تحالف جديد في الخليج.. خطة أمريكية لتضييق الخناق على إيران؟
١٠ يوليو ٢٠١٩ترغب واشنطن بقيادة تحالف عسكري بحري في مناطق التماس بينها وبين إيران و"ذراع" هذه الأخيرة في اليمن، أي الحوثيين، ما يجعل أهدافه مثيرة للجدل، خاصةً مع تصاعد التطوّرات في موضوع الملف النووي، في وقت تختلف فيه وجهات النظر بين دول المنطقة على خلفية مواقفهم من طهران، بين من يرغب في حصارها، ومن يرتبط بعلاقات معها تجعله مترددا أو حتى رافضا لأيّ مبادرة ضدها.
إعلان التحالف جاء على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال دانفورد، غير أن هذا الأخير لم يعط تفاصيل كثيرة باستثناء أن التحالف سيركز على المراقبة والاستطلاع، وأن الأسبوعين القادمين سيشهدان تحديد الدول الراغبة في المشاركة في هذا التحالف.
وإن كُتب للتحالف الولادة، فهو سيراقب منطقة جد حيوية في الملاحة البحرية. فمضيق هرمز يربط بين الخليج والمحيط الهندي، ويمر من خلاله 40 في المئة من البترول المنقول عبر العالم، كما تصدر السعودية عبره جل نفطها. ويعطي هذا الفيديو لمحة عن أهمية هذا المعبر:
بدوره يحتل باب المندب الذي يقع في المسافة البحرية بين اليمن وجيبوتي أهمية بالغة، فهو يفصل قارتي إفريقيا وآسيا ويربط بين بحر العرب والمحيط الهندي، وأضحى منذ أكثر من قرن طريقاً تجارياً أساسياً بين دول عربية وأخرى متوسطة وأخرى مطلة على المحيط الهندي. ويقدم معرض الصور التالي لمحة عن هذا المضيق:
من سينضم؟
بيدَ أن هناك دولا ستجد نفسها في وضع صعب بين الانضمام لهذا التحالف وبين الوفاء لعلاقاتها مع طهران، سواء أكانت علاقات تمتد لسنوات خلت كالعراق وعمان، أو علاقات ظرفية نتجت عن تطورات المشهد السياسي مؤخراً كقطر التي اتجهت لإيران في محاولتها تنويع شراكاتها الاقتصادية بعد "محاصرتها" في أعقاب الأزمة الخليجية.
ويتحدث سيباستان سونس، وهو محلل سياسي في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، لـDW عن أن السعودية ستشارك في التحالف، ليس فقط بالدعم اللوجيستكي، ولكن كذلك بسفنها الخاصة أو حتى بالمحاربة منها، ولن تتأثر هنا بموقف أبو ظبي، التي كانت لديها علاقة تصالحية نوعا ما مع طهران بسبب المصالح الاقتصادية التي تجمعهما.
في الجانب الآخر، ترى قطر الموضوع بشكل مختلف، يضيف المحلل، فهي من جهة تحتاج للأمريكيين، ومن جهة أخرى تحاول أن تستمر على نفس القدر من التوازن بين القوتين الكبرتين في المنطقة، أي إيران والسعودية، بمعنى أن الدوحة ستعبر عن تحفظها على الخطوة الأمريكية، لكنها لم تعارضها بشكل كامل. أما الكويت وعُمان، يتابع المحلل، فتكونان على قدر كبير من الحذر، نظراً لعدم توفرهما على جيش قوي، وكذلك بسبب تواضع قدراتهما الاقتصادية مقارنة بالدول الأخرى المذكورة.
بيد أن العراق الذي تربطه علاقات قوية مع إيران، يرى في أيّ خطوة لإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران "عقبة كبيرة" لاقتصاده، وبذلك ستجد بغداد نفسها في وضع صعب إزاء أيّ تحالف يبتغي محاصرة إيران، إذ لا يزال العراق يحتاج للدعم الأمريكي، خصوصاً مع استمرار القوات الأمريكية في هذا البلد، لكنه كذلك لا يرغب بإغضاب طهران، وهو ما ظهر عندما وجه الرئيس العراقي برهم صالح لوما كبيرا لدونالد ترامب، عندما صرّح أنه يريد مراقبة إيران من الأراضي العراقية.
أوروبيا أبقت ألمانيا الباب مفتوحا أمام مشاركتها في التحالف المستقبلي. وقالت المستشارة أنغيلا ميركل "المناقشات سارية، بالطبع ستشارك فيها ألمانيا أيضا، لكن لا يمكنني حاليا قول شيء عن الأمر، لأنه لم يتم بعد". ونقلت نيويورك تايمز نقلا عن مسؤول عسكري أمريكي قوله إن الأمر سيتضح خلال أسبوعين بالنسبة للدول التي ترغب في الانضمام إلى هذا التحالف.
حقيقة أهدافه والتحديات في العضوية؟
بعيداً عن الأهداف السياسية، تحمل الدول المدافعة عن التحالف أجندات أمنية لحماية مصالحها الاقتصادية، فوفق وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، تتجنب شركات نفط دولية إرسال ناقلاتها إلى موانئ الشحن في الشرق الأوسط، بعد وقوع هجومين خلال شهر واحد، الأول استهدف ناقلات في إمارة الفجيرة الإماراتية، والثاني استهدف ناقلات في خليج عُمان. وقد اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء الهجومين، وهو ما نفته هذه الأخيرة، فيما سبق للحوثيين أن استهدفوا أكثر من مرة ناقلات النفط في موانئ يمنية، ما أدى إلى تبعات اقتصادية خطيرة.
وصرح مسؤول في إحدى الشركات النفطية في دبي للوكالة إن "هناك توقعات بتدهور الأوضاع بصورة أكبر قبل أن تبدأ في التحسن"، مؤكداً أن ميناء الفجيرة "يشهد تراجعا كبيراً في الطلب بسبب ارتفاع تكاليف التأمين على ناقلات النفط ضد مخاطر الحرب". كما أوردت الوكالة خبر وقف إحدى الشركات بشكل مؤقت لأنشطتها في الخليج، وقد نقلت "بلومبريغ" تصريحات متباينة لتجار ووسطاء يتحدثون عن تراجع حركة مبيعات النفط بما بين 15 و 30 في المئة مؤخراً.
وتدرك إيران أن تحالفاً مثل هذا يبتغي تقليم أظافرها أكثر وأكثر، خاصةً مع تهديداتها المستمرة بإغلاق مضيق هرمز إن استمرت الولايات المتحدة في حصارها اقتصاديا. وأبدت طهران صرامة في التعامل مع واشنطن عندما أسقطت طائرة تجسسية أمريكية، خاصة أن موقعها الجغرافي ذو الحدود الشاسعة المحيطة بالمضيق، وقدراتها العسكرية يتيحان لها تنفيذ وعيدها على أرض الواقع.
"استراتيجية ترامب تدخل في إطار قومية اقتصادية نحا إليها، وذلك بأن تتحوّل أموال الخليج والعالم لخدمة الاقتصاد الأمريكي" يقول المحلل السياسي محمد الشرقاوي لـDW عربية، مشيراً إلى أن ترامب يرغب في مبادرة بقيادة أمريكية لحماية الخليج، لكن بتمويل خليجي، وذلك عبر استخدام فزاعة التهديد الإيراني وفزاعة الهجمات المهدّدة للملاحة البحرية.
ويستطرد الشرقاوي قائلا إن الخليجيين لن يستفيدوا من هذه المبادرة كثيرا، لأن إيران لا تريد أصلاً الدخول في مواجهة، دليله على ذلك، أنها امتنعت عن توجيه قذيفة إلى طائرة أمريكية كانت تقل عسكريين، كانت ترافق طائرة الدرون التي أسقطتها الدفاعات الإيرانية.
إسماعيل عزام