تأمين الغذاء العالمي يحتاج إلى زيادة دعم البحث العلمي
٦ سبتمبر ٢٠٠٦حضر إلى مدينة بون الألمانية حوالي 800 خبير دولي في المجال الفلاحي يمثلون نحو 55 دولة للمشاركة في مؤتمر يناقش سبل تأمين الغذاء العالمي. وسلط الحاضرون خلال أعمال المؤتمر الضوء على مجموعة مهمة من الجوانب التي تتعلق بموضوع التأمين الغذائي. حيث أبدى الخبراء رغبة جادة في محاربة الجوع ودعم التنمية الريفية وتطوير القطاع الفلاحي عن طريق تجهيز ذلك القطاع بمعدات حديثة وإدخال تقنيات متطورة لضمان استثمار فاعل وأنسب للأراضي الزراعية.
ولم يقتصر المشاركون في فعاليات المؤتمر على إبداء طموحاتهم وإنما قاموا بعرض عدد من المقترحات الهامة لرسم معالم برنامج عمل مستقبلي طموح يهدف بالأساس إلى تأمين الغذاء لساكنة الكرة الأرضية، التي يُتوقع أن يتجاوز عددهم خلال العقود القليلة القادمة عشرة مليار نسمة. وفيما أعرب المشاركون عن رغبتهم في استئصال الجوع من العالم، أكدوا على أن تطبيق مشروعاتهم الطموحة تستدعي توحيد الجهود المشتركة على نطاق عالمي وتكثيفها في مجالات البحث العلمي والعلوم والصناعة ليشمل كذلك تبادل الخبرات. ولم يُنكر المؤتمرون أنه قد تم إهمال الجانب العلمي والأبحاث المتخصصان في قطاع الفلاحة في السنوات الأخير.
تحديات المستقبل
بدأ ساسة العالم يدركون المخاطر التي قد تحدق بالبشرية جمعاء نتيجة الارتفاع السريع في ساكنة العالم. فالإحصائيات تشير إلى نمو عدد سكان المعمورة بسرعة مذهلة تبلغ نحو 80 مليون نسمة في كل عام. ذلك النمو بدأ يقلص من مساحات الاستغلال الفلاحي ويعمق من مشكل التغذية في العالم. ناهيك عن حدوث تغير في سلوك التغذية ناجم بالأساس عن زيادة الطلب على اللحوم التي يعد إنتاجها مكلفا جدا ويولد مشاكل أخرى. فإنتاج الكيلوغرام الواحد من اللحوم يحتاج إلى تسع كيلوغرامات من العلف. وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ستحتاج ساكنة العالم إلى إنتاج نحو مليار طن من العلف، وهو ما سيشكل عبئا إضافيا على قطاع الفلاحة. ويدرك وكيل وزارة الفلاحة الألماني، غيرد مولر، جيدا أن تامين الغذاء العالمي يتطلب في المستقبل رفع حجم الإنتاج الفلاحي عبر اعتماد طرق إنتاج حديثة. وقال المسئول الألماني الذي شارك في فعاليات المؤتمر في هذا الصدد: "لقد كان الفلاح في السابق يزود نحو 50 شخص بالمواد الغذائية، أما اليوم فهو يزود أكثر من 100 شخص بفضل استخدامه تقنيات فلاحية".
التكنولوجيا لدعم الفلاحة
تتصدر ألمانيا قائمة الدول المنتجة للتكنولوجيا الفلاحية في العالم، حيث تشهد الخبرات الألمانية إقبالا كبيرا يعكسه حجم المبيعات من قطاع تكنولوجيا الفلاحة الألماني الذي بلغ العام الماضي نحو خمس مليار يورو. وتجدر الإشارة هنا إلى ان أحدث معمل ألبان في العالم يوجد في منغوليا، وهو مجهز بالكامل بتقنيات ألمانية ساهم في وضعها مهندسون الألمان. مثال آخر تجسده آلة حصد متطورة من صنع ألماني يتم توجهها بنظام ليزر ومدعومة بالأقمار الصناعية. تعمل الآلة في الحقول بدقة فائقة دون أن تضيع الغلة. ولا تقف قدرات آلة الحصد المتطورة عند ذلك الحد. فهي مزودة بنظام متطور يرصد الأماكن داخل الحقول التي تحتاج إلى مزيد من مبيدات الحشرات أو تلك التي يجب اقتلاع المزيد من الحشائش منها. كلها تكنولوجيا ألمانية فذة تساعد على تأمين جودة المنتجات ورفع القدرة الإنتاجية. ويعول المشاركون المؤتمر على التقدم التكنولوجي لإيجاد منفذ لأزمة الغذاء التي يعاني منها العالم حاليا والتي ستزداد حدة في العقود الآجلة.
دعم البحث العلمي
لكن التطور التكنولوجي الذي طرأ على معظم الآلات الزراعية يطرح مشاكل من نوع آخر رغم فاعليتها. فادخال التقنية الحديثة والعاملة بنظام توجيه الملاحة الجوية (GPS) في الآلات الفلاحية أو أنظمة أخرى ميكانيكية تعد في بعض الأحيان عائقا أمام استخدام هذه الآلات بسبب اختلاف البنية التحتية وطبيعة عمل الفلاح. بعض الدول مثل الصين والهند بحاجة إلى تكنولوجيا وتقنيات تتناسب مع البنية التحتية هناك وعقلية الفلاح. فالمعطى الجغرافي والبيئي المغاير في تلك الدول أثبت أن التقنيات الألمانية على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي تفتحها أمام الفلاحين، لا يتناسب مع كل مكان ومناخ. تلك النتائج دفعت المشاركين في المؤتمر إلى التأكيد على ضرورة دعم البحث العلمي. ذلك التأكيد جاء على لسان البروفيسور، بيتر شولت لامرس، من مؤسسة التقنيات الفلاحية التابع لجامعة بون، حيث شدد على ضرورة استخدام فعّال للأسمدة والمبيدات إلى جانب الآلات، ومشيرا في نفس الوقت إلى أن قطاع الصناعة لوحده لن يؤمن تلك الفاعلية وإنما يجب تنسيق الجهود بين القطاع الفلاحي والصناعي والبحث العلمي.