تحليل: هل يصبح اقتصاد العراق في عام 2050 بلا نفط وماء؟
٧ ديسمبر ٢٠٢١مرة أخرى تدق جهة دولية ناقوس الخطر إزاء التراجع الخطير للمياه العذبة في العراق، إذد حذر تقرير للبنك الدولي مؤخرا من أن الموارد المائية في هذا البلد الذي يُعد مهد حضارة بلاد الرافدين تتجه إلى انخفاض قد يصل إلى 20 بالمائة بحلول عام 2050 في حال استمرت ظاهرة تغير المناخ الحالية التي يصاحبها تراجع للأمطار وارتفاع لدرجات الحرارة.
ومما سيعنيه ذلك حسب التقرير حرمان ثلث الأراضي المروية حاليا من حصتها المائية وتراجع الناتج المحلي بنسبة 4 بالمائة في وقت سوف يتضاعف فيه عدد السكان البالغ حاليا حوالي 40 مليون نسمة. وبالنسبة إلى الملايين من هؤلاء يعني هذا الجفاف تراجع الطلب على العمالة بنسبة لا تقل عن 12 بالمائة في الأنشطة الزراعية، كما يعني التهجير القسري لنحو 7 ملايين شخص شكلت الزراعة والمياه مصدرا لحياتهم ودخلهم حتى الآن. في هذا السياق أعلنت وزارة البيئة العراقية مؤخرا أن العراق أصبح البلد "الخامس في العالم" الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية.
مشاريع تركيا وإيران الكارثية بالنسبة للعراق
وإذا كان لتغيرات المناخ أن تفعل كل هذا بالزراعة والناتج المحلي العراقيين، فكيف بالتأثيرات الناتجة عن حجب وقطع القسم الأكبر من العراق من مياه نهري دجلة والفرات والانهار الأخرى القادمة من تركيا وإيران التي تشكل مصدرا لما يزيد على 70 بالمائة من الثروة المائية العراقية؟ ولا يعود السبب في هذا القطع إلى مشاريع الري والسدود التركية والإيرانية فحسب، بل أيضا إلى الضغوط السياسية التي تريد كل من أنقرة وطهران ممارستها على بغداد. وهو الأمر الذي يجد انعكاسه في رفض مطالب العراق الشرعية بالحفاظ على تدفق حصصه المائية والحيوية لحياة السكان والزراعة والصناعة وغيرها من القطاعات الأخرى. وهنا وصل الأمر بقيادات تركية إلى إنكار الصفة الدولية لنهري الفرات ودجلة والادعاء بالحق في النفط العراقي مقابل حق العراق بمياه النهرين!
يُعد السدان التركيان، أتاتورك على الفرات و إليسو على دجلة، إضافة إلى المشروع الإيراني الذي أدى إلى تحويل مجرى نهر كارون عن شط العرب من أخطر المشاريع المذكورة على الإطلاق. فهذه المشاريع تحرم العراق من القسم الأكبر من ثروته المائية عبر العصور، أي ما يزيد على 45 مليار مكعب من المياه سنويا. وكان العراق يتمتع بفوائض مالية قبل انجاز المشاريع المذكورة، غير أن إنجازها والبدء بملء السدين والسدود الأخرى أدى حتى الآن إلى تراجع الأراضي الزراعية والمحاصيل بنسب تتراوح بين 30 إلى 60 بالمائة، إضافة إلى تملح مياه شط العرب ونقص مياه الشرب والمخزون المائي الحيوي.
على ضوء ذلك حذرت أكثر من جهة دولية بينها المنظمة الأوروبية للمياه، من أن العراق قد يفقد مياه النهرين في عام 2040 إذا سارت الأمور كما كان عليه الحال خلال السنوات الثلاثين الماضية. وإذا ما حصل هذا السيناريو المخيف، فإن أراضي العراق الخصبة قد تصبح امتدادا لصحراء شبه الجزيرة العربية على حد قول الدكتور شاكر المخزومي، الأكاديمي المتخصص في فيزياء الجو والمدير العام السابق لهيئة الأنواء الجوية في العراق.
العراق وعجزه عن مواجهة الخطر المحدق
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا يفعل العراق الرسمي لمواجهة الكارثة المحدقة؟ في الحقيقة لم تقم الحكومات العراقية المتعاقبة حتى الآن أكثر من الاحتجاج وإرسال الوفود إلى تركيا في محاولة لإقناعها بترك المياه تتدفق، وقد نجحت في بعض الأحيان بذلك. غير أن السلطات العراقية حسب المخزومي أهملت عموما الحقوق المائية للعراق التي تقرها اتفاقيات ثنائية وقوانين وأعراف دولية. وتفيد هذه الأخيرة بأنه لا يحق للبلدان التي تنبع منها أنهار دولية التصرف بتدفق المياه بما يضر المشاريع القائمة والأقدم لزراعة وحياة سكان البلدان الأخرى المشتركة في مجرى النهر. ويؤكد هذه الحق أن حضارة العراق تقوم على مياه النهرين، أي دجلة والفرات منذ آلاف السنين، أي قبل قيام الدولة العثمانية ووريثتها الدولة التركية.
وإضافة إلى إهمال الحقوق المائية فإن العراق يمتلك وسيلة ضغط اقتصادية لم يتم تفعيلها حتى الآن بشكل يدفع كلا من الحكومتين التركية والإيرانية إلى تغيير مواقفهما نحو الاعتراف بحقوقه المائية. وتتمثل هذه الوسيلة في كون العراق أحد اهم الأسواق الخارجية للصادرات التركية والإيرانية. ففي عام 2020 على سبيل المثال استورد العراق من تركيا بضائع بقيمة تزيد على 8 مليارات دولار غالبيتها سلع استهلاكية كالأغذية والألبسة. أما الصادرات العراقية وغالبيتها نفطية فبلغت قيمتها في نفس العام 9 مليارات دولار، ما يعني أن 5,4 من واردات تركيا تأتي من العراق ونحو 4 بالمائة من صادراتها تذهب إلى السوق العراقية الواعدة والتي تعد من أكبر أسواق العالم العربي. وبالنسبة إلى إيران فإن العراق شكل متنفسا تجاريا كبيرا لها خلال السنوات الماضية على ضوء العقوبات الغربية التي تم فرضها على طهران. ويمكن للعراق أن يستخدم الوسيلة المذكورة للضغط بهدف مراعاة مصالحه وحقوقه المائية التاريخية.
الاهمال وسوء التقدير والسيناريو الأسوأ
في هذه الأثناء وفي الوقت الذي تتراجع فيه مصادر المياه بشكل مخيف، يستمر هدرها بشكل قل نظيره. ويأتي هذا الهدر نتيجة لتقادم البنية التحتية المائية وضعف صيانتها لأٍسباب عديدة من أبرزها عدم أخذ خطر ذلك على محمل الجد، والفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى الإرهاب الذي نشر الخراب في مناطق عديدة على رأسها الموصل ومحيطها. وبنتيجة ذلك وصل الأمر إلى حد التحذير من انهيار سد الموصل الضخم إذا لم تتم صيانته بأسرع وقت ممكن. أما شبكات الري ومياه الشرب التي تعاني بدورها من الإهمال فإن الهدر فيها يتراوح بين 40 إلى 50 بالمائة وفق تقديرات رسمية.
ويقول تقرير البنك الدولي إن العراق يحتاج إلى 180 مليار دولار على مدى عشرين سنة لتحديث البنية التحتية بما فيها السدود ومشاريع الري اللازمة لضمان أمنه المائي، ما يعني أنه يحتاج سنويا إلى ضخ 9 مليارات دولار سنويا لهذا الغرض. غير أن ما تم تخصيصه للوزارة المعنية بهذا الأمر، ألا وهي وزارة الموارد المائية لم يتجاوز 15 مليون دولار في عام 2018. وحتى الآن لا يوجد ما يدل على تغيير هذه السياسة بشكل ملفت. في هذه الأثناء وبدلا من الالتفات إلى مشاريع مياه بديلة تحافظ على ما تبقى من الثروة المائية على سبيل المثال من خلال منع الفاقد في الشبكات وتعميم الزراعة بالتنقيط والرش بدلا من الري بالغمر، فإن الأخبار تتحدث عن التركيز على البحث عن مزيد من النفط والغاز وزيادة الاعتماد على ريعهما أكثر من أي وقت مضى. الجدير بالذكر أن ذلك يحدث في وقت يكثر فيه الحديث عن أفول عصر النفط ونضوب احتياطاته بحلول العقد الخامس من القرن الحالي.
يقف العراق اليوم على مفترق طرق فيما يتعلق بالموارد المائية. فهو يمتلك إيرادات نفطية ضخمة تدر عليه في الوقت الحالي ما يزيد على 7 مليارات دولار كل شهر حسب معدل سعر بين 75 إلى 80 دولارا لبرميل النفط. ومن شأن تخصيص مبلغ هام من هذه الإيرادات لمشاريع الري ومياه الشرب على أساس تجديدها والحفاظ على احتياطاتها الاستراتيجية أن تضمن الأمن المائي الذي بدونه لا أمن غذائي ولا حياة في بلد يعتمد على الإيرادات المائية من خارج أراضيه. وفيما عدا ذلك فإن بلاد ما بين النهرين ستصل إلى يوم ينضب فيه النفط والماء، وعندها يكون السيناريو الأسوأ قد حل ببلد كان بإمكانه أن يكون أحد أغنى بلدان العالم وأكثرها ازدهارا على ضوء ثرواته الطبيعية والبشرية التي يُحسد عليها حتى الآن.
ابراهيم محمد