حين بات "الإرهاب" جزءا من اقتصاد بوركينا فاسو!
١٨ يونيو ٢٠٢١تئن بوركينا فاسو حاليا تحت وطأة واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخها. ففي مطلع يونيو/ حزيران الجاري، هاجم مسلحون قرية صلحان في ولاية ياغا المحاذية للنيجر وأشعلوا النيران في المنازل وقتلوا على الأقل 138 شخصا. وعلى إثر هذا الكم الكبير في الضحايا، وصف رئيس بوركينا فاسو روش مارك كريستيان كابوري الهجوم "بالعمل الوحشي".
ولا يعد العنف وانعدام الأمن بسبب الهجمات الإرهابية بالأمر الجديد في المنطقة إذ يعيش سكان المناطق الواقعة على طول الحدود بين مالي والنيجر في خوف دائم. أما الحكومة، فقد عمدت على تعزيز الإجراءات الأمنية بنشر عدد كبير من القوات العسكرية في المنطقة الحدودية.
بيد أن الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة المحلية، تزايدت خاصة في الشهور الماضية، وفقا لما ذكره أليكس فاينز من مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن.
من جانبها قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من مليون شخص قد فروا من المنطقة خوفا من الهجمات الإرهابية واعتداءات وهجمات الميليشيات خاصة في شمال البلاد وغربها.
ويشار إلى أن منشأ بعض هذه الميليشيات مالي وتعد قريبة لتنظيمات إرهابية أخرى لا سيما تنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) والقاعدة.
مناجم الذهب تجذب الإرهابيين
ويعتقد الخبراء أن ما تملكه بوركينا فاسو من احتياطيات الذهب يعد السبب وراء الهجمات. فعلى سبيل المثال، يعمل سكان قرية صلحان في البحث عن الذهب لكسب قوت يومهم، فيما يمكن العثور على الذهب في قرى أخرى بإقليم ياغا المتاخم لحدود مالي.
ولم يكن الهجوم الذي استهدف قرية صلحان الوحيد الذي يحدث في ذاك اليوم إذ قتل 14 آخرين في هجوم استهدف قرية تاداريات الواقعة على بعد 150 كيلومترا شمال صلحان. وعلى وقع هذا، أعلن الرئيس كابوري الوقف الفوري لكافة أعمال تعدين الذهب في الإقليم المتضررة لمنع وقوع هجمات جديدة.
وفي مقابلة مع DW، قال المحلل السياسي ليونيل بيلغو من بوركينا فاسو إن "الهجمات الإرهابية على مناجم الذهب البدائية متكررة في بوركينا فاسو بسبب أن الذهب يعد ضروريا بالنسبة للجماعات المسلحة لبقائها". وأضاف أن "الإرهاب يعد شكلا من أشكال الاقتصاد. فكي تبقى هذه الجماعات، يتعين عليها الحصول على موارد مالية ليس فقط لشراء أسلحة وإنما أيضا لتجنيد أخرين في صفوفها".
ابتزاز القرويين
يوضح الباحث أليكس فاينز أن الاقتصاد خلال الحرب تحرك صوب الاستفادة من مناجم الذهب بما يشمل دفع أموال للجماعات الإسلامية المسلحة مقابل توفير الأمان. ويضيف أن "هذا أحد المجالات التي تستفيد منها الجماعات المسلحة بالإضافة إلى ابتزاز السكان المحليين".
ووفقا لدراسة أجراها المرصد الاقتصادي والاجتماعي في بوركينا فاسو فإن الإرهابيين جمعوا ما يقدر بأكثر من 100 مليون يورو (121 مليون دولار) منذ 2016 من خلال شن هجمات ضد المناجم ومناطق تعدين الذهب الحرفية والبدائية.
بوركينا فاسو.. دولة بلا رؤية
يؤكد المحلل السياسي ليونيل بيلغو أن الإرهابيين استفادوا من تنامي السخط في تلك المناطق لتجنيد مسلحين جدد في صفوفهم. ويقول إن السكان المحليين يدركون أن الاستفادة من مناجم الذهب منحصرة في المناطق أو النخب الحضرية، مضيفا "يتعين على الدولة عندما تقوم بإعادة توزيع ثروات الدولة أن تأخذ في عين اعتبارها المناطق محددة قد تضررت مؤخرا."
بيد أن الحكومة تركز على تبني تدابير أخرى مثل حظر استخدام الدراجات النارية في بعض أجزاء البلاد إذ تقول السلطات إن المسلحين يستخدمون الدراجات النارية للنقل وشن الهجمات.
لكنّ هذه الاستراتيجية تلقى رفضا من البعض إذ يؤكد إدريسا بيربا، رئيس منظمة حقوقية محلية في بوركينا فاسو، أن تدابير الحكومة تأتي بنتائج عكسية. وفي هذا السياق، يضيف قائلا "أعتقد أن حظر الدراجات النارية في مناطق يتم استخدامها بشكل يومي على نطاق كبير ليلا و نهارا في التجارة سيكون أمرا عديم التأثير. (هذا الحظر) سيحرم الناس من مصادر رزقهم".
اقرأ أيضا: ماس يعارض مشاركة الجيش الألماني بمهمة قتالية بمنطقة الساحل
أما عالم الاجتماع جاكوب ياراباتيولا فيذهب إلى القول بإن هناك أزمة ثقة بين سكان البلاد والسلطات. ويقول "إذا لم يتم استغلال الفرصة لحل المشاكل داخل الحكومة أو الجيش من جهة وبين السكان والدولة من جهة أخرى، فسوف تسير الأمور في حلقة مفرغة."
ويقدم ياراباتيولا مثالا على هذا بالقول إن "الحكومة ترفض الدخول في حوار مع المسلحين الإسلاميين رغم أن بعض السكان المحليين طالبوا بهذا الأمر".
انسحاب القوات الفرنسية
وتكمن المشكلة في شمال بوركينا في أنها مرتبطة بشكل كبير بالتوتر الأمني في منطقة الساحل بأسرها فيما أثار قرب انتهاء العمليات الفرنسية لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا والمعروفة اختصارا باسم عملية "برخان" الكثير من القلق لدى خبراء المنطقة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن انتهاء عملية برخان في منطقة الساحل الأفريقي التي أطلقتها بلاده في 2014 وقامت بموجبها بنشر أكثر من 5100 جندي في المنطقة.كما كشف ماكرون عن خفض عدد القوات الفرنسية في منطقة الساحل بغرب أفريقيا عقب الانقلاب الأخير الذي شهدته مالي في الجوار مع بوركينا فاسو.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الأمني محمدو سوادوغو على أن انسحاب القوات الفرنسية يمثل اختبارا صعبا لدول منطقة الساحل. ويضيف في مقابلة مع DWأن "الجيش الفرنسي سيترك منطقة الساحل في الوقت الذي تزداد فيه قوة الجماعات المسلحة".
اقرأ أيضا: انسحاب أمريكي "محتمل" من منطقة الساحل.. فمن الخاسر؟
ويشير إلى أن جيوش دول منطقة الساحل تعتمد على الدعم اللوجستي المقدم من عملية "برخان" والقوات الفرنسية لتعزيز فعاليتها.
ويشدد سوادوغو على أنه "يتعين على هذه الجيوش أن تتكيف مع الوضع الجديد أو الاتحاد مع بعضها البعض لتعزيز وجودها في مواجهة الجماعات الإرهابية خاصة وأن بعض هذه التنظيمات قوية جدا وأكثر تنظيما بشكل كبير".
مارتينا شويكوفسكي/ م.ع