بلغاريا: نشاط الشبكات الإجرامية مستفحل في قطاع الهجرة
١٩ ديسمبر ٢٠٢٣تقع بلغاريا، على الطريق الرئيسي الذي يعبر منه المهاجرون المتوافدون على أوروبا من الشرق الأوسط وآسيا، الآملين في الوصول إلى دول غرب القارة.
تهريب المهاجرين وعبور الحدود إضافة إلى توطين اللاجئين في بلغاريا موضوع يعتريه فساد كبير، فدفع أموال لشرطة الحدود لمواصلة الرحلة إلى أوروبا الغربية أو رشاوى للموظفين الحكوميين لتأمين تسوية أسرع لملف طلب اللجوء ليس بالأمر الجديد في هذه الدولة.
ديانا ديموفا، تترأس منظمة حقوق الإنسان البلغارية Mission Wings، وعملت في مجال حقوق المهاجرين لمدة 25 عامًا. تقول إن الفساد في بلغاريا منتشر ومتغلغل على "جميع مستويات" المجتمع، مضيفة أنها سمعت بالعديد من القصص المرعبة في مكتبها. وحسب ما صرحت به في مقابلة مع مهاجر نيوز في 22 أغسطس/آب "الأرقام كبيرة، لدينا آلاف القصص".
وأضافت ديموفا في حديثها لمهاجر نيوز "سمعنا مؤخرًا معلومات صادمة، مفادها أنه حتى في المشارح، يتم تداول المعلومات المتعلقة بالمتوفى مقابل المال". وأوضحت أن إمرأة أفغانية مثلا، كانت تبحث عن شقيقها المفقود لمدة 11 شهرًا، أُجبرت على منح رشوة تناهز 2000 يورو (2150 دولار) لمسؤولين لأجل مساعدتها على التعرف على جثة شقيقها. وقالت لأعضاء المنظمة الحقوقية "مقابل عرض صورة واحدة لشخص متوفى، كان علي أن أدفع ما بين 30 و40 يورو [32 إلى 43 دولار]، وللاطلاع على ملف شخص واحد من المهاجرين الموتى، يجب أن تدفع 100 يورو [106 دولار]".
المهربون أكثر تقدمًا من السلطات!
عززت السلطات البلغارية في العام الماضي المراقبة والأمن على السياج الحدودي للبلاد مع تركيا. وتسعى بلغاريا إلى الانضمام إلى منطقة شنغن لتسهيل السفر منها وإليها بدون تأشيرة بحلول نهاية عام 2023، لكن يجب عليها أولاً أن توقف تدفقات الهجرة غير القانونية إلى الدول المجاورة لها. ولكن بسبب عصابات المهربين والضباط الفاسدين، لا يزال مئات المهاجرين قادرين على الدخول عبرها.
عبد الله*، شاب سوري ينتظر الحصول على رد حول طلب لجوء قدمه بعد وصوله إلى البلد، يقطن في مركز هارمانلي لاستقبال اللاجئين بالقرب من الحدود مع تركيا، وصل إلى بلغاريا منذ عام تقريبًا. قال في تصريح لمهاجر نيوز "الأشخاص الذين وصلوا إلى هنا كلهم جاؤوا عن طريق التهريب، أي دفعوا أموالاً للوصول إلى هنا".
كما العديد من السوريين الآخرين في المخيم، يرسل أقارب عبد الله المتواجدين في دول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية الأموال له بين الحين والآخر لمساعدته. وقال عبد الله لمهاجر نيوز: "نعلم أن الاتحاد الأوروبي يقدم الأموال للسوريين على شكل مساعدات، لكن البلغار يأخذونها منا".
منظمة الشفافية الدولية: بلغاريا تشهد فسادا كبيرا
حميد خوشسيار، منسق ومترجم فوري في منظمة Mission Wings، يقول إن مهربي المهاجرين وعصابات الاتجار بالبشر "يعملون بشكل أفضل بكثير" من أي هيئة رسمية أو منظمة غير حكومية في البلاد. وأضاف في تصريحه لمهاجر نيوز: "لديهم شبكة جيدة جدًا، تساعدهم على العثور على الأشخاص وهم على اطلاع بكل الإجراءات".
احتلت بلغاريا المرتبة 72 على مؤشر الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية – وهو من أعلى مستويات الفساد في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
كانت البلاد قد شهدت تنظيم خمس انتخابات في العامين الماضيين، مع هيمنة النقاش حول الفساد على سياسة البلاد. وعرف حُكْمُ بويكو بوريسوف خلال فترة 2009-2021 انتشار قضايا الفساد، كما تم القبض على رئيس الوزراء السابق في مارس/آذار 2022 بتهمة إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي.
وارتبط الفساد المستشري في بلغاريا أيضًا بافتقار السلطة القضائية إلى الاستقلال، حيث اتُهم مكتب المدعي العام منذ فترة طويلة بالعمل كآلة للنخبة الحاكمة في بلغاريا لمنع التحقيقات مع أعضائها واستهداف خصومهم.
فساد يمتد إلى الحدود
ديموفا من منظمة Mission Wings، أوضحت أنه في بلغاريا كانت هناك العديد من التحقيقات مع ضباط شرطة الحدود الذين شاركوا في مخططات تهريب المهاجرين والاتجار بهم.
ويعد دفع الرشاوى للشرطة البلغارية أمرًا شائعًا، ولكن الأمر الأكثر شيوعًا هو دفع الرشاوى لأطراف ثالثة. يشمل هذا عادةً شخصًا مرتبطًا بالشرطة، مثل رجال شرطة سابقون، أو أقارب رجال شرطة، أو مجرمين عملت معهم الشرطة في الماضي.
ويقول كراسيمير كانيف، رئيس لجنة هلسنكي البلغارية "يمكن أن يكون أي شخص، الفساد عند المعابر الحدودية يمثل مشكلة كبيرة جدًا في بلغاريا". ويضيف رئيس المنظمة الحقوقية التي يوجد مقرها في صوفيا خلال حوار له مع موقع مهاجر نيوز "لا يقتصر الأمر على ضابط شرطة واحد فقط - بل العديد منهم ممن يتقاسمون الرشاوى"، معتبرا أن الفساد عبر الحدود هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل أعداد الوافدين غير القانونيين على البلد في ارتفاع دائم.
إن الفساد بين رجال السلطة يساهم في ازدهار أعمال شبكات التهريب في البلاد، التي أصبحت دولة عبور ذات شعبية كبيرة بسبب الفساد المستشري فيها. يعمل أشخاص في مناصب السلطة مع المهربين على نقل المهاجرين إلى بلغاريا ومنها، وعادةً ما تكون الوجهة النهائية لهم هي أوروبا الغربية أو الوسطى.
كيف تعمل شبكات التهريب؟
مارين نيكولوف صحفية استقصائية بلغارية تعمل لدى محطة الإذاعة المحلية الخاصة bTV في العاصمة صوفيا. وفي مايو/أيار، عثرت هي وزميلها على بعض مقاطع الفيديو على تطبيق "تيك توك" تظهر رجلاً يقطع السياج على الحدود البلغارية التركية.
تحكي نيكولوف لمهاجر نيوز أن الشخص الذي يلقب نفسه بـ "البارون الكردي" يقوم بنقل الناس إلى بلغاريا، وأنه يعلن كل يوم عن رحلة جديدة، مقابل 150 يورو (161 دولارًا). وقد تعاونت نيكولوف مع شخص يتحدث العربية للتخفي، وأجرت مكالمة هاتفية مع البارون الكردي.
وقال نيكولوف: "لست متأكدة إن كان هو نفسه من أجاب على الهاتف، لكن رجلاً شرح لنا باللغة العربية الخدمة التي يقدمها، وهي نقل بشكل غير قانوني من بلغاريا إلى ألمانيا". "نقل شخصين من بلغاريا إلى ألمانيا سيكلف 5000 يورو، إما عن طريق الحدود مع رومانيا أو الحدود مع صربيا، ودفع المبلغ سيكون في المكتب في العاصمة صوفيا"، هذه خلاصة الخدمة حسب الصحفية.
"تقع هذه المكاتب في وسط العاصمة صوفيا، وهي متاجر صغيرة لأنشطة تجارية لا صلة لها بالتهريب والسفر"، تقول مارين نيكولوف.
يحصل المهاجرون الطامحون الذين يأملون في مواصلة الرحلة إلى بلد آخر في أوروبا على رمز رقمي في أحد هذه "المكاتب" بمقابل، وأوضحت الصحفية أن المهاجر يمرر هذا الرمز إلى المهرب، الذي يتصل بعد ذلك بشخص ما في "المكتب" للحصول على الأموال حتى يتمكن من القيام بالرحلة.
يعد المهربون المهاجرين بتوفير المأوى وجعل الرحلة مريحة قدر الإمكان. وأوضحت نيكولوف أنه "لسوء الحظ، لا يحدث هذا في كثير من الأحيان. غالباً ما يتعرض المهاجرون إلى مشاكل خلال الطريق، وعدد هائل منهم يتم احتجازهم عندما يحاولون الدخول لدول أخرى".
أسرار العصابات مكشوفة في بلغاريا!
حسب الصحفية نيكولوف يمكن لأي شخص التواصل مع المهربين عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، "فلماذا لا تتصل المديرية العامة لمكافحة الجريمة المنظمة هاتفيا بهم، وتصل إليهم للقضاء على هذا النشاط غير القانوني"، مضيفة أن "وزارة الداخلية لا تفعل شيئا، وأن هناك "مظلة حماية من الأعلى موفرة لشبكة تهريب البشر في بلغاريا. ومن المحتمل بنسبة 90 بالمئة، أن بعض المسؤولين الذين يعملون لدى السلطات يتسترون على المهربين. لكن نيكولوف أشارت إلى أنه ليس من الصحيح "انتقاد الشرطة فقط حول كل التسيب، لأنهم يجدون صعوبة في القيام بعملهم بسبب التدفق الهائل للمهاجرين نحو بلغاريا".
العام الماضي، قدرت عمليات صد المهاجرين بنحو 5270، وأثرت على 87650 شخصًا على الحدود البلغارية التركية، وفقًا للجنة هلسنكي البلغارية، كما يعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير. وهذا الرقم هو تقريبًا ضعف العدد المسجل في عام 2021 – أي حوالي 2510 عملية صد شملت ما يقرب من 45000 شخص. وفي عام 2020، أفادت اللجنة أن حوالي 15,170 شخصًا قد تأثروا من عمليات الصد.
لكن في بلغاريا تصدر "أحكام مخففة" على المهربين حسب نيكولوف"هناك نوع من الإفلات من العقاب، وأعتقد أن هناك معارضين للتغييرات القانونية التي يراد إحداثها في البلد، ومن الممكن أن يكون هناك أيضًا ضغط من أجل استمرار عصابات التهريب وعملها داخل البلد".
في التهريب "ربح مادي كبير"!
تتفق ماريا تشيريشيفا، وهي صحفية استقصائية بلغارية أيضا مقيمة في العاصمة صوفيا، مع نيكولوف في أن المتورطين في عمليات التهريب لديهم "حافز مهم للغاية" لمواصلة أعمالهم.
وقالت تشيريشيفا لموقع مهاجر نيوز إن "بلغاريا شهدت حالات متعددة لاعتقال حرس الحدود لمشاركتهم في مخططات التهريب على مر السنين، كما تم اعتقال مسؤولين رفيعي المستوى. لكن المشكلة هي أن هذه الجرائم في بلغاريا لا تعقبها عقوبات صارمة".
العثور على جثث في شاحنة!
وفي فبراير/شباط، عثرت الشرطة على 18 جثة لمهاجرين من أفغانستان، من بينها جثة طفل، في شاحنة مهجورة بالقرب من العاصمة صوفيا. وكانت الشاحنة تنقل الأخشاب وتحمل في مقصوراتها نحو 40 مهاجرا. وتم العثور على جميع الناجين في حالة صحية سيئة للغاية وتم نقلهم إلى المستشفى. وقد أصيب بعض الضحايا بالاختناق. وقال مسؤول كبير في الشرطة إن أحد المشتبه بهم الأربعة المحتجزين كان قد حكم عليه بالفعل بتهمة الاتجار بالبشر.
وقالت تشيريشيفا نعقيبا على الأمر "هنا لا يتم التحقيق في التهريب بشكل جيد، إنهم يفلتون من الغرامة ويستمرون في عملهم، فهم يكسبون أموالاً طائلة من هذا العمل". وأشارت الصحفية إلى أن العقوبات الصارمة أيضا لن تضع حدا لهذه العصابات. موضحة أن "المشكلة تكمن في إدارة الحدود بأكملها".
الفساد في مراكز اللاجئين
تلقت منظمة Mission Wings البلغارية غير الحكومية العديد من الشكاوى من المهاجرين حول تعرضهم للابتزاز من قبل الموظفين والمترجمين الفوريين في مراكز اللاجئين. وقالت ديموفا لموقع مهاجر نيوز إن الموظفين اتُهموا بالمطالبة بدفع مبالغ تتراوح بين 50 إلى 750 يورو مقابل نقلهم إلى غرفة أفضل، أو تسريع إجراءات اللجوء أو عملية لم شمل الأسرة.
فلاديسلاف داميانوف هو مدير مشروع في مؤسسة كاريتاس صوفيا الخيرية الكاثوليكية، يعمل مع اللاجئين بشكل منتظم. قال في تصريح لمهاجر نيوز "في بعض الأحيان نتفاجأ بأن بعض الأشخاص يحصلون على وضع لاجئ بسرعة كبيرة على حساب أشخاص آخرين ينتظرون أحيانًا لسنوات".
لم تستجب وزارة الداخلية البلغارية لطلب مهاجر نيوز للتعليق على الفساد في الحدود، وأيضا حول قبول مسؤولين في الدولة والشرطة لرشاوى من المهربين والمتاجرين، والابتزاز والرشوة داخل مخيمات اللاجئين ونظام اللجوء.
وقالت شرطة الحدود البلغارية لموقع مهاجر نيوز إنه لا يمكن الرد لأن الأمر يتعلق بـ "الأمن القومي"، مضيفة أن رئيس شرطة الحدود تم إقالته في بداية الصيف وأن الوكالة تمر بمرحلة انتقالية.