معركة الموصل في الإعلام أشد وقعاً منها على الأرض
١٩ أكتوبر ٢٠١٦
أغرقت عملية تحرير الموصل التي انطلقت منذ يومين صفحات الانترنت والقنوات العربية والعالمية بأنباء عن القتال الدائر حول المدينة بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي داخل المدينة من جهة أخرى. ولا غرابة! فمهنة الصحافة نقل الخبر أو معالجته وعرضه على المتلقي، غير أن الأخير وجد نفسه مثل كل مرة صاحبت عمليات تحرير المدن العراقية من "داعش"، غارقا بكمٍّ من العناوين المختلفة والمتضاربة. وإذا هرب من مشاهدة القنوات التلفزيونية إلى وسائل التواصل الاجتماعية فسيغرق مرة أخرى في أعماق بحر من التعليقات الطائفية والسياسية تصدر حتى من مثقفين أو كتّاب صحفيين أو من يطلق عليهم بالخبراء على اختلاف توجهاتهم السياسية والطائفية. فكلٌ يغني على ليلاه. أو كما يقتبس الكاتب الصحفي التركي محمود عثمان اوغلو من القرآن الكريم آية، في حوار مع DW عربية، ويتلو " كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ".
"كل يصنع بطله"
الكاتب الصحفي ورئيس القسم السياسي في صحيفة الأهرام المصرية أشرف أبو الهول يرى في حوار مع DW عربية أن "كثيرا من المتلقين العرب لا يعرفون أي جهة يصدقون بسبب الأخبار الكثيرة التي ينقلها الإعلام العربي". ولعل إشراك الحشد الشعبي في عمليات تحرير المدينة بشكل غير مباشر أثار طائفة من التعليقات المنتقدة لمشاركته، خاصة وقد صدر تقرير من منظمة العفو الدولية "أمنستي" مباشرة بعد انطلاق عمليات تحرير الموصل، حذر من أن "المليشيات شبه العسكرية والقوات الحكومية في العراق ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب في إطار حربها على تنظيم الدولة الإسلامية" - كما نقل موقع قناة الجزيرة. فيما غاب عن موقع قناة الميادين مثلاً أي ذكر لتقرير "أمنستي"، وظهر بدلا من ذلك على موقع الصفحة لقاءات تلفزيونية مع قادة من الحشد الشعبي.
أشرف أبو الهول يقول إن "الإعلام العربي طائفي فيما يتعلق بموضوع معركة الموصل. هناك من يهاجم مشاركة الحشد الشعبي الشيعي في المعركة وهناك من يدافع عن مشاركته. كما أن هناك من يدافع عن التدخل التركي في الموصل والوجود التركي في بعشيقة". ولا يذهب الكاتب الصحفي التركي محمود عثمان أوغلو بعيداً عن الرأي السابق ويرى أن "كل جهة تصنع بطلها الخاص، وبالتالي نرى الطائفية تظهر عند نقل الأخبار والعمل الصحفي".
وكما يبدو فإن الانقسام الطائفي إعلاميا قد ظهر منذ مدة حتى على استعمال المفردات، فبينما تطلق القنوات العراقية وقنوات عربية أخرى مثل المنار والميادين تسمية الحشد الشعبي، ويصفه بعض مقدمي البرامج فيها بالمقدس، تذهب قناة الجزيرة إلى استعمال "الميليشيا" أو "الحشد"، مثلما تستخدم مصطلح "تنظيم الدولة" على "تنظيم الدولة الإسلامية" الإرهابي. وفي هذا السياق يرى محمود عثمان اوغلو أن "داعش ليس بدولة إسلامية فهو جماعة سلفية متشددة". كما يقول إن " قناة الجزيرة تتجنب إطلاق صفة إرهابي على داعش فذلك يمنعها من نقل الخبر في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم"، بحسب تعبيره.
لم تبدأ المعركة بعد!
لم تبدأ المعركة الحقيقية داخل المدينة المليونية بعد، فالجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية يحرران القرى والمناطق المحيطة بالموصل في مرحلة أولية تمهيدا لاقتحام المدينة. ورغم ذلك استبق الجميع الحدث، فالـ"كل متمسك بمعسكره الطائفي، فمن ينتمِ إلى المذهب الشيعي يدافع عن الحشد ومن يعادِ إيران ينتقد مشاركة الحشد الشعبي لدرجة أن هناك من يصور أن تحرير الموصل سيتحول إلى مذبحة للسكان السنة في المدينة"، يقول أشرف أبو الهول، رئيس القسم السياسي في الأهرام.
وحتى الإعلام العراقي منقسم إلى حد ما في خطابه، بين حكومي يعرض وجهة نطر الحكومة وبين تابع لجهات أو أحزاب سياسية مرتبط بأجندات ويناغم الإعلام العربي بشكل خاص، بحسب وصف الكاتب الصحفي في جريدة الصباح الصادرة في بغداد، أحمد نعيم الطائي، الذي ينتقد العمل الصحفي للقنوات العربية ويضرب مثلا في لقاء مع DW عربية، ويقول: "هناك أنباء تتحدث عن استهداف للمدنيين في الموصل. الحقيقة على الأرض تنقل أنه لا يوجد أي استهداف للمدنيين لا من قبل الجيش العراقي ولا قوات التحالف خلال عمليات القصف". وهو أمر لا يمكن التأكد منه فالقذيفة لا تميز بين مقاتل داعشي وشخص مدني. غير أنه يرى أنّ "هناك استباقاً للحديث عن نزوح جماعي بالملايين وتغيير سياسي وديموغرافي. العملية كلها مرتبطة بأجندات وسياسات حكومات وليس لها علاقة بالمهنية وبنقل الواقع بشكل حيادي".
وفيما يعتقد الكاتب الصحفي التركي محمود عثمان أوغلو أنّ لكلٍّ منظاراً ينظر من خلاله وينقله إلى وسائل الإعلام، منتقدا "المبالغة الكبيرة في الحرب على داعش. فهم (الإعلاميون) يكبرون العدو ليظهر بصورة البطل في النهاية"، يرى الصحفي العراقي أحمد نعيم الطائي أن العبرة بالنهاية وكيف سينقل الواقع على الأرض وذلك "يعتمد على المستقبل، كما حدث في مدن تحررت من داعش مثل تكريت والرمادي والفلوجة".
أما الواقع الآن فيقول إن معركة تحرير الموصل في بدايتها، رغم انطلاق "حرب إعلامية طائفية" وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، معركة استبقت القتال حتى داخل المدينة وتنبأت بنتائج ستنكشف ربما نتائجها للمتلقي الأيام المقبلة.
عباس الخشالي