بقاء حياتو على رأس الكاف نعمة أم نقمة على الكرة الإفريقية؟
٨ أبريل ٢٠١٥على غرار ما يقع في بلدان إفريقية كثيرة، حيث يتم تعديل الدساتير للسماح للرئيس بالاستمرار في الحكم حتى آخر يوم في حياته، قام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) بإلغاء بند الحد الأقصى لسن المسؤولين بالاتحاد؛ لتمهيد الطريق أمام الكاميروني "العجوز" عيسى حياتو (68 عاما) للترشح لولاية جديدة.
ويأتي هذا التغيير في لحظة مناسبة لحياتو؛ ففي ظل القانون القديم لن يكون مسموحا له بخوض الانتخابات المقررة عام 2017 لأن عمره عندها سيكون قد بلغ السبعين. ويأتي إلغاء هذا البند أيضا ليمنح حياتو فرصة لتقليص فرص وجود منافس له في الانتخابات المقبلة، لاسيما وأن الكاف أدرج ضمن لوائحه من قبل بندا يقصر حق الترشح لرئاسة الاتحاد الإفريقي على أعضاء اللجنة التنفيذية بالاتحاد، وهي القاعدة التي لا تتواجد في لوائح الاتحاد الدولي للعبة. ويثير استمرار حياتو على رأس هرم الكرة الإفريقية الكثير من التساؤلات، فهو يقود دفة الكرة في إفريقيا منذ 27 عاما. وهذا يجعل الكثير من المتتبعين للشأن الكروي الإفريقي يرغبون في إسناد المهمة لوجوه أخرى تحمل معها دماء جديدة للكاف.
بدأت قصة حياتو مع قيادة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم سنة 1988 بالمغرب، حينما انتخب رئيسا لذلك الاتحاد. ومن المغرب أطلق حياتو، الذي يعد من أعيان مدينة غاروا الكاميرونية تصريحه الشهير: "إن الله اختارني لرئاسة الكاف". تصريح لم يؤخذ بمعناه الكامل آنذاك، قبل أن تكشف السنوات أن رئيس الكاف لن يتنازل عن عرشه أبدا، وهو الذي يقول عنه الكاميرونيون إنه "ولد أميرا.. ويطمح ليصبح ملكا".
حكم حياتو دهاليز الكاف بيد من حديد منذ تلك الفترة، ولم يجد أي صعوبات لتجديد عهدته الرئاسية، الأولى في داكار السنغالية سنة 1992 والثانية في جوهانسبرغ سنة 1996. وفي تونس 2004. ثم كشف عن نيته في عدم التخلي عن كرسيه، حيث تم إلغاء بند خاص بتحديد عدد الولايات المسموح بها في رئاسة الكاف ليعاد انتخابه لخمس سنوات، أي بزيادة سنة عن المعتاد، بعد أن قرر الكاف إجراء الانتخابات في السنوات الفردية كتاريخ إجراء دورات الكأس الإفريقية. وفي 2009 انتخب حياتو لعهدة خامسة. وبعد أن كان الرجل الأول في الكاف يواجه منافسة حقيقية من الإيفواري جاك أنوما في انتخابات 2013، تقدم رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم محمد راوراوة بمشروع قانون يقضي بحصر المرشحين لرئاسة الكاف، في أعضاء اللجنة التنفيذية، وهو ما لم يكن متوفرا في جاك أنوما لتستمر بذلك سلطة حياتو على جهاز الكاف لأكثر من ربع قرن.
انتقادات شديدة لحياتو
يتعرض الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بشكل عام ورئيسه عيسى حياتو بشكل خاص للكثير من الانتقادات من بينها الرشوة، في عدة ملفات أبرزها ملف مونديال قطر 2022، وملف حقوق البث التلفزيوني، فقد اعترف حياتو أن الأموال التي تلقاها من مؤسسة "اي اس ال" التي أفلست سنة 2001، والمقدرة بـ 100 ألف فرنك سويسري كانت مجرد "تمويل"، لاحتفالات الكاف بذكراها الأربعين.
كما يؤاخذ على حياتو، الذي يرأس أكبر هيئة كروية في القارة السمراء عدم مبالاته في بعض الأحيان بما يجري على أرض الملعب، حيث رصدته كاميرات التلفزيون في أكثر من مرة وهو يغط في نوم عميق في وقت تكون فيه المباريات جارية. ويواجه حياتو أيضا انتقادات بسبب الطريقة التي يتم بها منح تنظيم بطولة أمم إفريقيا، حيث يتهم بأنه يمنحها للدول الأكثر ولاء بدلا من الدول الأكثر استعدادا.
وأثار منحه شرف تنظيم "كان 2023" لغينيا أكثر من علامة استفهام. فالبرغم من أن الملفات التي تم إيداعها كانت تخص دورتي 2019 و2021، لكن حياتو فاجأ الجميع بالإعلان عن البلد الذي سينظم نسخة 2023، واختار أعضاء المكتب التنفيذي غينيا، البلد الذي يعاني من وباء "إيبولا" والذي لم تزره لجنة "كاف" لتفقد المنشآت الرياضية والفنادق مثلما تنص عليه القوانين.
ويرى النقاد أن اكتفاء المكتب التنفيذي لـ"كاف" بسماع مداخلة مسؤولين كبار من غينيا مدافعين عن ملف بلدهم، الذي تم إيداعه في آخر لحظة "في الخفاء" خلال الاجتماع المنعقد في إثيوبيا، دون إيفاد لجنة تفتيش إلى هذا البلد ودون أيضا الإعلان صراحة على أن دورة 2023 مطروحة للنقاش أيضا ، يشير إلى حرص حياتو على مجاملة نائبه الثاني الغيني كابيلي كامارا، الذي يعتبر، رفقة السيشيلي سوكيتو باتل، الرجل القوي الذي يثق فيه حياتو.
إنجازات مهمة لعيسى حياتو
رغم كل هذه الانتقادات لا يستطيع أحد أن ينكر الطفرة التي شهدتها الكرة الإفريقية في حقبة حياتو، حتى ارتفع عدد المنتخبات الإفريقية المشاركة في كأس العالم من منتخبين فقط إلى خمسة، كما نالت في عهده إفريقيا شرف تنظيم كأس العالم لأول مرة في تاريخ القارة السمراء وكان ذلك في جنوب إفريقيا 2010. وتمكن "حياتو" خلال الفترة التي ترأس فيها الكاف من النهوض بالكرة الإفريقية، حتى أصبحت كأس الأمم الإفريقية ثالث أهم بطولة كروية في العالم بعد كأس العالم وبطولة الأمم الأوروبية.
إضافة إلى ذلك نجح حياتو في أن يبلغ العالمية عندما أصبح في عام 1992 نائبا لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وظل يسعى إلى منصب الرجل الأول في إمبراطورية كرة القدم وترشح لرئاسة الفيفا في مواجهة بلاتر فى عام 2002، إلا أن الإمبراطور الأكبر في الكرة نجح في إيقاف الكاميروني عند هذا الحد.
هل يترشح روراوة لرئاسة الكاف؟
بينما كانت كل المؤشرات ترشح نيل الجزائر شرف تنظيم بطولة أمم إفريقيا 2017، قررت اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي برئاسة حياتو في خطوة مفاجئة منح الغابون تنظيم البطولة. وكانت وسائل إعلام جزائرية وعربية قد أشارت في وقت سابق إلى أن رئيس الاتحاد الجزائري محمد روراوة مهد الطريق أمام استضافة بلاده للبطولة من خلال استجابته لرغبة حياتو في الانسحاب من انتخابات عضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم، علما بأن روراوة البالغ من العمر 67 عاما كان من بين أربعة مرشحين يتنافسون عل مكانين في اللجنة التنفيذية.
وكان روراوة قد انتخب كواحد من ممثلي إفريقيا الأربعة في اللجنة التنفيذية الدولية قبل أربع سنوات ليصعد بسرعة سلم الهرم القيادي ويبدأ النظر إليه على أنه من المرشحين المحتملين لقيادة الاتحاد القاري في المستقبل.
لكن يبدو أن انسحاب روراوة من انتخابات اللجنة التنفيذية للفيفا لم يكن كافيا لإقناع حياتو بمنح تنظيم بطولة أمم إفريقيا للجزائر خصوصا بعد ورود أنباء عن نية رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم في الترشح لمنصب رئاسة الكاف في الانتخابات المقبلة وإزاحة حياتو من عرشه، حيث ذكرت تقارير صحفية جزائرية، أن روراوة يفكر فى الترشح لرئاسة "الكاف" أمام حياتو، حال عدم إسناد البطولة للجزائر. فهل يقدم روراوة على هذه الخطوة وينجح في إزالة إمبراطور إفريقيا عن عرشه بعد أكثر من ربع قرن من الحكم؟