تحليل: شركات ناشئة تنهض ببرلين والمدن العربية خارج التغطية
٢٤ فبراير ٢٠١٩في حي "نويكولن" البرليني يتوسع حالياً حضور العرب الاقتصادي، لاسيما حضور لاجئين ومهاجرين سوريين ومن ذوي الأصول السورية. وهكذا أضيفت إلى قائمة عشرات المؤسسات والمشاريع التي تحمل أسماء مثل "فيروز" و"السلام" و"الأندلس" و"الضيعة" مشاريع ومؤسسات تحمل أسماء مثل "الشام" و "دمشق" و"بكداش" وغيرها.
غير أن اللافت أكثر هنا أن هذا التوسع يطال أيضاً أحياء أخرى مثل "فيدينغ" و"فريديش هاين" و"ليشتنبيرغ". وهو الأمر الذي يغني اقتصاد برلين الذي نهض خلال السنوات العشر الماضية بالاعتماد على الشركات الصغيرة والمتوسطة المتميزة بشكل أساسي. وهنا لا بد من التأكيد على التميز كأساس لنجاح هذه المؤسسات والشركات التي دخلت بالأساس في سوق مشبع بمختلف السلع والخدمات. غير أنها نجحت بفضل تميزها من خلال منتج يتمتع بجودة أعلى وسعر أنسب في منافسة المنتجات الأخرى.
برلين "الفقيرة" تزدهر
ويبدو أن تميّز برلين عن غيرها من المدن الألمانية الأخرى بأسعار عقارات متوسطة وبنية تحتية وتعليمية جيدة إضافية إلى تعددية ثقافية نادرة جعل منها كذلك قبلة لمئات الشركات الناشئة التي تقدم خدمات متميزة في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والبرمجة والزينة والديكور والرياضة والصحة والموضة والأطعمة والتعليم. التقديرات هنا تتحدث عن تأسيس 1500 شركة ناجحة في قطاع الشركات الناشئة لوحده برأسمال وصل إلى حوالي 3 مليارات يورو. ولعل شركة "زالاندو" للتجارة الإلكترونية التي بدأت كشركة ناشئة أول عناوين هذا النجاح. ويأتي الازدهار الذي تشهده برلين في وقت كانت فيه حتى عهد قريب فقيرة في جذب الاستثمارات مقارنة بمعظم المدن الألمانية الأخرى. وكان القلائل من رجال الأعمال يعتقدون أن المدينة التي هجرتها الصناعة خلال فترة تقسيم ألمانيا ولم تعد إليها بعد الوحدة غير قادرة على استعادة مجدها الاقتصادي.
أهمية رأس المال المغامر
لعبت إدارة المدينة دوراً هاماً في هذا النجاح من خلال الترويج للاستثمار عن طريق مؤسسات متخصصة وفي مقدمتها "ستارت اليانس برلين" التابعة لمؤسسات "شركاء برلين" شبه الرسمية. غير أن الفضل الأكبر في هذا النجاح يعود إلى ديناميكية الفئات الشابة المبدعة من أصحاب الأفكار الخلاقة الذي حضروا إليها من مختلف أنحاء العالم. هؤلاء الشباب الذين بدأ بعضهم في مشروعه من الصفر متخذاً من مرأب سيارات أو مستودع مكاناً لانطلاقه لم ينتظروا البنوك وبيروقراطيتها المعقدة للحصول على التمويل، بل توجهوا إلى مستثمرين يميلون إلى المغامرة ولديهم خبرة في توجهات السوق المستقبلية. وهو الأمر الذي وفر عليهم الجهد والوقت ومطالب تعجيزية، لاسيما وأن البنوك تطلب ضمانات مادية ليسوا قادرين عليها. كما أنها وعلى عكس المستثمر المحب للمغامرة ليست صديقة لفكرة دعم الأفكار الخلاقة بالمال.
وتبدو الشركات البرلينية الناشئة من الشركات التي استقطبت آلاف الكفاءات الشابة من دول عربية في مقدمتها سوريا ومصر وفلسطين والمغرب. وقد اتخذ حضور العرب فيها زخماً جديداً بعد موجة اللجوء الأخيرة التي جاءت بنحو مليون لاجئ ومهاجر غالبيتهم من سوريا والعراق وثلثهم من أصحاب الكفاءات والمهن ورجال الأعمال. وهو الأمر الذي عزز حضور المنتج العربي في السوق البرلينية والألمانية. وقد اتسع نطاق هذا الحضور ليشمل منتجات وخدمات صحية وتعليمية مالية ومعلوماتية إلى جانب المنتجات الزراعية والصناعية والمأكولات والألبسة والمفروشات والأزياء وغيرها. ومع هذا التوسع أصبح بإمكان الزبون طلبها بسهولة إلى المنزل أو مكان العمل.
أين المدن العربية من برلين؟
السؤال هنا، لماذا لا تنجح مدينة عربية في تحقيق نجاح مشابه على خطى برلين؟ مهندس المعلوماتية باسل زاهد عمل في شركات برلينية ولبنانية وسورية ناشئة أو صغيرة يرى بأنه من الصعب تمويل الأفكار المبدعة بأموال الغير في الدول العربية، لأن ثقافة تأسيس المشاريع تعتمد على الأموال الفردية والعائلية الخاصة بالشخص صاحب المشروع. صحيح أن هناك وعي متزايد بأهمية الاعتماد على مستثمرين غرباء، غير أن الأمر ما يزال في بداياته. وفي حال أسس البعض بأمواله الفردية أو العائلية مشاريع واعدة فإنها تواجه مشاكل مثل تقطيع أوصال السوق بسبب ضعف البنية التحتية المالية والأحياء العشوائية. ويضرب باسل زاهد مثالاً على ذلك: "ليس من الممكن دفع ثمن البضاعة أو الخدمة إلكترونيا، وإذا أرد بائع الخدمة إيصالها إلى الزبون، فإن العناوين ليست متوفرة. وعادة يجب سؤال التاجر أو الحلاق أو الخباز للوصول إلى العنوان المطلوب وقد لا ينجح المرء في ذلك".
رغم كل ذلك هناك شركات صغيرة ومتوسطة نشأت ونجحت رغم الظروف الصعبة التي تحيط بها في بلدان مثل الأردن ومصر والجزائر والمغرب. غير أن من أبرز المشاكل التي تواجه توسع عدد كبير منها الإهمال وضعف المثابرة بعد انطلاقة جيدة وناجحة، إضافة إلى ضعف تنظيم المهام بين أعضاء فريق العمل من جهة وضعف مؤهلات هذا الفريق من جهة أخرى. وعلى سبيل المثال لا يتم التركيز على إعطاء مهام معينة لشخص متخصص بها كالمهام التسويقية أو الإدارية أو الاستثمارية على مبدأ المثل الشعبي الذي يقول "أعطي الخبز لخبازه ولو أكل نصفه".
إبراهيم محمد