تحليل: سعر النفط وتحدي نقص المياه والغذاء في العالم العربي
١٠ يناير ٢٠٢٢يمكن النظر إلى السنة الماضية 2021 على أنها سنة ضائعة لاقتصاديات معظم العربية في ظل استمرار جائحة كورونا وانهيار السياحة وتراجع الزراعة بفعل الجفاف في ظل ضعف الاستقرار السياسي والاحتجاجات الشعبية والنزاعات المسلحة التي ما تزال تنهش في جسم أكثر من بلد عربي. ولولا الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل وسعر الغاز إلى أكثر من الضعف لكانت اقتصاديات الدول النفطية والدول التي تصدر الغاز في وضع لا تُحسد عليه. وقد ساعد هذا الارتفاع على تقليص العجز في الموازنات ودفع متأخرات الرواتب والأجور، إضافة لدفع عجلة عدد من المشاريع التي تم تجميدها أو تراجعت وتيرة تنفيذها في دول كالجزائر والسعودية والإمارات والعراق.
ومن المفترض أن تنعكس زيادة العائدات النفطية بشكل إيجابي أيضا على الدول العربية الأخرى التي تُصدّر العمال بكثافة إلى دول الخليج مثل مصر والأردن ولبنان والسودان وسوريا. ومن المعروف أن هؤلاء يرسلون سنويا مليارات الدولارات إلى عائلاتهم في بلدانهم، وحسب المعطيات الحالية المتوفرة عن أسواق النفط ومخزوناتها فإن أسعار النفط والغاز مستمرة في الارتفاع بشكل يرجّح مضاعفة إيرادات صادراتها خلال العام الجاري 2022.
أسعار الطاقة وارتفاع سعر الأغذية
أدى التضخم العالمي الذي نشهده منذ الصيف الماضي بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود إلى ارتفاع سريع في أسعار سلع الاستهلاك اليومي. وجاءت زيادة أسعار النفط والغازلتزيد من ارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمات سواء في الدول الصناعية المستوردة لها أو الدول العربية التي تستورد السلع الاستهلاكية اليومية كالأغذية والألبسة والأدوية بكثافة، ويدل على هذه الكثافة أن حصص تلك السلع تتراوح بين 20 و25 بالمائة من مجمل المستوردات في دول عربية رئيسية كمصر والعراق والجزائر وأكثر من 19 بالمائة في المغرب.
وهو الأمر الذي لعب دورا كبيرة في ارتفاع أسعار المستهلكين، لأن تشغيل الصناعة والزراعة والنقل والخدمات يعتمد بأكثر من 90 بالمائة على المشتقات النفطية والغاز. وعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار الحبوب في السوق العالمية بنسبة قاربت 30 بالمائة خلال العام الماضي 2021 مقارنة بعام 2020. وبالطبع فإن هذا الارتفاع يطال بسرعة جيوب المستهلكين في العالم العربي، كون غالبيتهم من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. وإذا كان بإمكان الدول النفطية تغطية تمويل هذه المستوردات، فإن الدول غير النفطية تواجه صعوبات متزايدة في توفير العملة الصعبة لتغطيتها. ولا ينطبق ذلك على دول تواجه حروبا ونزاعات مسلحة كاليمن وسوريا، بل ويشمل أيضا دولا أخرى تواجه أزمات اقتصادية وسياسية مثل لبنان والسودان وتونس والأردن. وهو الأمر الذي ينذر بأزمات غذاء ودواء تزداد حدتها يوما بعد آخر.
العالم العربي مهدد بالجوع ومزيد من الاحتجاجات
وبالتوازي مع شبح نقص الغذاء تزداد حدة المخاطر الناجمة عن مشكلة الجفاف ونقص المياه الصالحة للشرب واللازمة للزراعة والصناعة والخدمات بفعل التغيرات المناخية وتراجع الإمدادات المائية من نهري دجلة والفرات وإلى حد طفيف من مياه النيل. ويزيد من حدة المشكلة فشل السياسات الحكومية في البحث عن بدائل في الوقت المناسب، وقيام دول المنبع وعلى رأسها تركيا وإثيوبيا وإيران بتنفيذ مشاريع إنمائية ضخمة لا تخلو من الطابع السياسي، من دون التنسيق مع الدول العربية التي تعبرها هذه الأنهار وهي العراق وسوريا ومصر. كما يزيدها حدة حقيقة أن الدول العربية الفقيرة أصلا بالهطولات المطرية من أكثر مناطق العالم تأثرا بالتغيرات المناخية التي تؤدي إلى الجفاف ونقص المياه. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من النقص في مياه الشرب وفي إنتاج المحاصيل الزراعية الغذائية وارتفاع أسعارها. وتذهب بعض التقديرات إلى أن التراجع في هذه المحاصيل قد يزيد على النصف خلال العقود الثلاثة القادمة في الوقت الذي تشهد فيه الدول العربية نموا سكانيا من بين الأعلى في العالم. وفي حال حدوث هذا السيناريو فإن تبعاته لن تقتصر على مزيد من الجوع والفقر، بل وعلى مزيد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية العنيفة. وهنا ينبغي التذكير بأن ارتفاع أسعار الأغذية كان من أبرز اسباب اندلاع احتجاجات الربيع العربي في عام 2011.
أيهما أهم الغذاء أم الطاقة المتجددة؟
يبدو العالم العربي الذي تعتمد غالبية دوله حتى الآن على صادرات النفط والغاز ومواد أولية أخرى كالفوسفات والحديد مهتمة بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. ويدل على ذلك تخصيص مليارات الدولارات لمئات المشاريع في هذا المجال خلال السنوات العشرين القادمة. ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر "نور" المغربي و "وبنبان- أسوان" المصري، و "مصدر" الإماراتي و "معان" الأردني. ورغم ضرورة وأهمية هذه التحول فإن المطلوب مواكبته بتحول أكثر أهمية، ألا وهو التحول الفوري نحو عصر جديد في إدارة المياه المتاحة والحفاظ على استدامة مصادرها المتبقية. ومن أبرز متطلبات ذلك تحديث أساليب وطرق الري التي يتم الاعتماد عليها في إنتاج المحاصيل الزراعية بحيث يتم على سبيل المثال تقييد الري بالغمر إلى أن يُصار إلى منعه إلا في حالات استثنائية. وبدلا من ذلك ينبغي دعم وتشجيع الري ابالتنقيط والرش بشكل يوفر ما لا يقل عن 50 بالمائة من استهلاك المياه الحالي في الزراعة. وعلى ضوء النقص العالمي في إمدادات الأغذية، فإن المطلوب تطوير وتكثيف زراعتها محليا بدلا من استيرادها بعملات صعبة تزداد صعوبة توفيرها يوما بعد آخر.
لا شيء أهم من حل مشكلة نقص المياه والغذاء
إن مثل هذا التحول يبدو على ضوء مستجدات التغيرات المناخية وتبعات كورونا وارتفاع أسعار النقل ونقص الامدادات، أفضل من توجيه الاستثمارات نحو مشاريع عقارية وسياحية وخدمية يصعب تقدير مدى جدواها الاقتصادية ودورها في حل مشاكل وجودية كمشكلة نقص المياه والأغذية. ومن حسن الحظ أنه يمكن الاعتماد في التحول المذكور على عوائد الصادرات النفطية وصادرات المواد الأولية المباشرة وغير المباشرة خلال العقدين القادمين على الأقل، نظر لاستمرار تدفقها حتى نهاية العقد الرابع من القرن الجاري على الأقل. وفي هذا السياق ينبغي أيضا تخصيص الأموال اللازمة لتطوير محاصيل زراعية مقاومة للجفاف وتشجيع المنتجين الزراعيين المحليين فعليا بدلا من قيام الحكومات باستيراد الأغذية بأسعار عالية وتقديمها إلى المستهلكين بأسعار مدعومة تؤدي إلى إفلاس هؤلاء المنتجين وتدمير ما تبقى من الزراعات التي تتقلص مساحاتها يوم بعد آخر.
إبراهيم محمد