تحليل: العفو عن البحارة البريطانيين جاء إذعانا لضغوط داخلية
٦ أبريل ٢٠٠٧يتفق المراقبون، سواء كانوا من خصوم الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد أو من المتعاطفين معه على أنه حقق نجاحا إعلاميا مهماً أثناء أزمة البحارة البريطانيين التي انتهت بقرار رئاسي مفاجئ أدّى إلى الإفراج عنهم وإلى عودتهم سالمين إلى بلادهم. فخلال فترة احتجازهم وأثناء المواجهة التي استمرت أسبوعين، كانت معظم الصور التي التقطت لهم تُظهرهم في حالة استرخاء تامة والبسمة لا تفارق وجوههم. ثم جاء قرار أحمدي نجاد بعقد مؤتمر صحفي موسع ومباشر ألقى من خلاله قنبلة إعلامية مدوية حينما قال:" كان لنا كامل الحق في المضي قدما في الإجراءات القانونية لمحاكمة البحارة بعد أن انتهكوا مياهنا الإقليمية.. لكننا قرّرنا ولأسباب إنسانية أن نكون رحماء وأن نطلق سراحهم." بعدها، جاءت المشاهد الأخيرة في المكتب الرئاسي لأحمدي نجاد، حيث قدم البحارة الـ 15 واجب الشكر له وللشعب الإيراني علي ما لقوه من معاملة.
نجاح إعلامي ولكن..
وبعيدا عن النجاح الإعلامي الذي حققه الرئيس الإيراني، لا يختلف اثنان على إن ما فعله أحمدي نجاد حدى بأعضاء محافظين في البرلمان البريطاني مثل برنارد جنكين للاعتراف بنجاح هذه الخطوة، إذ قال البرلماني إن الرئيس الإيراني "عالج الوضع ببراعة حين قدم مفاجأته كهبة شخصية." في هذا الشأن، يقول الخبير السياسي الألماني من أصل إيراني، بهمن نيرومند في مقال نشرته مجلة "دير شبيغل" الألمانية إن المستشارين الإعلاميين لأحمدي نجاد "أثبتوا أنهم أكثر كفاءة من مستشاري الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي بدا أداءه هزيلا أثناء أزمة البحارة، حسبما يقول نيرومند. ولكن في نفس الوقت، اعتبر نيرومند أن خطوة الرئيس الإيراني تعبّر عن هزيمة أكثر من تعبيرها عن نصر.
ولكن إلقاء نظرة متفحصة على الأوضاع السياسية الداخلية في إيران يبين خلفيات أخرى لخطوة الرئيس الإيراني.
الرئيس الإيراني في أزمة داخلية
فقد كتب ماركوس ميشايلسين، الخبير الألماني في الشؤون الإيرانية مقالا نشر في 30 أبريل، أي قبل أيام من قرار الإفراج عن البحارة ونشرته صحيفة "فرايتاغ" الأسبوعية الألمانية قال فيه إن الرئيس الإيراني "عانى في الأشهر الأخيرة من تزايد الانتقادات الموجهة إليه من كبار السياسيين الإيرانيين." ولم تأت الانتقادات فقط من جهة التيار الإصلاحي وإنما امتدت إلى المحافظين وعلى رأسهم الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رافسنجاني الذي أكد في الأسابيع الأخيرة مرارا على أن التهديد العسكري الذي تواجهه إيران هو "تهديد حقيقي ولا يجوز للمرء أن يعتقد غير ذلك،" في إشارة نقدية واضحة لسياسة الرئيس الإيراني.
أما الكتلة الإصلاحية في البرلمان الإيراني فقد جرأت لأول مرة في تاريخ إيران بعد الثورة على المطالبة بمثول الرئيس الإيراني أمام لجنة تحقيق برلمانية. وفضلا عن الانتقادات التي يواجهها أحمدي نجاد من قبل معارضيه من المحافظين والإصلاحيين، فإن حلفاءه أخذوا بالتخلي عنه. وعلى سبيل المثال نجد مستشاره السابق، خوش شهر يتحدث بشكل علني عن "تهديد حقيقي" للشعب الإيراني بسبب تصريحات الرئيس الاستفزازية. وبلغت هذه الانتقادات ذروتها حين بدأ مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي بانتقاد الأداء الاقتصادي للرئيس وطالبه بالاهتمام بأمور المواطنين. وكتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" المقربة من مرشد الثورة الإيرانية أن على أحمدي نجاد أن يكون حذرا في تصريحاته المتعلقة ببرنامج إيران النووي وأن يترك التصريحات بهذا الشأن للمسؤولين عن الملف النووي.
ونظرا إلى المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران كارتفاع نسبة التضخم إلى رقم قياسي لتبلغ مؤخرا 20 بالمائة، فإن موقف الرئيس الإيراني أصبح ضعيفا للغاية، إذ أنه كان قد فاز في الانتخابات بناءً على وعود عديدة تتعلق تحديدا بإصلاح قطاعات الاقتصاد وتحقيق الرخاء للمواطنين الإيرانيين.
ضغطوطات داخلية
ومن الواضح أن استراتيجية الرئيس الإيراني التي كان من أهم ملامحها التركيز على السياسة الخارجية بهدف التغطية على المصاعب التي يواجهها في مجال الاقتصاد لم تنجح. ومن الممكن أن يفسر قرار أحمدي نجاد بالإفراج عن البحارة البريطانيين على أنه بداية لاستراتيجية جديدة ربما يكون من أهم ملامحها التركيز على الوضع الداخلي وترك لغة التحدي التي ما زال يستخدمها في مواجهة الضغوطات الغربية.
وفي هذا السياق أعرب ديفيد أوين، وزير الخارجية البريطاني السابق، عن أنه يأمل في أن يُحسن أحمدي نجاد علاقات بلاده المتوترة مع بريطانيا والولايات المتحدة وأن يلعب دورا بناءً في استقرار العراق المجاور. وصرح المسؤول البريطاني لتلفزيون سكاي نيوز البريطاني بالقول:" أعتقد أنهم يريدون فتح صفحة جديدة،" في إشارة منه إلى أصحاب القرار في طهران.
ومن الواضح أن أحمدي نجاد يأمل في استئناف المحادثات بخصوص برنامج بلاده النووي مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا. ورغم أن هذه الدول تشترط حتى الآن قيام إيران بإيقاف تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي كشرط لاستئناف هذه المحادثات، إلا أن بعض المراقبين يرى أن الإفراج عن البحارة ربما سيؤدي إلى مراجعة هذا الشرط أو على الأقل إلى تعديله.