بمعزل عن واشنطن.. خارطة طريق لسياسة دفاع أوروبية
٣١ مايو ٢٠١٧جاءت تصريحات المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الاثنين (29 أيار/مايو 2017) بأنه يتوجب على الأوروبيين "أخذ مصيرهم بأيديهم" في إشارة لصعوبة الاعتماد على الحليف الأمريكي، لتزيد من التوتر وتوسع الهوة بين ضفتي "الأطلسي": أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. واعتبرت بعض دول الناتو أن مواقف الحليف الأميركي الدفاعية تجاهها فاترة نوعاً ما. وكانت الإدارة الأميركية قالت بوضوح أنها تهدف الوصول لأن تقدم دول الحلف نفقات قدرها 2% من إجمالي الناتج المحلي لميزانيات الدفاع بحلول عام 2024. وهددت إدارة ترامب بدعم "محدود" لدول الحلف التي لا تفي بالتزاماتها المالية. والسؤال، الذي يطرح نفسه هنا، في حال نفذ ترامب تهديداته كيف ستوفر أوروبا لنفسها الأمن؟
يعتقد المسؤول السابق في "وكالة الدفاع الأوروبية"، نيك وتني، أنه لم تكن هناك أي حاجة ملحة لهذا الأمر كما هي الآن، وبنفس الوقت فإنها فرصة سانحة؛ تعطي التهديدات الأميركية من جهة والروسية من جهة أخرى وتسلم رئيس فرنسي جديد، هادئ الأعصاب، ميركل أفضل الظروف للشروع ببناء أوروبا معتمدة على نفسها.
يقول وتني، الذي يعمل مع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، أنه يتعين على أوروبا الإقلاع عن العويل وتنظر للأمر على أنه صرخة لإيقاظها من نومها الطويل. "من السهل تحديد ما يجب فعله والقول أنه ربما نفعل ذلك العام القادم عندما يتحسن وضعنا المالي"، يقول وتني في مقابلة معDW ويتابع "يجب أن يُجرى تقيماً صارماً للإنفاق غير الضروري، الذي لا يعود بفائدة على أحد، وكذلك للإنفاق الزائد عن المطلوب والمضاعف في بعض الأمور الأخرى".
التعلم من دروس التدخل الأوروبي في ليبيا؟
عندما حاولت الحكومات الأوروبية أخذ زمام القيادة في ليبيا في 2011، بما سيتطور في النهاية ليصبح تدخلاً عسكرياً ل"الناتو"، لم تستطع الاعتماد على منظوماتها المخابراتية والاستطلاعية وسرعان ما لم يعد بإمكانها توفير الحاجيات الأساسية كالذخيرة، مما اضطرها للاعتماد على الدعم الأميركي. قال وتني في ذلك الوقت "كان يتوجب علينا تفكيك مئات آلاف القنابل الغبية وإنفاق الكثير من الأموال على إنتاج أسلحة ذكية". ولكن للأسف لم يحدث ذلك في الماضي ولا حتى اليوم.
ومن جانبه يرى سفن بيسكوب، مدير "معهد إيغمونت: المعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الخارجية" أن أفضل أمل لأوروبا للاعتماد على نفسها هو البدء أخيراً للتعاون في مجال الاستثمارات الدفاعية والإنفاق الدفاعي. وفي إفادة خاصة ب DW يقول بيسكوب في مواجهة ما يدعوه بسياسة "ترامب أولاً" ربما تلتقي المصالح الأميركية مع نظيرتها الأوروبية أو ربما لا تتقاطع. وعندما لا يكون هناك تقاطع يتوجب على أوروبا أخذ زمام مصيرها بيدها". ومن هنا ينصح بيسكوب بتبني شعار "أوروبا أولاً".
ترتيب الأولويات
يستبعد بيسكوب أن تشكل روسيا خطراً على أوروبا، لأن روسيا باعتقاده أضعف مما تبدو عليه. ويؤكد الخبير البلجيكي أن جيوش دول الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ عدد أفرادها 1.5 مليون جندي، أقوى من الجيش الروسي، غير أنها ليست قوية بما فيه الكفاية. "عندما يتعلق الأمر بتنفيذ مهمات خارج حدود أوروبا، لا بد من الاعتماد على الدعم الأمريكي. يعود ذلك إلى أننا لم نستثمر بمنظومات النقل والإمداد لمثل تلك المسافات البعيدة، ولا بالطائرات بلا طيارين أو بالأقمار الصناعية أو تزويد الطائرات بالوقود في الجو".
يعيد الخبير البلجيكي التأكيد على أن تطوير تلك القدرات يجب أن تحتل أعلى سلم أولويات أوروبا. ويأمل سفن بيسكوب بأن يعمل ماكرون وميركل على بناء نواة لمجموعة من الدول لتنهض بالأعباء المادية لتلك المشاريع العملاقة. ستكون المهمة الصعبة لعدة أسباب، ليس أقلها صعوبة حقيقة أن كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي توجه إنتاجها العسكري بما تتطلبه ظروفها الدفاعية. ومن هنا ستتولد ممانعة لدى بعض الدول للتخلي عن أولوياتها الوطنية في هذا الخصوص، والكلام دائماً للخبير البلجيكي.
ومن جهته، يرى الخبير بشؤون حلف الناتو، برونو ليت، من "صندوق مارشل الأميركي المخصص لألمانيا" أن أوروبا هي من تجعل نفسها عاجزة، وذلك على الرغم من امتلاكها واحد من أكثر أقوى الجيوش في العالم وأكثرها تقدماً على الصعيد التكنولوجي. "بدون القدرات الأميركية في الناتو، على أوروبا أن تكافح للاتحاد وتنظيم نفسها دفاعياً بشكل فعال، مستشهداً بالحاجة للعون الأميركي في مجالات منظومات القيادة والتحكم والاستخبارات والاستطلاع". ويتابع "هنا تكمن نقطة ضعف أووربا وقوة أمريكا. وهذا الفجوة لا بد من سدها، إن كان لأوروبا الاعتماد على نفسها دفاعياً".
يثير نيك وتني من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" نقطة حساسة، ألا وهي الفقدان المحتمل للمظلة النووية الأميركية. يعتقد وتني أن روسيا في الوقت الحاضر قادرة على غزو دول البلطيق على سبيل المثال، ولكنها من غير المحتمل أن تفعل ذلك. لو كان لدى روسيا شك بالضمان الأميركي بعدم استخدام السلاح النووي ضدها، لما كانت غزت القرم، لأنها كان سيتوجب عليها التراجع في نهاية المطاف.
ماذا عن ردع نووي أوروبي؟
مع دخول العلاقات البريطانية الأوروبية مرحلة من التراجع مع "بريكست"، ستؤول مهمة الردع النووي في أوروبا لفرنسا. بيّد أن توسيع مهمة الردع النووي الفرنسي لتشمل باقي أوروبا لا ينطوي على متطلبات تكنولوجيا فقط، بل يتعداه لتعديل في المواقف. هذا التعديل لا يجب أن يكون من قبل الفرنسيين وحدهم، الذين لم يرغبوا في الماضي بأن يشاركهم أحد قدرتهم على الردع النووي، كما يرى وتني. ويضيف الخبير الدفاعي بأن "الألمان لم يحبذوا أن يكونوا تحت أي مظلة نووية لأي دولة أخرى، غير أنه وإن كان لا بد من ذلك، فهم يفضلون المظلة النووية الأميركية على الفرنسية؛ إذ أن الفرنسيين سيتصروفون عندها بغرور على أنهم حماة أوروبا". ويختم الخبير في المعهد البلجيكي كلامه بالقول: "على الأوروبيين تجاوز تلك الحساسيات وإيجاد طريقة لتبادل مظلة الردع النووي وتقاسم المسؤوليات والتكاليف".
تيري شولتز/ خالد سلامة