بغداد – ميليشيات تخطف مواطنين وتطلق سراحهم مقابل فدية
٢ سبتمبر ٢٠١٤بعد أيام قليله من الإفراج عن أحد أبناء كامل الداوودي من قبل خاطفيه مقابل مبلغ 50 ألف دولار، عكفت العائلة على توضيب أغراضها استعدادا للرحيل، كما علقت لافتة "منزل للبيع" على واجهة منزلهم الواقع في حي المنصور الراقي ببغداد.
يقول كامل الداوودي لـ DW/عربية: "إنها تجربة مرّه، خرج ابني للتسوق من المركز التجاري القريب من منزلنا ولم يعد. جاءني اتصال من هاتفه، غير أن المتحدث كان شخصا آخر، حيث قال بأنه عنصر في ميليشيا، وطالب بفديه قدرها 100 ألف دولار مقابل إطلاق سراح إبني".
ويضيف الأب قائلا: "بعد مفاوضات معه لعدم امتلاكي ذلك المبلغ وافق المتحدث على تخفيض الفدية الى النصف على أن تتم عملية التسليم في اليوم الثاني، وحذرني من إبلاغ الشرطة، كما هدد بقتل ابني إن قمت بذلك".
عاش أفراد عائلةً كامل الداوودي ذلك اليوم في مناخ ذعر شديد لأنهم لم يكونوا متأكدين من إمكانية إطلاق سراح ابنهم، خصوصا وأنهم سمعوا عن حالات مشابهة، تشير الى أن الخاطفين غالبا ما يقتلون مخطوفيهم بعد الحصول على الفدية.
في أحد الشوارع الذي حدده المسلحون لتسلم مبلغ الفدية اقتربت سيارة تكسي صغيرة صفراء، لا تحمل لوحات رقم التسجيل، وسلم كامل مبلغ الفدية ، وبعد ساعات تم إطلاق سراح ابنه.
قرررت عائلة كامل مغادرة العراق دون عودة، واختارت تركيا كمحطة أولى في بحثها عن مكان آمن، وهي تفكر في التسجيل لدى منظمة الهجرة الدولية وعدم العودة الى العراق في الوقت الراهن.
العشرات من عمليات خطف مشابهة تتم حاليا في بغداد، حيث إن الحكومة منشغلة بالحرب الدائرة مع تنظيم "داعش" على خطوط تماس تمتد من الموصل وصلاح الدين شمالا وديالى شرقا والانبار غربا، خصوصا بعد نجاح التنظيم في السيطرة على أجزاء واسعة من المناطق والمدن بعد العاشر من حزيران (يونيو)الماضي.
خطر "داعش" واقتراب التنظيم من العاصمة بغداد دفعت بالمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الى الدعوة للجهاد، غير أن هذه الدعوة كانت فرصة للعديد من الميليشيات التي كانت تعمل بسريه أوبمهام محدودة للظهورعلنا في الشوارع والتجوال بحرية كاملة، دون مراقبة أفرادها، باعتبارهم متطوعون لمحاربة "داعش".
سيارات معتمة الزجاج
التعرف على الميليشيات المنتشرة في شوارع بغداد ليس بالأمر الصعب، حيث إن عناصرها يرتدون ملابس عسكرية من دون الإشارة إلى الرتبة، كما يقودون غالبا سيارات مدنية معتمة الزجاج، رغم أن تعتيم الزجاج ممنوع قانونيا عدا لكبار المسؤولين.
وهم يتواجدون في نقاط التفتيش الأمنية الرسمية أو قرب الأسواق والإحياء، ومهمتهم المراقبة، لكن غياب الضوابط والمتابعة يدفع بعدد منهم لتجاوز مهمتهم الأمنية والقيام بمهام نفعيه شخصية تهدف كثيرا ما إلى سلب أموال الناس.
ويؤكد محافظ بغداد علي التميمي أن مجلس المحافظة يتلقى العديد من التبليغات بانتشار حالات خطف في بغداد، ويصرح في لقاء ل DW/عربية أن هناك "ميليشيات تقوم بعمليات الاختطاف بكل أسف مستغلة غياب الرقابة الحكومية وامتيازات ممنوحة لهم".
ويضيف المحافظ أن "حالات الاختطاف شملت العديد من المناطق وأن الغرض منها هو الحصول على أموال"، معتبرا أن "تصرفات هذه الميليشيات لا تقل خطرا عن تنظيم "داعش"، وكلاهما يسعيان لتعكير صفو الأمن المجتمعي في مدينة متنوعة مذهبيا وقوميا".
جهاز "آيفون" لإسكات الميلشيات
إضافة الى ظاهرة الخطف هناك ظاهرة أخرى تتمثل في قيام بعض عناصر الميليشيات بتهديد عدد من العائلات ومطالبتهم في بعض المناطق بترك منازلهم. ويتضح فيما بعد أن الغرض من تلك التهديدات هو الحصول على مبالغ مالية أو أغراض عينية، مقابل إلغاء التهديد.
تنتشر في منطقة المحمودية جنوب بغداد القريبة من خطوط تماس بين القوات الأمنية والمتطوعين من جهة وبين مسلحي تنظيم "داعش" من جهة أخرى، العشرات من عناصرالميليشيات المتعاونة مع قوات الجيش النظامية. وتعتبر المحمودية من المناطق الساخنة وغالبا ما تشهد تفجيرات واغتيالات.
ويحكي أبو كمال المحمدي، احد سكان المنطقة لـ DW/عربية أن "احد عناصر ميليشيا لا يتجاوز عمره 20 عاما قام قبل أيام بإبلاغ عدد من العائلات في منطقتنا - بينهم عائلتي – بالرحيل عن المنطقة وأنه غير مرغوب فينا، دون توضيح الأسباب". ولم تكن الشرطة عن علم بذلك. وحسب أبو كمال، فإن الشرطة قد تتهم من قدم شكوى ضد متطوعين بأنه متعاطف مع "داعش".
ويضيف أبو كمال "لم تعد لدي القدرة على مغادرة منزلي، وقررت التحدث مع احد عناصر الميليشيا عن التهديد، وفعلا التقيت بأحدهم، يقف في بداية الشارع الرئيسي بالمنطقة، وابلغني بضرورة إعطائه جهاز هاتف من نوع أيفون مقابل إلغاء التهديد، وفعلا قمت بذلك لتلافي المخاطر ومتاعب النزوح خارج منطقتي ومنزلي".
رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة حيدر العبادي هو عن علم بتجاوزات المتطوعين وغيرهم من عناصر الميليشيات، حيث اعتبر في أول مؤتمر صحافي له بعد تكليفه في 25 من الشهر الماضي: " إن السلاح يجب أن يبقى بيد الدولة، ولا مكان لأي جماعة مسلحة سواء كانت ميلشيات أو عشائر أو حشدا شعبيا".
غياب الاستقرار الأمني والسياسي
الخبير الأمني عبد الكريم الربيعي عبر عن اعتقاده أن "تجاوزات بعض المتطوعين على الأهالي، مثل الخطف أو التهديد، أمر لايمكن استغرابه، لان عملية تجنيد هؤلاء تمت بشكل غير صحيح"، مشيرا إلى أن "غياب الاستقرار الأمني والسياسي يحول دون معالجة الظاهرة التي غالبا ما تكون فردية".
وأضاف الربيعي لـ DW/عربية أن "خطة رئيس الوزراء المكلف العبادي بمنع المظاهر المسلحة تحتاج الى وجود توافق سياسي وطني وإلى ضرورة إدماج عناصر تلك الميليشيات في صفوف القوات الأمنية أو منحهم وظائف مدنية حسب كفاءتهم. فأغلب هؤلاء قرروا العمل مع الميليشيات مجبرين لأنهم عاطلين عن العمل".