"تجذّر" إيران في سوريا ومصالح إسرائيل .. هل تكون حرباً؟
٣٠ أبريل ٢٠١٨بعد دخول إيران بكل وضوح كأحد أطراف النزاع في سوريا منذ عام 2012، باتت إسرائيل أكثر تململاً من ذي قبل. كيف لا، وهي التي تسعى في المحافل الدولية منذ سنوات من أجل توجيه ضربة عسكرية في عمق الجمهورية الإسلامية لوأد الطموح الإيراني المتمثل في إنتاج قنبلة نووية.
لذلك، فإن تواجد قوات عسكرية إيرانية على تخوم إسرائيل يقلق تل أبيب بشكل واضح، وهو ما تجلى مؤخراً في حادثة إسقاط الطائرة الإيرانية المسيّرة في فبراير/ شباط، وما تلاها من غارات وضربات عسكرية إسرائيلية لمواقع في سوريا، نتج عنها سقوط طائرة حربية إسرائيلية.
كما أن القصف الذي استهدف منشآت عسكرية في كل من حماة وحلب ليلة أمس الأحد، والذي أوردت مصادر متعددة أنه خلف نحو 26 قتيلاً، أغلبهم إيرانيون، يُعتقد أن إسرائيل تقف وراءه.
إيران: "خبيرة" حروب الوكالة؟
هنالك إجماع على أن التصعيد بين إسرائيل وإيران قد يؤدي إلى تحريك الأخيرة لشبكة التنظيمات العسكرية التي تموّلها في المنطقة (من بينها حركتا حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة)، والتي تطلق عليها تسمية "محور المقاومة"، معتمدة في ذلك - بحسب خبراء عسكريين - على شبكة من المليشيات المحلية التي تربطها بهم علاقات قوية وتمويل وتدريب وتسليح، بعيداً عن أي تواجد واضح ذي منشآت يسهّل على إسرائيل تتبعها واستهدافها.
هذا ما يؤكده بنحاس عنباري، الباحث في مركز القدس للشؤون العامة في إسرائيل، والذي أوضح لـDW عربية أن "الأسلوب الإيراني هو وضع (حلفائها) العرب في مواجهة إسرائيل بدل مواجهتها بشكل مباشر". وأضاف عنباري أن "هذا يعني أن المعركة ستكون محدودة. حزب الله، وهو العنصر الرئيسي في لبنان وفي سوريا أيضاً، مشغول بالحرب في سوريا وصراعات داخلية في لبنان. لذلك، أظن أن من غير الحكمة استفزاز إسرائيل أيضاً في هذا الوقت بالذات، لأن ذلك قد يعني تدميره بشكل تام".
الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية يتفق مع هذا التحليل، ويرى أن "المليشيات الموالية لإيران التي دخلت سوريا وصلت إلى 45 فصيلاً، وهي كلها بإدارة فيلق القدس - الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني - وقائده اللواء قاسم سليماني. أشهر مليشيا هي حزب الله، على اعتبار أن لديه قوات كبيرة في سوريا منذ تدخله بشكل مباشر سنة 2012".
وبحسب تقديرات أبو هنية، يتراوح عدد مقاتلي هذه المليشيات بين 25 و40 ألف مقاتل. لكنه يعتبر، في حديث مع DW عربية، أن هذا العدد "يزيد وينقص. فمقاتلو حزب الله، على سبيل المثال، وصلت ذروة أعدادهم في سوريا إلى أربعة آلاف مقاتل".
مليشيات "خفية"؟
غير أن هذا الوجود الضخم نادراً ما يلقى تغطية في وسائل الإعلام العالمية، الأمر الذي يفسره الخبير في الجماعات الإسلامية بأنه نابع من "كون هذه المليشيات تعمل داخلياً ولا توجد لديها أهداف أوروبية أو أمريكية، ولهذا لا تشكل خطراً كبيراً على المستوى الدولي. وهي غير مصنفة كحركات إرهابية، ما يجعل هذه المليشيات تعمل وكأنها تحت غطاء سيادي، لأنها قد استدعيت من قبل القوات السورية. ولذلك لا يتم تسليط الضوء عليها".
وجود هذه المليشيات ذات الهوية الشيعية، التي يغلب عليها مقاتلون من العراق وأفغانستان وباكستان، في مناطق قريبة من الحدود مع إسرائيل يثير القلق في تل أبيب، بحسب ما يشرح الباحث السياسي الإسرائيلي بنحاس عنباري، إذ يقول: "إسرائيل تنطلق فقط من حسابات أمنها دون أي اعتبار آخر. هذه الحسابات تنص على عدم اقتراب إيران من حدودها وألا تمتلك قواعد للصواريخ في سوريا ... إذا كان هناك تدخل إسرائيلي مباشر في سوريا، فهو يقتصر على ذلك الجانب، ولكنه يمتد أيضاً إلى منع اقتراب إيران وحزب الله والقوات الشيعية الدخيلة في سوريا إلى حدودها".
المكافأة: إحلال وتوطين
إشكالية أخرى يسببها التواجد "اللامركزي" الإيراني في سوريا، والذي تبدو معالمه طويلة الأمد، هي عمليات الإحلال السكاني، والتي يتطرق إليها الخبير الأردني حسن أبو هنية بالقول: "شاهدنا في كثير من الأحيان عمليات ما يسمى بالتبادل السكاني، مثل ما حصل في مضايا والفوعة والزبداني. شهدنا عمليات إحلال وتوطين، خاصة في حزام دمشق. وبالتالي لا توجد هناك نية للمغادرة".
من خلال ذلك، تسعى إيران إلى تثبيت دعائم حكم الرئيس السوري بشار الأسد من خلال خلق جيوب شيعية في محيط العاصمة دمشق ومناطق سورية أخرى ستسهم مستقبلاً في التصدي لأي ثورة أو تمرد مسلح، وفي ذات الوقت ترسخ من التواجد الإيراني العسكري في سوريا بجانب تواجدها في جارتها لبنان من خلال حزب الله.
والمكافأة؟ التجنيس والتوطين للمقاتلين الشيعة الأجانب، بحسب ما يقول أبو هنية: "كل العمليات التي فعلها النظام في الغوطة الشرقية وما يفعله الآن في جنوب دمشق، كما فعله سابقاً في مناطق أخرى. هناك عملية تهجير وتبادل، أو عمليات استيلاء ومن ثم توطين".
إصرار إسرائيلي بدعم أمريكي وتوافق روسي
وبالرغم من أن هذه العمليات ما تزال تجري على أرض الواقع، إلا أن بنحاس عنباري من مركز القدس للشؤون العامة يعتقد بأن إسرائيل لن تسمح لإيران بتثبيت منصات لصواريخها على هذه المسافة القريبة من حدودها، مضيفاً: "أعتقد أن أوروبا والدول العربية أيضاً لا يمكن أن تقبل بذلك، لأن الصواريخ الإيرانية في تلك القواعد قد توجه بكل سهولة نحو أهداف عربية وأوروبية! قرار إيران الامتداد إلى سوريا لن تقبل به إسرائيل ولن تسمح لها بذلك".
ولكن ماذا عن حليف إسرائيل الأوثق – الولايات المتحدة؟ يرى البروفسور غونتر ماير، أستاذ الجغرافيا في جامعة ماينز الألمانية والخبير في شؤون الشرق الأوسط، أن الحديث اليوم بات عما يسمى "الهلال الخصيب الأمريكي"، والذي يشمل شمال شرق سوريا بأكمله ويمتد حتى الأردن، والذي يهدف إلى "إقامة مظلة حماية" ضد إيران.
ويتابع ماير، في حوار مع DW، بالقول: "الهدف هو تفتيت سوريا بحيث لا تصبح خصماً قوياً. وبذلك يمكن تسليط الدول الفاشلة التي ستتفكك سوريا إليها على بعضها البعض بكل سهولة. إسرائيل أعلنت من قبل عن دعمها لإقامة دولة كردية في شمال سوريا، وهذا يوضح الهدف الذي تسير إليه الإدارة الأمريكية وحلفاؤها".
فما هو موقع روسيا إزاء الصراع الإسرائيلي الإيراني؟ المصالح الروسية في سوريا ما تزال مضمونة، بحسب بنحاس عنباري، طالما استمرت إسرائيل في تنسيق ضرباتها العسكرية مع موسكو. وعندما لا يحصل مثل هذا التنسيق أحياناً، مثل "الضربة الأخيرة التي حصلت ضد القاعدة الإيرانية، والتي أثارت غضب روسيا، كان من الواضح أنها لم تكن بالتنسيق معها. روسيا عبّرت عن عدم رضاها في هذه الحالة، بينما بقيت صامتة ولم تتحرك في بقية الضربات".
كما أن موسكو لن تقبل بأن يكون ثمن تثبيت حكم الأسد في سوريا دخول كل من حليفتيها - إيران وإسرائيل - في صراع مفتوح، وبالتالي فهي تبقى حريصة على أن تحقق الضربات الإسرائيلية مصالح تل أبيب في المنطقة الحدودية دون أن يشكل ذلك خطراً على قدرات النظام السوري العسكرية، ودون أن يدفع ذلك إيران إلى نقطة اللاعودة. هذا التوازن ستبذل روسيا من أجله الكثير مستقبلاً، على ما يبدو.
ياسر أبو معيلق