بن علي يتعهد بعدم الترشح مجددا للرئاسة ويأمر بوقف تام لإطلاق الرصاص على المحتجين
١٣ يناير ٢٠١١تعهد الرئيس التونسي زين العابدين بن على مساء اليوم بعدم الترشح في انتخابات الرئاسة عام 2014 ، جاء ذلك في خطاب وجهه عبر التلفزيون الرسمي إلى الشعب التونسي في الوقت الذي تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية العنيفة، وهو الخطاب الثالث من نوعه منذ تفجر الاحتجاجات في تونس قبل أربعة أسابيع. وبشأن أسعار المواد الغذائية التي أطلقت شرارة الاحتجاجات قال بن علي أنه أمر الحكومة بخفض أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب والخبز والسكر.
كما أكد بن علي على منح الحرية الكاملة للإعلام وعدم حجب مواقع الانترنت. وأعرب عن أسفه للأحداث التي تشهدها البلاد، وطالب اللجنة المستقلة التي ستتولى التحقيق في الأحداث بالنظر في كل الملفات وتحديد المسؤولية عن التجاوزات، والتفريق بين العصابات والمخربين والمحتجين. وأكد بن على أنه يميز بين الاحتجاجات السلمية المشروعة وما يحصل في الشارع التونسي من "إجرام وليس احتجاجات"، مشيرا إلى أن العنف ليس من سلوك التونسيين.
ودعا الرئيس التونسي إلى عدم استخدام الرصاص الحي ضد المحتجين، معربا عن حزنه لسقوط ضحايا من المدنيين جراء الاحتجاجات. كما اعترف بن علي بتلقيه معلومات خاطئة من المسؤولين حول الأوضاع في البلاد. ويعد ما ورد في خطاب الرئيس بن علي الأول من نوعه منذ توليه الحكم عام 1987 عندما تعهد بإلغاء الرئاسة مدى الحياة والعمل لتحقيق الديمقراطية والتعددية ووقف المظالم في البلاد. وفي رد فعل أولي رحب نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض بإعلان الرئيس التونسي بأنه لن يغير الدستور للسماح له بخوض انتخابات الرئاسة مجددا عندما تنتهي فترته الحالية في 2014.
استمرار المواجهات العنيفة
وشهدت تونس اليوم مواجهات عنيفة في عدد من مناطق البلاد خلفت مزيدا من القتلى والجرحى، وفرقت الشرطة بالغازات المسيلة للدموع مئات المتظاهرين في وسط تونس العاصمة اليوم الخميس(13 يناير /كانون الثاني 2011). وحاول شبان تجمعوا في شارع روما قرب مقر السفارة الفرنسية التوجه إلى شارع بورقيبة لكن قوات الأمن منعتهم مستعملة القنابل المسيلة للدموع بكثافة، حسبما ذكرته وكالة فرانس برس. وتفرق المتظاهرون في الشوارع الفرعية دون التمكن من العودة الى ساحة محمد علي حيث مقر مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل التي طوقتها الشرطة. ووصلت الغازات المسيلة للدموع الى الجنود الذين يحرسون سفارة فرنسا، وهي المبنى الوحيد الذي ما زال الجيش يحرسه بعد انسحابه من تونس الخميس حيث انتشر الاربعاء.
فيما تحدثت تقارير نقلا شهود عيان ان صحافيا أجنبيا رجحت معلومات أولية أنه أميركي الجنسية أصيب بطلق ناري في ساقه عندما كان يغطي مصادمات بين محتجين ورجال الشرطة في منطقة لافيات، وسط العاصمة تونس، غير بعيد عن مقر الإذاعة الرسمية التونسية. وأفاد الشهود أن سيارة إسعاف نقلت الصحافي المصاب إلى المستشفى.
وفي تطور لافت أقدم الرئيس التونسي على إقالة مستشاريه الرئيسيين في قصر قرطاج، وهما المستشار السياسي عبد الوهاب عبد الله والناطق بإسم الرئاسة عبد العزيز بن ضياء. وأعلن أن الرئيس بن علي سيلقي مساء اليوم خطابا عبر التلفزيون الرسمي.بينما نفى مصدر رسمي تونسي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) نبأ إستقالة وزير الخارجية كمال مرجان الذي ذكر في وقت سابق أنه قدم استقالته على خلفية سقوط عدد من القتلى في الاحتجاجات.
وقد رفعت عواصم أوروبية كبرى ضمن برلين وباريس، من حدة لهجتها إزاء الأوضاع في تونس،بعد أن كانت قد إلتزمت لغة تهدئة طيلة الأيام الماضية، فقد أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيله عن "قلقه العميق" جراء أعمال الشغب في تونس. ودعا إلى وقف إستخدام العنف ضد المتظاهرين وضمان حرية الرأي في تونس وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وقد دعت برلين السفيرة التونسية لدى ألمانيا للحضور غدا الجمعة إلى مقر وزارة الخارجية.
ارتفاع عدد القتلى
وشهدت العاصمة تونس اليوم اشتباكات عديدة وأفاد شهود عيان بأن متظاهرا قتل اليوم وأصيب آخر برصاص قناصة من الشرطة في أحد الشوارع غير البعيدة عن مقر الإذاعة التونسية وسط العاصمة تونس. فيما نقل مراسل رويترز أن دوي طلقات نارية سمع في وسط العاصمة اليوم وان الشرطة تغلق منطقة من العاصمة. كما شوهد دخان أسود يتصاعد عن بعد وغطى الناس أفواههم لتجنب استنشاق الدخان. وكانت الاشتباكات تدور على مسافة بضع مئات من الأمتار من مبنى البنك المركزي في المنطقة التجارية الرئيسية بالمدينة التي تضم أيضا المحطة الرئيسية للحافلات والقطارات. وأمكن سماع صوت اطلاق متقطع للنيران وكانت الشرطة تمنع الناس من الاقتراب من المنطقة..
وأعلنت رئيسة الفيدرالية الدولية حقوق الإنسان سهير بلحسن الخميس لوكالة فرانس برس أن لديها لائحة بأسماء 66 شخصا قتلوا منذ اندلاع الاضطرابات في تونس منتصف كانون الأول/ديسمبر، من بينهم ثمانية لقوا حتفهم ليل الأربعاء إلى الخميس في ضاحية العاصمة تونس منددة بما وصفتها بـ"مجزرة مستمرة".
وقالت بلحسن "لدينا لائحة بأسماء، أحصينا 58 قتيلا منذ بدء الاضطرابات خارج العاصمة تونس، وحصلنا للتو على تأكيد بسقوط ثمانية قتلى وخمسين جريحا خلال الليل في العاصمة وضواحيها". من ناحية أخرى أعلنت وزارة الخارجية السويسرية الخميس ان سويسرية من أصل تونسي قتلت في الصدامات المندلعة في تونس، مؤكدة معلومات أوردتها الإذاعة السويسرية. كما قتل شاب في صفاقس خلال مواجهات اندلعت أمس في هذه المدينة المعروفة بنشاطها الاقتصادي، وهي ثاني كبرى مدن البلاد بعد العاصمة تونس.
ولم تصدر أي حصيلة رسمية بعد المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين التي وقعت في ضواح للعاصمة التونسية في الساعات الاربع والعشرين الماضية.
قلق ألماني وفرنسي متزايد
وفي غضون التطورات المتسارعة في تونس، صعدت عواصم أوروبية كبرى من لهجتها إزاء الحكم في تونس وقد أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيله عن "قلقه العميق جراء أعمال الشغب في تونس. وقال فيسترفيله في مؤتمر صحافي عقده اليوم الخميس بشأن الوضع في تونس:"نحن ندين أي عنف" مضيفا أن الحكومة الألمانية تتطلع لإنهاء العنف المستخدم ضد المتظاهرين وأكد على ضرورة توفير حرية الرأي في تونس".كما طالب فيسترفيله بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وأشار إلى أنه قد تم استدعاء السفيرة التونسية في برلين للحضور في مقر وزارة الخارجية الألمانية غدا الجمعة.
ومن جهته أعرب رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون عن القلق من "الاستخدام غير المتكافىء للعنف" في تونس، داعيا "جميع الأطراف إلى ضبط النفس واختيار طريق الحوار". يأتي هذا فيما أفاد مصدر دبلوماسي لوكالة فرانس برس الخميس أن الاتحاد الأوروبي يدرس عدة خيارات من بينها تعليق مفاوضاته مع تونس حول تعزيز علاقاتهما، وذلك نظرا لقمع التظاهرات بعنف. وأكد المصدر ان "ذلك قد يكون خيارا" بالنسبة للاتحاد الاوروبي.
وردا على سؤال في هذا الصدد، لم تؤكد مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون في مؤتمر صحافي صراحة هذا الاحتمال لكنها قالت إن الأوروبيين يفكرون في تداعيات الاضطرابات الحالية. وصرحت بالقول: "نتابع عن كثب الوضع ونفكر في تداعيات الأحداث الأخيرة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس وندرس عدة خيارات".
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يأمل أولا في "الدفع بالإصلاحات قدما" في تونس و"الانفتاح الديمقراطي والحريات الأساسية ودولة القانون". ودعا نواب أوروبيون إلى تعليق المفاوضات الجارية بين الاتحاد الاوروبي وتونس بهدف تعزيز العلاقات الثنائية.
ومنذ ايار/مايو 2010، يتفاوض الاتحاد الاوروبي الذي يربطه بتونس اتفاق شراكة ابرم سنة 1995، بهدف منحها "وضعا متقدما" على غرار الذي يتمتع به المغرب وتطالب به تونس منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2008.
ومن جهتها ناشدت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي تونس اليوم التحقيق في قتل الشرطة لعشرات المدنيين وأبدت قلقها من تعرض النشطاء للاحتجاز والتعذيب. وقالت بيلاي لرويترز إن مكتبها مستعد لمساعدة السلطات التونسية على التحقيق في أي استخدام مفرط للقوة وتقديم الجناة للعدالة.
وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد نصحت اليوم مواطنيها بعدم السفر لتونس في الوقت الحالي بسبب القلاقل التي تسود البلاد. وشددت الخارجية الألمانية نصائحها لمواطنيها بشأن السفر لتونس التي تشهد أعمال شغب منذ نحو أسبوعين واشتباكات بين الشرطة وافراد من الشعب.
وجاء في بيان للخارجية اليوم الخميس:"ننصح بعدم السفر لتونس إلا للضرورة وذلك بسبب الوضع غير الآمن في الوقت الحالي". وتشير تقديرات شركات السياحة الألمانية إلى أن عدد المواطنين الألمان المتواجدين في تونس حاليا يبلغ نحو عشرة آلاف ألماني. كما يعيش نحو 3000 ألماني بشكل دائم في تونس من بينهم الكثير من المواطنين الذين يحملون الجنسية التونسية إلى جانب الألمانية.
وفي برلين تظاهر عشرات التونسيين أمام مقر وزارة الخارجية الألمانية ورفعوا شعارات وهتافات مناهضة لحكم الرئيس بن علي، وأعلنوا تضامنهم مع المحتجين في تونس وطالبوا بوقف إطلاق الرصاص ضد المحتجين ومحاسبة المسؤولين عن إطلاق النار على مواطنين يطالبون بتحسين ظروف حياتهم.
(ي ب، ع ج / ا ف ب، د ب أ، رويترز)
مراجعة: منصف السليمي