبرزها جائحة كورونا ومديونية الدول الفقيرة. على صعيد الجائحة تعهد قادة مجموعة العشرين "بذل كل ما وسعهم لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات ضد فيروس كورونا وإلى الاختبارات والعلاجات الخاصة به بتكلفة معقولة، إضافة إلى سد العجز التمويلي في جهود مكافحة الفيروس". لكن السؤال هل سيتم إنتاج اللقاحات الكافية بحيث يشمل التوزيع العادل فعلياً الدول الفقيرة كالدول الغنية، وهل سيتم الالتزام بالتعهدات؟
ولكي يكون هذه الأمر قابلاًً للتطبيق، لماذا لم تلتزم القمة بوضع خطة لتنفيذ التعهدات في فترة زمنية محددة بدلاً من ترك الأمور مطاطية ومفتوحة. وتطالب المنظمات الدولية بضخ مبلغ 28 مليار دولار لمواجهة تبعات فيروس كورونا الذي تسبب حتى الآن بوفاة نحو 1.4 مليون شخص وإصابة أكثر من 58 مليون إنسان به. وسبق لهذه المنظمات أن طلبت أموالاً عاجلة بقيمة 4.5 مليار دولار لمواجهة تبعات الجائحة دون أن تتمكن من الحصول عليها حتى الساعة.
الدول الفقيرة ستبقى على فقرها
وإلى جانب الخسائر البشرية، تسببت الجائحة بفقر وبطالة وخسائر غير مسبوقة وخاصة في الدول النامية والفقيرة ومن ضمنها معظم الدول العربية التي تئن أيضاً تحت وطأة مديونية عالية وخاصة تجاه دول الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة. وقد آمل كثيرون بحصول اختراق في القمة على صعيد شطب وتسهيل خدمة الديون، غير أن النتائج خيبت آمالهم، لاسيما المنظمات الدولية التي تطالب بتمديد فترة السماح وتأجيل الأقساط حتى نهاية العام القادم 2021. وبدلاً من ذلك وعد القادة المشاركين في القمة بوضع مبادرة لتعليق خدمة الدين بحيث تستفيد منها 46 دولة فقيرة من أصل 73 حتى حزيران/ يونيو العام القادم 2021. كما وعدوا بدراسة مسألة تمديد هذه الفترة في الربيع المقبل دون تفعيل آليات جديدة لحصول الدول الفقيرة على أموال إضافية، مثلاً من خلال حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي. وهكذا فإن على غالبية الدول النامية والفقيرة ومن ضمنها دول عربية كثيرة أن تواجه لوحدها تبعات الجائحة دون تعليق آمال كبيرة على مجموعة العشرين لتقديم مساعدات سخية لها.
الجدير ذكره أن دول المجموعة أنفقت بشكل منفرد ما مجموعه 11 تريليون دولار لمواجهة تبعات الجائحة. غير أنها ليست مستعدة لشطب وإعادة جدولة ديون على دول فقيرة بقيمة تقل قيمتها على 72 مليار دولار.
إلى أي حد نجحت السعودية في القمة؟
أما السعودية التي استضافت القمة فكانت تنتظر بفضلها عودة قوية إلى الساحة الدولية من خلال حضور قادة دول المجموعة ووفودها إلى الرياض. وكان من المفترض تعريفهم عن طريق عشرات الفعاليات بالإصلاحات التي قام بها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي تلطخت سمعته بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي واستمرار سفك دماء اليمنيين في الحرب التي تقودها الرياض.
غير أن وباء كورونا أجبر المنظمين على عقدها بشكل مختصر وافتراضي، ما فوت فرص استعراض تطورات الإصلاح والانفتاح الذي يقوده ولي العهد الشاب. وهو الأمر الذي يعني بالنسبة للمراقبين تبخر الكثير من الآمال السعودية التي عُقدت على القمة، لاسيما وأن حملة انتقادات واسعة في الغرب تم شنها على القيادة السعودية فيما يتعلق بملفها السيء في حقوق الإنسان وممارسة الاضطهاد وقمع حرية الرأي.
غير أن ولي العهد الشاب والطموح يرى الأمر بشكل مختلف. فقد ذكر في كلمة له مع نهاية القمة أن المجموعة قامت بجهود غير مسبوقة لحماية الأفراد من فقدان وظائفهم مع الاهتمام بالمناطق الأكثر فقراً حيث استفاد ما يزيد على مليار شخص من مبادرة تعليق الديون التي قامت بها المجموعة". وأكد الأمير أن بلاده ستواصل الجهود لتوفير لقاح ضد كورونا معبراً عن الفخر بما تم تحقيقه خلال رئاسة بلاده للمجموعة ".
أخيراً وليس آخراً وبغض النظر عن الانتقادات المحقة التي تم توجيها إلى القيادة السعودية التي تحكم المملكة بشكل مطلق، فيما يتعلق بحقوق الإنسان واضطهادها للمعارضين، فإن تنظيم مؤتمر بهذا الحجم نجاح على أكثر من صعيد ليس بالأمر السهل تحقيقه في هذا الظرف العصيب. ولا يغير من ذلك أيضاً الإشكالات التي رافقت الانعقاد مثل بث كلمة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز بشكل أبكر من المقرر وتفضيل الرئيس دونالد ترامب الذهاب إلى لعب الغولف وانشغاله بهاتفه بدلاً من متابعة أعمال القمة.
ابراهيم محمد