بعد ليبيا.. هل أرسل أردوغان مقاتلين سوريين إلى أذربيجان؟
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٠قبل أربع وعشرين ساعة من إعلان أذربيجان حالة الحرب في جميع أنحاء البلاد بعد اندلاع القتال في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها مع أرمينيا، خرجت صحيفة "دي فيلت" الألمانية السبت (26 أيلول/سبتمبر 2020) بتقرير أشارت فيه إلى "الحلم العثماني" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعن استخدامه "ميلشيات" سورية في سوريا أولاً ومن ثم في ليبيا والجديد في أذربيجان في سبيل تحقيق حلمه.
وبعد ذلك بيوم واحد، أي الأحد وهو يوم من اندلاع الاشتباكات، صرح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن دفعة ممن وصفهم بـ "المرتزقة وصلت بالفعل إلى أذربيجان قبل أيام... وتتحضر دفعات جديدة للذهاب".
وقبل شهر بالضبط من اليوم، أي في 29 تموز/يوليو 2020، ذكرت "وكالة فرات للأنباء" التي يقع مقرها في أمستردام وهي مقربة من حزب العمال الكردستاني التركي المحظور نقلاً عن "وكالة أنباء هاوار" والتي يعتبرها كثيرون مرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وبالإدارة الذاتية الكردية في تقرير لها من إدلب أن تركيا تجند "مجموعات مرتزقة" من السوريين للقتال في أذربيجان.
آخر الإشارات جاءت من وكالة رويترز التي نشرت تقريراً أمس الاثنين (28 أيلول/سبتمبر 2020)، ذكرت فيه أن مقاتلين اثنين من المعارضة السورية قالا إن تركيا ترسل مقاتلين سوريين من المعارضة لدعم أذربيجان.
"1500 دولار شهرياً"
وقال المقاتلان إنهما في طريقهما إلى أذربيجان بالتنسيق مع أنقرة. ورفض المقاتلان نشر اسميهما نظراً لحساسية الأمر. ولم يتسن لرويترز التحقق من صدق روايتهما بشكل مستقل. وقال مقاتل حارب في سوريا لصالح جماعة أحرار الشام الإسلامية، وهي جماعة تدعمها تركيا: "لم أكن أرغب في الذهاب، لكن ليس لدي أي أموال الحياة صعبة للغاية والفقر شديد".
وكشف الرجلان أن قادة الكتائب السورية أبلغتهما بأنهما سيتحصلان على حوالي 1500 دولار شهرياً، وهو راتب كبير في سوريا التي انهار اقتصادها وعملتها.
وقال أحد الرجلين إنه رتّب مهمته مع مسؤول من "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا في عفرين، وهي منطقة في شمال غرب سوريا فرضت تركيا وحلفاؤها في المعارضة السورية السيطرة عليها قبل عامين. وقال المقاتل الآخر، وهو من فصيل جيش النخبة التابع للجيش الوطني السوري، إنه جرى إبلاغه بأنه تقرر نشر ما يقرب من 1000سوري في أذربيجان. وتحدث معارضون آخرون، رفضوا الكشف عن أسمائهم، عن أعداد تتراوح بين 700 و1000.
وقال الرجلان اللذان تحدثا إلى رويترز إنهما يتوقعان إيفادهما في 25 أيلول/سبتمبر لحراسة منشآت لكن ليس للقتال. ولم تتمكن رويترز من الاتصال بهما أمس الاثنين للتأكد من مكان وجودهما حالياً. كما أنه لم يتسن التأكد من صحة معلوماتهما.
محض "هراء"
سفير أرمينيا في موسكو صرح، هو الآخر، أن تركيا أرسلت نحو 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان وإنهم يقاتلون هناك، وهو ما نفاه أحد مساعدي إلهام علييف رئيس أذربيجان. وقال حكمت حاجييف مساعد الرئيس الأذربيجاني: "الشائعات التي تزعم إرسال مسلحين من سوريا إلى أذربيجان هي استفزاز آخر من الجانب الأرميني ومحض هراء". كما رفضت وزارة الدفاع الأذربيجانية تلك الاتهامات، متهمة من اسمتهم بالانفصالين باستجلاب "مرتزقة من الاثنية الأرمنية" من الشرق الأوسط للقتال إلى جانبهم.
واندلعت الاشتباكات لأول مرة في أواخر الثمانينات بين الأغلبية المسيحية الأرمينية في ناغورني كارباخ وجيرانهم من ذوي الأصول الأذربيجانية، حينما بدأ حكم موسكو الشيوعي السوفيتي في الانهيار.
كما أدت حرب شاملة في أوائل التسعينات إلى طرد مئات الآلاف من الأذربيجانيين فيما تخلص الإقليم من سيطرة باكو بدعم كبير من أرمينيا وأصبح يتمتع بالحكم الذاتي. ومنذ الأحد، تخوض القوات الانفصالية المدعومة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً من أرمينيا، والقوات الأذربيجانية، معارك دموية هي الأعنف في المنطقة منذ عام 2016.
وتطالب أذربيجان، البلد الناطق بأحد فروع اللغة التركية وذو الغالبية الشيعية، باستعادة السيطرة على ناغورني كاراباخ، الإقليم الجبلي ذي الغالبية الأرمنية داخل أذربيجان. وجددت الاشتباكات المخاوف بشأن الاستقرار في منطقة جنوب القوقاز وهي ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز للأسواق العالمية.
تركيا "الأمل الوحيد المتبقي"
لم تعلق تركيا حتى الآن على ما يتم تداوله عن إرسالها مرتزقة سوريين إلى أذربيجان، بيد أن مسؤولين كباراً منهم الرئيس رجب طيب أردوغان تعهدوا بدعم باكو. وتحدث أردوغان عن "شعب واحد في بلدين" في إشارة إلى الأتراك والأذريين.
ولم يرد متحدث باسم الجيش الوطني السوري، وهو مظلة لجماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، على طلب من وكالة رويترز للتعليق على كلام المقاتلين السوريين اللذين قال إنهما سيرسلان إلى أذربيجان.
ولم يؤكد مصطفى سيجري، أحد المعارضين البارزين في سوريا، نشر مقاتلين في أذربيجان، لكنه قال إن تركيا صارت "الأمل الوحيد" المتبقي لمعارضي بشار الأسد الذي استعاد معظم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا بدعم روسي وإيراني. وقال إن "تحالف المعارضة مع تركيا يتخذ أشكالاً مختلفة وإنه حقاً مصير مشترك"، مضيفاً أنه لا يستبعد أن تصبح تركيا خياراً استراتيجياً للشبان السوريين.
واستخدمت تركيا بالفعل مقاتلين سوريين للمساعدة في صد هجوم على العاصمة الليبية طرابلس هذا العام من قبل مقاتلي رجل شرق ليبيا القوي الجنرال خليفة حفتر.
من جانبها، حاولت DW التواصل مع معارضين ونشطاء سوريين في تركيا، بيد أنها لم تفلح في حالات وفضل البعض في حالات أخرى عدم التعليق.
صورة المعارضة
مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول في إسطنبول، المقربة من حزب الخضر الألماني، كاريستيان براكل، قال في حديث مع DW عربية إن "التحول الذي طرأ على الفصائل المعارضة منذ وقت بعيد وعدم بقاء الكثير من الأفكار الثورية القديمة أمر منطقي بالنظر إلى الوضع في سوريا"، مضيفاً أن ذلك يصب في خانة الروس وغيرهم الذين كانوا على الدوام يدعون أن الأمر لم يكن يتعلق بالمثل السياسية العليا.
وذهب الخبير السياسي إلى أن "تشوه الصورة الذهنية للمعارضة بدأ على الأقل منذ اشترت تركيا الكتائب (المعارضة) للهجوم على وحدات حماية الشعب (الكردية)"، على حد تعبيره.
ناشط معارض غرد على تويتر طالباً من الائتلاف السوري المعارض والمجلس الإسلامي السوري، الذي تدور أقاويل عن قربه من الإخوان المسلمين، تبيان موقفهما:
ويكشف خالد رواس، وهو ناشط سياسي معارض للنظام السوري مقيم في ألمانيا، عن بعض خبايا عملية التجنيد. ويقول الناشط، الذي كان من بين بضع لاجئين رفعوا دعوى عام 2017 ضد شخصيات رفيعة في منظومة الأسد المخابراتية، إن مصدر معلوماته التواصل المباشر مع ناشطين معارضين في الشمال السوري لا يمكن الكشف عن شخصياتهم خوفاً على سلامتهم، على حد تعبيره.
وشرح رواس العملية بالقول: "تتم عملية التجنيد عبر مبعوث لمكتب الوالي (المحافظ) التركي لمخيمات وبيوت اللاجئين السوريين. ويكون الكلام في البداية على أن الأمر هو فقط حراسة منشآت حيوية ليتفاجأ الذاهبون بأنهم في خطوط النار الأمامية".
وفي تصريح خص به DW عربية شرح خالد رواس الذي ظهر في عدة وسائل إعلام ألمانية موقفه من هذه القضية بالقول: "من وجهة نظري الشخصية لا مبرر لقتال أي سوري خارج سوريا مهما كانت المغريات المادية".
خالد سلامة