"بوتين لا يبحث عن حرب عالمية مع الغرب"
١١ فبراير ٢٠١٦بعد أكثر من أسبوع على بدء هجوم واسع لقوات الأسد في ريف حلب الشمالي، بدعم من الغارات الجوية الروسية، وما تبعه من استعادة السيطرة على بلدات عدة في المنطقة، بات مراقبون يتوقعون اقتراب ساعة المواجهة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا. الخبير الألماني في شؤون الإرهاب ورئيس تحرير مجلة زينيت دانيال غيرلاخ يرى في حوار مع DWعربية أن بوتين يتبع تكتيكا قصير المدى تمليه المصلحة الخاصة.
DWعربية: هل يشكل التدخل الروسي في سوريا بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية باتجاه عودة الحرب الباردة؟
دانيال غيرلاخ: نعم، بالفعل، التدخل الروسي في سوريا لم يأتي مفاجئا بالنسبة لي وللعديد من الدول الأخرى، ما كان مفاجئا هو التدخل العسكري بهذا الشكل المكثف وهو ما يؤكد مدى الاقتناع الروسي بأهمية هذا التدخل. الروس يعتقدون أنهم من خلال هذه الخطوة يتقاسمون نفس أهداف الآخرين الذين يريدون إنهاء الصراع الدائر، حيث تتمثل الإستراتيجية الروسية في سوريا في إعطاء دعم لأحد الأطراف ( نظام الأسد)، من أجل الانتصار على الآخرين. علاوة على ذلك تريد روسيا من خلال تدخلها في حلب قطع الطريق على تركيا لتحول دون توسع النفوذ التركي في الأراضي السورية. وهذا قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بين روسيا وتركيا يشارك فيها حلف الناتو.
وانطلاقا من ذلك لا أعتقد أن روسيا خططت مسبقا لما تفعله الآن في سوريا، بل إن تحركها يعتمد على قياس ما يمكن القيام به على الأرض فعلا، وهي تتحرك بناء على هذا الأساس. بوتين يتحرك ضمن المجال الذي يسمح له به الغرب، وهو ما يستغله لمصلحته.
تقارير المخابرات الأميركية ومراكز بحث غربية تقول أن أميركا والاتحاد الأوروبي لم يعد بإمكانه حماية دول أوروبا الشرقية من النفوذ الروسي، ماذا يعني ذلك؟
هناك فرق في التعامل ما بين الوضع في سوريا والوضع في دول شرق أوروبا. روسيا تعرف أن الغرب لن يسمح لها بأي عمل عسكري مماثل في أوروبا، كما هو الحال في سوريا. وبوتين رأى أن الغرب غير معني بالدخول في مواجهة معه فيما يخص الشأن السوري، لذلك فهم هذا الأمر وتصرف على أساسه. الرئيس الروسي لا يريد إشعال حرب عالمية مع الغرب وإنما يحاول فقط فرض اهتماماته على الساحة، والتي تتمثل بأمور كثيرة منها إلهاء الشعب الروسي عن المشاكل الاقتصادية التي يعيشها. وأيضا يشعر بوتين أنه تم تهميشه من الغرب وهو ما لا يستسيغه ويجعله يشعر بالجرح، لذلك يحاول الاستفادة من موضوع سوريا لصالحه.
الرئيس أوباما أمر بزيادة الإنفاق الأميركي على الدفاع في مواجهة روسيا، هل هو اعتراف بسوء تقدير سابق للدور الروسي؟
السياسية الروسية تغيرت أيضا في الفترة الأخيرة، والمتتبع لها يدرك أنها تتبع المبدأ التكتيكي قصير المدى، وليس الإستراتيجي طويل الأمد. روسيا تتحرك ضمن مجال واضح وهو "أين يمكنني أن أستفيد في الوقت الحالي". كما أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع روسيا الحالية على أنها خطر عالمي كما كانت تتعامل مع الاتحاد السوفييتي سابقا، فواشنطن تعتبر روسيا قوة إقليمية فقط وليس قوة عالمية، وهو أمر جارح لبوتين . الإدارة الأمريكية لديها اهتمامات أخرى بعيدة كليا عن الشرق الأوسط، فهي تنظر بأن الصين على سبيل المثال تشكل عليها خطرا مستقبليا أكبر من روسيا.
هل تعني هذه المعطيات أن أميركا باتت مدركة أكثر من أي وقت مضى بأن روسيا فرضت الأمر الواقع عليها كقوة توازن؟
روسيا لا تفرض أمرا واقعا، فهي تعرف أنها لا تستطيع أن تتحرك بحرية على الصعيد العالمي. هناك مناطق محددة فقط تستطيع روسيا التدخل فيها، وهي والتي لا تمثل للغرب أهمية قصوى، الأمر الذي تستفيد منه موسكو.
دانيال غيرلاخ: خبير في قضايا الإرهاب، كما أنه رئيس تحرير مجلة Zenithالألمانية، وصدر له كتاب "السيطرة على سوريا"
أجرى الحوار : علاء جمعة