أن تكون تداعيات حرب أوكرانيا الاجتماعية والاقتصادية كارثية في معظم الدول العربية، يبدو ذلك أمرا ملحوظا في حياة الناس وأسعار المواد الغذائية والطاقة، لكن ما الذي يجعل قطاعات واسعة من الرأي العام والنخب المؤثرة في توجهات دول عربية عديدة بما فيها الحليفة للغرب، تولي ظهرها للولايات المتحدة وتبحث عن تبديل تحالفاتها مع روسيا رغم إدراكها لمسؤولية هذه الأخيرة في حرب أوكرانيا وتداعياتها الكارثية على دول المنطقة.
في دراسة حديثة أنجزتها مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية القريبة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في برلين، بالاستناد إلى استطلاعات آراء شملت اثنى عشر بلدا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تكشف (الدراسة) أن توجهات الرأي العام في تسع دول عربية وتركيا باستثناء لإيران وإسرائيل، تميل للنأي عن الصراع بين الغرب وروسيا وتفضل نهج الحياد، لكن إجابات نسب كبيرة من المستطلع آرائهم عن أسئلة تتعلق بالنظرة للقوى الكبرى ومدى الثقة فيها ومستقبل التحالفات، تحمل مفارقات ومؤشرات تبعث على التساؤل عن خلفيات التحول – بدرجات متفاوتة - في اتجاهات الرأي في العالم العربي ولاسيما في دول حليفة تقليديا للولايات المتحدة والغرب بشكل عام، مثل السعودية والإمارات ومصر والعراق وصولا إلى المغرب وتونس.
وأنجزت الدراسة اعتمادا على استطلاعات للآراء أجرتها معاهد متخصصة في شهر يناير كانون الثاني 2023، في مصر والعراق والأردن ولبنان والمغرب وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وتونس، بالإضافة إلى إسرائيل وتركيا وإيران. وشملت 5000 عينة من شرائح وفئات مؤثرة في اتجاهات الرأي في مجتمعات هذه الدول. وقدم خبراء من مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية نتائج الدراسة مؤخرا في برلين.
روسيا مسؤولة عن الحرب وتداعياتها.. لكن!
تُظهر مؤشرات الدراسة أن حوالي ثلاثة أرباع المستجوبين في معظم دول المنطقة التي شملها الاستطلاع، يعتقدون أن روسيا هي المسؤولة عن الحرب على أوكرانيا، ولكن نسبة لا بأس بها منهم يرون بأن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من استمرار الحرب، رغم أنها ليست مشاركا مباشرا في فيها.
وإذا كانت أعلى نسبة في اتجاه الرأي الذي يحمل روسيا مسؤولية الحرب، قد بلغت 90 في المائة بإسرائيل، تبدو نتيجة غير مفاجئة بحكم علاقة التحالف الوثيقة مع الولايات المتحدة، فإن بلوغ النسبة 70 في المائة بإيران يعتبر مفاجئا، في بلد تربطه علاقات تحالف وثيقة مع روسيا ومزودا كبيرا لها بالسلاح في هذه الحرب.
وتفيد مؤشرات الدراسة نسبة مرتفعة لحالة التذمر من تداعيات الحرب على أوضاع الناس المعيشية في سبع دول بالمنطقة، باستثناء الإمارات وقطر حيث يعتقد المستجوبون بنسبة حوالي 60 في المائة أن بلديهما لم تتأثرا إيجابا ولا سلبا بالحرب. فيما يبدو الشعور بالتأثر في كل من إسرائيل والعراق، بنسبة 40 في المائة تقريبا.
أما الدول التي أبدى فيها المستطلع آرائهم، تذمرا كبيرا من تأثيرات الحرب على الحياة اليومية ببلدانهم في مستوى أسعار المواد الأساسية وارتفاع تكلفة المعيشة، فتأتي في مقدمتها تونس ولبنان حيث النسبة تفوق 50 في المائة وتليهما المغرب والأردن.
لكن حالة التذمر لدى فئات واسعة في بلدان المنطقة من تأثيرات الحرب السلبية على الحياة اليومية، لا ينتج عنها رد فعل سلبي واضح ضد سياسة روسياسواء بالمنطقة أو في غزوها لأوكرانيا بقدر ما تظهر في الآراء السلبية المعبر عنها إزاء الولايات المتحدة وسياستها بالمنطقة!
لماذا تجني الولايات المتحدة كل هذا الاستياء؟
تفيد مؤشرات الدراسة بوجود نسبة كبيرة من الذين يحملون نظرة سلبية إزاء دور الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا ومستقبل دورها في الشرق الأوسط، ويوجد تفاوت واضح في تلك النسب، لكنها تحمل معها مفارقات تبعث على التساؤل. إذ تأتي أعلى نسب للذين يضعون الولايات المتحدة في مستوى قريب لروسيا في المسؤولية عن حرب أوكرانيا، في ثلاث دول عربية حليفة تقليديا للولايات المتحدة والغرب وهي: العراق والسعودية وتونس.
وتسجل الدراسة بأن تصورات المستجوبين عن المسؤولية عن الحرب وعن استمرارها بالخصوص ومن يستفيد منها، تشير إلى "استياء إقليمي قوي من الولايات المتحدة". وهي نتائج تتعارض مع الصورة التي ترسمها الولايات المتحدة عن نفسها وعن سياستها في المنطقة. كما تتعارض مع الرأي السائد في أوروبا والقائل بأنه بدون استمرار الدعم الأمريكي ستخسر أوكرانيا الحرب.
ويعتبر المؤشر الأكثر دلالة على رفض الدور الأمريكي، أن نسب المؤيدين لسحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط تفوق 50 في المائة في تسع دول، والمثير أن أعلى نسبة سجلت في تونس (70 في المائة) وتليها كل من قطر والأردن بنسبة 67 في المائة، ثم العراق بنسبة 59 في المائة. وسجلت نسب متقاربة بحوالي 50 في المائة بالمغرب والسعودية ومصر وتركيا (العضو في حلف الناتو).
ولا تكمن المفارقات المسجلة في نتائج هذه الدراسة فقط من كون أن أعلى نسبة لرفض الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة، يأتي من دول حليفة للولايات المتحدة مثل الأردن وقطر والعراق، ومن تونس بأعلى نسبة. بل تكمن المفارقة الأكثر إثارة في أن 41 في المائة من الإيرانيين الذين شاركوا في الاستطلاع يعتقدون بأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية سيجعل منطقة الشرق الأوسط أقل أمنا. وهو مؤشر تعتبره عالمة الاجتماع اللبنانية ياسمين ليليان دياب المشاركة في الدراسة، بأنه "يبعث على الدهشة".
ويعزو خبراء شاركوا في الدراسة تفسير اتجاهات الاستياء الكبير من الدور الأمريكي، إلى عاملين أساسيين.
أولهما الاعتقاد على نطاق واسع، بنسب تصل 50 في المائة، بأن الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيسي من حرب أوكرانيا. بينما تأتي روسيا في درجة ثانية بنسبة لا تتجاوز 25 في المائة، وبنسب أقل من 10 في المائة يعتبرون الصين والاتحاد الأوروبي كمستفيدين من الحرب، وأوكرانيا بنسبة أقل من 5 في المائة.
أما العامل الثاني، فيتجلى من خلال النسب المرتفعة للآراء التي تعارض استخدام الولايات المتحدة والغرب للعقوبات الاقتصادية بشكل عام وضد روسيا تحديدا لوقف الحرب، في ثماني دول، وكان لافتا أن رفض العقوبات بـ "أي شكل من الأشكال" كان مرتفعًا بشكل خاص بين المستجوبين من تونس بنسبة 56 في مائة وفي العراق بنسبة 60 في المائة.
وشكلت إسرائيل استثناء من الدول التي شملها الاستطلاع، حيث أيدت غالبية المستطلع آرائهم بنسبة 74 في المائة العقوبات الاقتصادية على وجه التحديد ضد روسيا. وانقسم المستجوبون في إيران وتركيا والسعودية ومصر والمغرب إزاء العقوبات الاقتصادية على روسيا.
وبالإضافة إلى عوامل مشتركة تفسر خلفيات التصورات والاستياء السائد بالعالم العربي حاليا، ثمة عوامل واعتبارات خاصة تتعلق ببعض البلدان، مثل العراق الذي عاش شعبه معاناة على امتداد سنوات التسعينيات وحتى عام 2003 بسبب الحظر والعقوبات الغربية على نظام الرئيس الأسبق صدام حسين ، إذ يسود الاعتقاد بأن الشعوب تتكبد في نهاية المطاف أعباء العقوبات التي تفرض على الحكام. كما أن السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، لم تجلب الأمان والازدهار للبلد الذي ما يزال يعاني عدم الاستقرار واستشراء الفساد والطائفية وتدخل القوى الأجنبية.
وفي بلد مثل تونس الذي يعيش حاليا أزمة اقتصادية خانقة، تنتشر تصورات لدى قطاعات من الرأي العام ويغذيها خطاب القيادة السياسية الحالية متمثلة في الرئيس قيس سعيّد، يحمّل الولايات المتحدة والغرب مسؤولية فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كما يلوّح بإمكانية تغيير تحالفات بلاده الاستراتيجية والتقرّب من روسيا والصين.
بينما يبدو انقسام الآراء في إيران إزاء العقوبات الغربية على روسيا، مفارقة إلى حد بعيد، بالنظر لأوضاع البلاد التي تعاني من حظر غربي منذ عقود إثر "الثورة الإسلامية". لكن قد يحمل هذا الانقسام مؤشرا على تغير في مزاج الإيرانيين وتنامي اتجاه الانفتاح على الغرب كسبيل للتخلص من وطأة نظام الملالي، خصوصا أن الاستطلاع أجري أسابيع قليلة بعد احتجاجات عنيفة على مقتل الشابّة الإيرانيّة من أصل كردي جينا مهسا أميني بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل "شرطة الأخلاق" التابعة للحكومة.
نتائج الحرب وتأثيراتها على المستقبل
يستند محللون إلى نتائج ومؤشرات في الدراسة لقراءة دلالاتها بالنسبة للمستقبل، وتحديدا في ضوء نتائح حرب أوكرانيا واحتمالات تأثيراتها على النظرة للقوى الكبرى وطبيعة علاقة دول المنطقة بها.
أولا: مستقبل دور الولايات المتحدة والعلاقات البينية معها:
تظهر الدراسة ميلا واضحا لدى المستجوبين في معظم البلدان التي شملتها الدراسة، أن المنطقة ستكون أكثر أمانا بسحب الولايات المتحدة قواتها، وبأن ذلك سينعكس إيجابيا على العلاقات البينية مع بلدانهم.
لوحظ أن المشاركين الإسرائيليين والإيرانيين يشكلون الاستثناءات الملحوظة، حيث كانت المواقف أكثر إيجابية تجاه الولايات المتحدة ودورها.
وتسجل الدراسة أن نسب الاستياء المرتفعة من الدور الأمريكي في الشرق الأوسط لدى قطاعات واسعة من المستجوبين في الدول الحليفة تقليديا للغرب والولايات المتحدة، يوزايه اتجاه غير مسبوق في نسبة الذين ينظرون في دول مناوئة تقليديا للسياسة الأمريكية، مثل إيران ولبنان، باهتمام للدور الأمريكي في تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
وبالمقابل فإن الحذر الذي يسجل في اتجاهات الرأي لدى نسبة كبيرة من المستجوبين في دول مثل المغرب والسعودية ومصر، يمكن تفسيره باعتقاد متقارب لدى الرأي العام كما في حسابات القادة السياسيين بأن بلدانهم ما تزال بحاجة مستقبلا إلى الاعتماد على دعم الغرب الاستراتيجي لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي ولتوازنات جيوسياسية في المنطقة وصراعات ثنائية، مثل الصراع المغربي الجزائري.
ويظهر هذا البعد أيضا من خلال مؤشرات انقسام في آراء المستجوبين الأتراك حول تأثير انسحاب أمريكي من المنطقة على تحقيق توازن أكبر في علاقات بلادهم العضو في حلف الناتو ، مع القوى الكبرى المتعددة.
ثانيا: أين تميل الكفة في المستقبل بمنطقة الشرق الأوسط وهل تكلف حرب أوكرانيا خسارة لروسيا في صراع النفوذ مع الولايات المتحدة؟
من اللافت أن النظرة لروسيا والثقة في سياستها والعلاقة معها مستقبلا، ترتفع في بعض بلدان الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة، والمثير أن هذا المؤشر يظهر في بلدان حليفة تقليديا للولايات المتحدة الأمريكية، تأتي في مقدمتها الإمارات المتحدة ثم تونس وتليهما قطر والعراق. بيد أن النسبة المرجحة في ثماني دول المنطقة، تميل إلى عدم الثقة في الولايات المتحدة و"عدم التأكد" مما يمكن أن تفعله روسيا في المستقبل بمنطقة الشرق الأوسط. وتتمثل النتيجة الأكثر وضوحا ضمن هذه التوجهات، في التشكك العام (في عشر دول من أصل 12) إزاء دور القوتين الأمريكية والروسية والاعتقاد السائد بأن سياساتهما بالمنطقة تتسبب في الأضرار أكثر من المنافع، وبأن صراعهما الحالي حول أوكرانيا يعيد العالم إلى أجواء الحرب الباردة .
في مقابل النظرة السلبية لصراع القوى الكبرى تاريخيا بمنطقة الشرق الأوسط، وشعور بـ"الإجهاد لدى القوى الكبرى" كحصيلة لتدخلاتها في المنطقة بدءا من حروب الخليج ووصولا إلى أفغانستان وليبيا، كما تلاحظ الدراسة، فإن التوجهات المستقبلية برأي نسبة كبيرة من المستجوبين، تلتقي حول فكرتين "إيجابيتين" بحسب الدراسة.
أولهما تقارب بيّن في آراء المستجوبين مع توجهات سياسات دولهم عندما تنحو منحى حيادي إزاء القوى الكبرى سواء تعلق الأمر بحرب أوكرانيا أو غيرها من الصراعات.
وتتمثل الفكرة الثانية، في ترجيح وتفضيل اتجاه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، وقد سجلت أغلبية الآراء في سبع دول من أصل 12 بأن العالم دخل بالفعل في طور تعدد الأقطاب.
ورغم أن الدراسة لم تتوسع في تأثير بعض التطورات الإقليمية مؤخرا مثل التقارب السعودي الإيراني، إلا أنها (الدراسة) تضع تلك التطورات كديناميكية ناتجة عن تدهور العلاقات بين القوى العظمى على المستوى العالمي، وحرب أوكرانيا كأحدث مؤشر عليها، إذ ترى الدراسة أن الشرق الأوسط يشهد مؤخرًا انفراجًا عامًا على مدى السنوات الثلاث الماضية، ويشكل التقارب السعودي الإيراني في بداية عام 2023 نقطة انطلاق أولية. دون إشارة مباشرة إلى ملامح التغير باتجاه التحسن في علاقات قوى إقليمية مثل تركيا ومصر أو بين تركيا والسعودية والإمارات، وتراجع حدة الانقسامات وما يطلق عليه "سياسة المحاور" الإقليمية.
لكن من غير الواضح عما إذا كان هذا التراجع يشكل منحى جوهريا أم مجرد سلوك براغماتي مؤقت، يمكن أن ينهار بسرعة في ضوء احتمالات تجدد صراع النفوذ بين القوى الإقليمية عندما تحاول أن تستولي على "تركة" ومساحات فراغ قد تتركها عملية تراجع القوى العظمى بالمنطقة، على غرار ما يحدث في السودان حاليا.
وبشكل عام أظهرت نتائج الدراسة ميلا نحو التفاؤل لدى نسبة كبيرة من المشاركين في الاستطلاع في العديد من دول المنطقة بأن السلام والأمن سيتحسنان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو يتحسنان إلى حد ما في السنوات الخمس المقبلة.
ثالثا: لكن هل يمكن في منظور المستطلع آرائهم أن يتحسن دور أوروبا بالمنطقة في أفق تعدد الأقطاب؟
لا يبدو أن الرفض السائد للدور الأمريكي أو الروسي في منطقة الشرق الأوسط، من شأنه أن يجعل الاتحاد الأوروبي في تصورات المستجوبين، مرشحا مفضلا ليحظى بدور أكبر في المنطقة. بل تفيد مؤشرات الدراسة بأن معظم المستجوبين متشككين بشأن مستقبل الدور الأوروبي في المنطقة. ويُعزى هذا التشكك برأي عالمة الاجتماع اللبنانية ياسمين ليليان دياب، إلى اعتقاد معظم المستجوبين إلى دور أوروبا في حرب أوكرانيا باعتبارها منخرطة في المعسكر الغربي الذي يخوض صراعا جيوسياسيا مع روسيا، وبالتالي فإن دورها (أوروبا) غير مستقل عن الولايات المتحدة.
وتركزت استنتاجات الدراسة على الدور المحتمل لأوروبا كتكتل إقليمي، دون أن تتطرق إلى رصد الآراء من الدول الأوروبية الأكثر تأثيرا بالمنطقة، حيث يوجد تفاوت كبير في النظرة مثلا لدور الدول التي لها ماض استعماري بالمنطقة مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، مقارنة بألمانيا مثلا.
رابعا: ثمة عوامل مؤثرة في نظرة قطاعات واسعة من الآراء في العالم العربي، لم يتم التركيز عليها في الدراسة رغم أهميتها تاريخيا. إذ تأتي المواقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والنظرة لازدواجية المعايير في السياسة الغربية في الصراع الحالي بأوكرانيا مقارنة بنزاعات مسلحة أخرى في العالم. سواء تعلق الأمر بنزاعات مسلحة أم بصراعات داخلية في مجتمعات شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وفي مقدمتها قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، التي تسود النظرة في دول المنطقة عن كون الغرب يضحي بها عندما يتعلق الأمر بمصالحه الاقتصادية والجيوسياسية.
بيد أنه ما يبعث على القلق، برأي محللين، هو محاولات الربط بينالاستياء من الغرب وتأجيج التوجهات الشعبوية والمتطرفة في دول المنطقةوخصوصا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ضد قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية كأسس لنظام الحكم ونمط الحداثة مجتمعيا.
مع ملاحظة إمكانية وجود تفاوت بين دول المنطقة في النظرة للغرب، لأسباب إضافية محلية مثل الأوضاع الاقتصادية أو تدخلات أمريكية أو أوروبية مباشرة في تلك البلدان، مثل ليبيا (لم تشملها الدراسة)، والتي تدخل حلف الناتو سنة 2011 في ترجيح كفة المنتفضين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي. أو اليمن (لم تشملها الدراسة) التي تشهد حربا أهلية منذ سبع سنوات، ودعم الغرب التدخل العسكري السعودي والإماراتي في الصراع بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي المدعومة من إيران.
إضافة للجزائر، التي لم تشملها الدراسة، وتتداخل عوامل عديدة في تشكيل توجهاتها إزاء الغرب والقوى الكبرى بشكل عام. إذ تعد من أقرب دول المنطقة لروسيا (أول مزود بالسلاح)، والصين (أو شريك اقتصادي)، كما أن ظروف تحررها تاريخيا من الاستعمار الفرنسي، ما يزال لها ثقل واضح في السياسة الجزائرية.
كما لم تشمل الدراسة بلدانا عربية أخرى بها أوضاع متباينة بعضها مستقرة وبعيدة نسبيا عن استقطابات الصراعات الإقليمية مثل عمان والكويت وموريتانيا، وأخرى تشهد نزاعات مسلحة مثل سوريا والسودان، وهي تعد مسرحا لتدخلات خارجية متعددة الأبعاد.
وعلى غرار سائر الدراسات المستندة إلى استطلاعات الرأي، فإن توقيت إنجازها يساهم إلى حد كبير في إضفاء النسبية على نتائجها دون انتقاص من أهميتها العلمية، كما يرى خبراء. بيد أن عامل التوقيت يكون أكثر تأثيرا في حال حدوث تطورات نوعية بعد إجراء الاستطلاعات، ولاسيما في دول ذات ثقل ونفوذ إقليمي.
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التطور المتسارع في العلاقات السعودية الصينية والمصالحة التاريخية التي جرت بين السعودية وإيران بوساطة صينية، إضافة إلى خطوات تطبيع دول عربية لعلاقاتها مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وعلى مستوى القضايا الإقليمية لم تشمل الدراسة مثلا تداعيات حرب أوكرانيا على مسار " اتفاقيات أبراهام " بين إسرائيل وست دول عربية هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان. كما لم تشمل الدراسة تأثير القوى الإقليمية ونفوذها بالمنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية على تشكيل نظرة شعوبها ونخبها لمستقبل العلاقات مع الغرب والقوى الكبرى الأخرى.
منصف السليمي