بعد موت القذافي .. هل بدأت تحديات ليبيا؟
٢٣ أكتوبر ٢٠١١مفاجأة وفرحة عارمتان، هذا هو أول ما شعر به كل مواطن ليبي عندما سمع بنبأ قتل العقيد معمر القذافي، الذي حكم البلاد لمدة 42 عاماً وأدخلها في دوامة حرب طاحنة على مدى الثمانية أشهر الماضية – الفرحة لانتهاء الحرب أخيراً، والمفاجأة لعدم تصديقه أن القذافي رحل عن هذا العالم.
مشاهد الاحتفالات الصاخبة التي عمت كبرى المدن الليبية، كانت أكبر دليل على فرحة الليبيين بالخروج من حقبة العقيد، فيما أعلن بعضهم أن الحرب قد انتهت وأن عهد ليبيا الجديدة قد بدأ، في تلميح إلى أن قتل القذافي كان العائق الوحيد أمام بدء عملية إعادة البناء في البلاد.
لكن هل يعتبر موت القذافي آخر التحديات أمام الليبيين أم أولها فقط؟ أحد الأسئلة التي تمت مناقشتها في برنامج "كوارديغا" الحواري الذي تبثه قناة دويتشه فيله عربية. وحول هذا السؤال يقول الصحفي المصري ومراسل قناة "العربية" السعودية في برلين، أنيس أبو العلا، إن القادم هو الأصعب، "فغياب القذافي يترك بلداً بدون بنية أساسية، ولا يوجد خط سياسي واحد يوحد المجموعات المختلفة في ليبيا. المشكلة هنا هي كيف يمكن الخروج من معمعة التجزئة السياسية والجغرافية للثوار إلى ليبيا ديمقراطية؟"
أهم الأولويات: توحيد الخط السياسي وجمع السلاح
وبالنظر إلى أن عدد المجموعات المشاركة في الثورة وتوجهاتها السياسية المختلفة، وإلى أن القاسم المشترك بينها هو معارضتها لنظام القذافي، يمكن تصور أن الصراع على المناصب وعلى توزيع الكعكة السياسية في ليبيا قد بدأ بالفعل بعد رحيل العقيد، خاصة وأن من قاموا بجلّ العمل العسكري كالمجموعات الإسلامية سيطالبون بنصيب أكبر من "السياسيين"، ممثلين بأعضاء المجلس الانتقالي، بحسب مراقبين.
أما الصحفي الألماني والخبير في شؤون الشرق الأوسط، شتيفان بوخن، فأكد أن أهم أولويات السلطات الليبية الجديدة هي جمع الأسلحة الموجودة بيد الثوار، والتي بات حجمها كبيراً للغاية. وأضاف بوخن أن المحاولات الأولية للمجلس الوطني الانتقالي لجمع الأسلحة بعد تحرير العاصمة طرابلس باءت بالفشل، "وبدلاً من ذلك بدأ المجلس بتوزيع رخص حمل سلاح على كل ثائر".
من جانبه أكد الصحفي في دويتشه فيله خالد الكوطيط، الذي كان متواجداً عند سقوط طرابلس، أن الثوار الذين تحدث معهم أعربوا عن صعوبة العودة إلى حياتهم السابقة بعد تذوقهم العمل الثوري، وأنهم مستعدون لخدمة البلاد في مناصب أخرى مرتبطة بالثورة. إلا أن هذا سيؤدي إلى إهدار الكثير من الكفاءات المحلية، لاسيما وأن عدداً كبيراً ممن حملوا السلاح ضد القذافي حاصلون على شهادات جامعية.
المصالحة ودور الإعلام في التوعية
ومن التحديات التي تواجه ليبيا ما بعد القذافي مسألة المصالحة مع فلول النظام السابق، وهو موضوع أكد شتيفان بوخن ضرورة إجرائه على عجل، خاصة وأن "المحاكم (التي ستقوم بمحاكمة أفراد نظام القذافي) ستكون جزءاً مهماً من جهود المصالحة". لكن المجلس الانتقالي سيكون مطالباً في الوقت نفسه بالحزم في مسألة عمليات الانتقام، بالإضافة إلى تحديد المعايير الخاصة بمن يجب محاكمته من موظفي النظام السابق.
موضوع المصالحة أثار اهتمام المشاركين في النقاش حول هذا الموضوع على صفحة دويتشه فيله في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إذا أكدت سعيدة بن حمادي أن "على السلطات الليبية الجديدة أن تحول اللجان الثورية إلى لجان ومجالس للمصالحة بين كافة مكونات الشعب الليبي، لأن هذا الشعب يعاني من الدمار الحربي والنفسي، خاصة التهجير وسنوات القحط والجهل الفكري فإنه من الضروري ... حث مختلف القبائل على نزع فتيل البغضاء والتفرقة بين الشعب الليبي وأن يتجاوزوا التصفيات الحسابية على أجساد بعضهم البعض".
أما أنيس أبو العلا عاد وأكد على ضرورة إيجاد خط سياسي يضع حداً لما أسماه بـ"شرذمة التجمعات الموجودة حالياً في ليبيا، التي يمكن أن تحلم بفرض سيطرتها على المجموعات الأخرى. ونأمل أن يتمكن المجلس الانتقالي من إقناع هذه المجموعات بالتزام خط سياسي واضح لها".
وهنا يبرز دور الإعلام في توعية المواطن الليبي بحقوقه وواجباته السياسية، إذ يشير الكوطيط إلى أن الليبيين ليسوا مستعدين بعد للمشاركة في العملية السياسية، لأن "ليس لديهم فكرة عنه، والدليل أن الشعب أعطى ثقة كبيرة للمجلس الانتقالي، وهي عادة موروثة عن النظام القديم، فالناس عندها انطباع بأن الدولة ستقوم بكل شيء لهم".
أوروبا وحلف الأطلسي مطالبان بدعم ليبيا
وفي هذا الإطار يطالب الصحفي شتيفان بوخن الدول الأوروبية التي دعمت الثوار الليبيين في حربهم ضد القذافي أن تقوم بدعم جهودهم لإعادة بناء البلاد، وذلك عن طريق مشاركة خبراتهم مع السلطات الليبية الجديدة وتقديم المساعدة لهم على طريق التحول الديمقراطي. إلا أنه حذر الشركات النفطية الأوروبية من العودة إلى الممارسات التي كانت تتبعها إبان نظام القذافي، لاسيما دفع رشاوي لكبار الموظفين مقابل الحصول على امتيازات نفطية، مطالباً هذه الشركات باحترام مستقبل ليبيا ومصلحة مواطنيها.
وأشار أحد المشاركين في النقاش على الإنترنت، وهو المستخدم "Plsk Brahim" إلى أن "مهمة الناتو لم تنته وإن المجلس الانتقالي بعيد كل البعد من النواحي التنظيمية وفرض السيطرة الأمنية، والدليل على ذلك مقتل القذافي بعد أسره حياً ... سوف يضطر الناتو للتواجد حتى يفرض الأمن بالقوة على الميليشيات والعناصر المسلحة التي سوف تشكل تهديداً قوياً للمصالح الغربية والأوروبية في شمال أفريقيا ودول الساحل، وحتى داخل أوروبا".
وبهذا يتفق المشارك مع قاله أنيس أبو العلا بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) مطالب أيضاً بتقديم الدعم والمشورة لليبيين، موضحاً بأنه على الرغم من انتهاء دور الحلف هناك عسكرياً، إلا أن دوره السياسي هناك على وشك البدء. وأكد أبو العلا أن موت القذافي بعث برسالة قوية إلى بقية الأنظمة العربية المستبدة، مفادها أن يتخلوا عن مناصبهم قبل أن يحلّ بهم ما حل بمعمر القذافي، ولكي يجنبوا شعوبهم ويلات حرب طويلة ومدمرة.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: عماد غانم