بعد شهرين على الزلزال.. جندريس السورية ما تزال تبحث مفقودين
٢٣ أبريل ٢٠٢٣
عندما كان مشير شيخو وزوجته ديلشان وأطفالهما يستعدان لمغادرة المنزل والبحث عن مكان آمن للاحتماء من الزلزال في مدينة جنديرس شمال غرب سوريا، وقعت الكارثة، كما يوضح مشير شيخو "لقد شعرت كيف بدأت الأرض تتحرك وبعدها سقط حائط البيت". بعدها لم يتذكر شيخو شيء سوى استقاظه من الغيبوبة بالمستشفى.
في السادس من فبراير/شباط 2023 على الساعة 4:17 صباحا ضرب زلزال بقوة 7.7 درجة جنوب شرق تركيا وخلف خسائر كبيرة في الأرواح وحول المباني لأنقاض. وتلى ذلك في نفس اليوم زلزال آخر بقوة 7.6 درجة وبعدها هزات أرضية عديدة.
بلغ العدد الرسمي للضحايا الذي فقدوا أرواحهم جراء هذا الزلزال في تركيا 50 ألف قتيل. أما في شمال سوريا فبلغت التقديرات 7000 قتيل. بيد أن الخبراء يتوقعون أن يكون العدد الحقيقي للقتلى في البلدين أعلى بكثير. وخاصة في سوريا التي افتقدت لمعدات حديثة للإنقاذ مما جعل الكثير من المساعدين يعتمدون على سواعدهم في انتشال الضحايا من تحت الأنقاض.
أقارب في عداد المفقودين
بدورها لم تنج عائلة شيخو بكاملها من الزلزال ولا يوجد تقريبا أحد في جنديرس لم يتضرر من الزلزال الذي خلف دمارا غير مسبوق بالمنطقة. فـ 60 بالمائة من المباني بالمدينة تحولت إلى أنقاض، كما أن 90 بالمائة من المباني كلها تعرضت للأضرار حسب منظمة أطباء بلا حدود. وتشير التقديرات إلى أن 90 بالمائة من سكان شمال غرب سوريا بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.
تقول الباحثة السياسية رضوى خالد إبراهيم، التي تعمل كمسؤول إغاثة طارئة في منظمو ميديكو إنترناشونال، إن معظم الناس في جندريس يعيشون بالخيام في ظروف صعبة. ومن لم يفقد منزله وممتلكاته فهو أصبح عاطلاً عن العمل أو لديه أقارب ما زالوا مفقودين، مثل مشير شيخو البالغ من العمر 35 عاما والذي لا يزال يبحث عن ابنه المفقود حتى اليوم.
يعاني شيخو منذ الزلزال من خلل في الذاكرة. فهو لم يعد يتذكر كل الأشياء وأصبح ينسى باستمرار حتى الأحداث الجديدة. لم تخبره عائلته بوفاة زوجته ديلشان واثنين من أطفاله الأربعة إلا في الأسابيع الأخيرة. وتقول أخته انتصار "كنا خائفين من أن يؤثر ذلك على صحته المتدهورة أصلا". وتضيف "كنا مضطرين لأخذه للمقبرة حتى يصدق أنهم ماتوا". قبور عائلة شيخو تتواجد بين عشرات القبور والتي لا يحمل بعضها أي اسم في مقبرة جنديرس.
وتواجه عائلة شيخو تحدي آخر يثمل في فقدان ابنها مصطفى البالغ من العمر 13 عاما، والذي لم يعثر عليه لحد الآن. وتقول انتصار "عندما كنا جالسين بجانب سرير شيخو خلال إقامته الأخيرة في المستشفى شاهد على هاتف ابنه الأكبر فيديو لأبنه مصطفى المفقود وبدأ في السؤال عنه". ونصح الأطباء العائلة بعدم إخفاء الحقيقة على شيخو.
غياب الدعم النفسي لضحايا الزلزال
تقول انتصار "كانت صدمة كبيرة لأخي مشير، فقد أصيب بانهيار عصبي". ولأنه يعاني من مشاكل في الذاكرة فإنه ينسى أحيانًا وفاة معظم أفراد عائلته وأن ابنه لا يزال مفقودًا. "لكن عندما يتذكر، يكون الأمر سيئًا للغاية." وتوضح الخبيرة رضوى خالد إبراهيم أن هياكل الدعم النفسي والاجتماعي تكاد تكون منعدمة . وحتى الكفاءات المتخصصة الموجودة بالمنطقة فهي تركز جهودها في الغالب على الأطفال مما يؤدي إلى وجود نقص كبير في تقديم الدعم النفسي للبالغين.
رغم مرور أزيد من شهرين على الزلزال المدمر تواصل عائلة مشير البحث على ابنها مصطفى المفقود. ويعولون على مساعدة الدوائر الرسمية في مدينة جنديرس. فإدارة المدينة التي تتولى بالاتفاق مع المنظمات الدولية الإشراف على توفير المياه والخدمات الصحية تقوم أيضا منذ الزلزال بتوثيق الجثث التي يصعب معرفة هويتها.
ويقول يزن الناصر، مدير المجلس البلدي بالمدينة "نحاول توثيق كل الأشياء والتقاط صور للجثث قبل دفنها. لكن بعضها يكون مشوها بشدة لدرجة يصعب علينا التعرف عليها". ويؤكد الناصر "سنواصل البحث عن المفقودين ".
لغاية عام 2018، كان المقاتلون الأكراد هم من يسيطر على جندريس، قبل أن يبسط مقاتلو المعارضة المدعومون من تركيا يدهم على المدينة.
البحث عن الابن المفقود متواصل
تتلقى عائلة شيخو على غرار الكثير من العائلات باستمرار صورا لجثث للتأكد من وجود ابنهم مصطفى من بينها. رؤية هذه الصور في حد ذاته يشكل تحديا للعائلة يتجدد كل مرة. فهم لا يريدون فقدان الأمل في العثورعلى مصطفى المفقود.
حتى اليوم لا يزال الوضع الصحي لمشير غير مستقر. فالبيت الذي بناه بيده تحول إلى أنقاض ودمار. كما أنه يحن لزوجته وأبنائه الذين ماتوا في الزلزال. ويحاول أقاربه الاعتناء به قدر الإمكان وفي نفس الوقت مواصلة البحث عن مصطفى على أمل العثور عليه حيا أو على الأقل العثور على جثثه لدفنها إلى جانب قبر أمه وأخواته.
ديانا هودالي/عمر البم/هـ.د