تحليل: شلل السياحة العربية وبدائل الخروج من طريق مسدود
١٩ أبريل ٢٠٢٠في رسالة تعبر عن المصيبة التي حلت بالقطاع السياحي التونسي بسبب تفشي فيروس كورونا جاء فيها أن الاقتصاد التونسي يشهد حاليا أسوأ ركود منذ الاستقلال عام 1656 بسبب انهيار هذا القطاع الحيوي. وقال وزير المالية التونسي نزار يعيش ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي في الرسالة الموجهة إلى صندوق النقد الدولي إن السياحة التونسية مهددة بفقدان 400 ألف وظيفة وخسائر لا تقل عن 1.4 مليار دولار.
ونظرا إلى أن دولا عربية كثيرة تعتمد على السياحة كقطاع حيوي وفي مقدمتها مصر والمغرب والإمارات، فإن الوضع فيها ليس أفضل. ففي مصر تزيد الخسائر المتوقعة حتى الآن على 4 مليارات ناهيك عن فقدان مئات آلاف فرص العمل. وفي الإمارات وخاصة في إمارة دبي ستكون الخسائر أكبر، لأن الإمارة تعيش على السفر والسياحة والتجارة والمعارض التي توقفت أنشطتها بنسبة وصلت إلى 90 بالمائة.
وحتى في دول نفطية كالسعودية والعراق فإن السياحة الدينية إلى مدن في مقدمتها مكة والمدينة والنجف وكربلاء ستخسر أيضا مليارات الدولارات وعشرات الآف فرص العمل. وتقدر المنظمة العربية للسياحة خسائر الدول العربية في المجال السياحي بأكثر من 15 مليار دولار بسبب الفيروس.
استثمارات ضخمة في فنادق ومنتجعات متوقفة
استثمرت غالبية الدول العربية في السياحة أكثر من أي قطاع آخر خلال العقود الثلاثة الماضية. ويمكن القول إن القسم الأكبر من استثمارات القطاع الخاص تم ضخها في المؤسسات والمنتجعات السياحية والقطاعات التابعة لها كالنقل المطاعم والمقاهي وخاصة على شواطئ مصر وتونس والإمارات.
وحصلت فورة الاستثمار السياحي هذه على أساس أن قطاعي السفر والسياحة سيكونان بمثابة "نفط العرب في القرن الحادي والعشرين". وعلى هذا الأمل الذي دعمته زيادة العائدات السياحية إلى مستويات شكلت 8 إلى 12 بالمائة أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي، ضخت الدول العربية التي جعلت السياحة من أولوياتها مبالغ ضخمة زادت على 300 مليار دولار في السياحة والسفر.
وهكذا أقيمت عشرات المدن السياحية وآلاف المنتجعات والفنادق والمطاعم والمقاهي وصالات الأفراح وأماكن التسلية والألعاب والأنشطة الأخرى التي تراجعت أشغالها بنسب تتراوح بين 70 إلى 90 بالمائة بسبب وباء كورونا. كما توقفت شركات الطيران العربية عن نقل عشرات الملايين من السياح سنويا إلى الدول العربية وعبر العالم وخاصة خلال فصل الربيع. وبسبب هذا التراجع فقد الملايين وظائفهم وتم تجميد تشغيل استثمارات ضخمة في السياحة والقطاعات المرتبطة بها.
تجربة ناجحة في إعادة تأهيل مضيفين كعمال رعاية صحية
السؤال المطروح اليوم وبإلحاح على ضوء ذلك، كيف يمكن مواجهة فقدان فرص العمل هذه وما مصير المنشآت والمدن السياحية الفارغة؟ دعونا في معرض الإجابة نبتعد عن صندوق النقد الدولي ووصفاته المعروفة في التقشف وإعادة جدولة الديون التي يتم صرفها من قبل منظومة تحالف فاسدة في القطاعين العام والخاص. أما الدعم الذي اعلنت عنه الحكومات العربية للمؤسسات السياحية والمتمثل بشكل أساسي في تقديم إعفاءات ضريبية وإعادة جدولة ديونها، فإنه لا يساعد سوى لأسابيع معدودة، لاسيما وأن هذه الحكومات تعاني نقص الموارد المالية وتراكم الدين والعجز في موازناتها وفوق كل هذا من الفساد المستشري.
وعلى ضوء ذلك يبدو أن الحل الأنسب والأكثر صوابا هو في تبني وصفات محلية تقوم على الابتكار والمرونة والتكيف مع الواقع الجديد تيمنا بمبدأ "الحاجة أم الاختراع". وهنا يتبادر إلى الذهن تجارب يمكن الاقتداء بها مثل تجربة سويدية تقوم بإعادة تأهيل المضيفين الذين فقدوا عملهم في شركة الطيران الاسنكندينافية/ SAS للعمل في القطاع الصحي الذي يعاني من نقص العمالة. وتقوم هذه التجربة على قيام المشافي الجامعية بإعادة التأهيل الذي تدفع تكاليفه الحكومة. وقد تم حتى الآن تأهيل مئات المضيفين في دورات قصيرة مدتها بضعة أسابيع وإلحاقهم بوظائف شاغرة في دور رعاية المسنين والمستوصفات والمشافي.
فرصة استيعاب العمالة السياحية في قطاعات ضعيفة
عند هذه النقطة يحق للمرء السؤال عن المانع من قيام الدول العربية بابتكار تجارب مماثلة لدعم قطاعاتها الصحية المتهالكة بما في ذلك تنظيف المدن والأرياف من النفايات القاتلة بقوة عمل شابة عملت في قطاعي السياحة والسفر قبل أن يتوقف نشاطهما. أما تكاليف هذه مثل هذه التجارب فهي أقل بكثير من التكاليف الناتجة عن ضعف الوقاية في مجالات العلاج وتوفير الأدوية والمعدات الطبية وخاصة في زمن الأزمات الصحية مثل أزمة كورونا.
ومما أظهرته تجربة كورونا أيضا أن هناك حاجة ماسة لرفع مستوى الأمن الغذائي والدوائي في الدول العربية اعتمادا على الموارد المحلية. وهناك أيضا حاجة ماسة إلى تعزيز قطاع تقنية المعلومات الذي سيلعب دورا أساسيا في التعليم والصحة والخدمات على اختلافها. وهنا يمكن العمل بشكل جدي على تحويل فنادق ومنتجعات سياحية إلى مراكز تأهيل وتدريب وإدارة وإنتاج وخدمات متنوعة. وإذا ما تم وضع برامج إعادة تأهيل وحوافز مناسبة، فإن استيعاب قسم هام من الذي فقدوا عملهم في السياحة أمر وارد خلال فترة قصيرة، لاسيما وأن القسم الأكبر منهم لديه تعليم جيد ويتقن لغات متعددة تساعد على التواصل مع التقنيات الجديدة ومواكبتها.
إعادة تقييم دور السياحة ضرورة ملحة
إن إعادة تكوين العاملين في مجالات السفر والسياحة وإلحاقهم في قطاعات صعيفة تعاني نقص العمالة تبدو ضرورة ملحة. ويعود السبب في ذلك إلى أن القطاع السياحي لن يعود إلى مستوى ما قبل كورونا رغم توقع بعض الخبراء والمؤسسات بحصول ذلك بحلول عام 2023 في حال القضاء على فيروس كورونا. بيد أن القضاء على الفيروس لا يعني العودة إلى المستوى المذكور بشكل أوتوماتيكي، لأن هناك علاقة بين انتشار الأوبئة من جهة ومشاكل تلوث البيئة والتغيرات المناخية والاختلاط بين البشر التي تلعب كثرة السفر وكثافة وسائل النقل دورا كبير في زيادة حدتها.
كما أن الاجراءات الحكومية ستحد من عدد المسافرين على متن الرحلات الجوية والنزلاء في المنشآت السياحية حرصا على السلامة العامة. ومن شأن ذلك أن يدفع مئات الملايين وخاصة في صفوف المتقاعدين وكبار السن للعدول عن السفر والسياحة مرات متكررة في السنة خوفا من الأوبئة. وهكذا فإن سياحة المستقبل البديلة ستكون على الأرجح نوعية ومحدودة العدد بدلا من السياحة الشعبية الكثيفة التي تترك الكثير من التبعات السلبية على البشر والبيئة.
ابراهيم محمد