بعد خمس سنوات.. أسباب "الحصاد المر للربيع العربي"
١٥ يناير ٢٠١٦DW: في بداية عام 2011 انطلقت موجة من الاحتجاجات اجتاحت أجزاء كبيرة من العالم العربي، ووصلت النزعة الثورية حينها إلى تونس، ومصر، والبحرين، وليبيا، واليمن، وسوريا. غير أن النشوة التي رافقت تلك الاحتجاجات في الشوارع والساحات تحولت إلى خيبة أمل. فهل هناك بلد نجحت فيه الثورة، وأصبحت فيه أوضاع الناس أفضل مما كانت عليه قبل خمس سنوات؟
تونس هو البلد الوحيد الذي تحقق فيه تقدم كبير. لكن لا أعتقد أنه يمكن القول إن الثورة نجحت هناك، حيث لم تتم الاستجابة لمطالب الثوار، خصوصا المطالب المرتبطة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية. فحتى الآن تعالج تلك القضايا مثل: التوزيع العادل للثروات، والعلاقة بين المركز والأطراف، والرشوة والمحسوبية. ففي هذه المجالات لم يسجل أي تقدم يذكر. ومع ذلك، فتونس هو البلد الذي شهد تحولاً ديمقراطيا بعد الثورة، وأصبح فيه، على الأقل على الورق، نظام سياسي أكثر تشاركية وأكثر شمولاً، وأكثر ديمقراطية من ذي قبل.
لكن الحصيلة في بلدان أخرى مخيبة للآمال. فليبيا انهارت، واليمن وسوريا غارقتان في الحرب، أما مصر فتحولت إلى نظام عسكري دكتاتوري. فهل كان الغرب ساذجاً في دعمه للثورات في تلك البلدان؟
الغرب لم يكن ساذجاً في دعم الحركات الاحتجاجية وعمليات التحول السياسي التي تمت في ذلك الحين. لكن الشيء الذي كان ساذجاً هو التوقع بأن تلك التحولات من شأنها أن تؤدي بسرعة إلى الديمقراطية، وإلى سيادة القانون وإلى الاستقرار. فالغرب كان صائباً في دعم مطالب المحتجين ضد الطغيان، والتمييز العرقي والديني. لكن يمكننا أن نتساءل: هل كان ذلك الدعم كافيا؟. ألم يكن يجب على الغرب وضع بعض الأولويات وتعزيز الدعم لتلك الحركات الاحتجاجية، خصوصا في عمليات التحول السياسي التي تلت الثورات؟.
في أي مواضع تقاعس الغرب فيها بشكل كبير تجاه تلك الدول؟
على سبيل المثال؛ الإشارات التي بعثها الأوروبيون إلى المنطقة لم تكن واضحةً بما فيه الكفاية. صحيح أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء داخل الاتحاد قالت إنها تؤيد الديمقراطية، وسيادة القانون، وما إلى ذلك، لكن وفي الوقت نفسه هي كانت مستعدة للتعاون مع القوى السياسية القديمة أو مع الأجهزة الأمنية، لمنع الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا ولمكافحة الإرهاب، ولدعم قطاع التجارة الخارجية.
هناك تباين من بلد لآخر من بلدان الربيع العربي، لكن هل يمكن تحديد نقطة مشتركة أفشلت الثورات في تلك الدول؟
رغم التفاوتات هناك سمة مشتركة بين تلك الدول، وهي وجود بيئة إقليمية لا توجد لديها مصلحة في أن يكون هناك مزيد من المشاركة السياسية. هذه القوى الإقليمية تحالفت في تلك الدول مع جماعات سعت للحفاظ على قوتها، أو استعادتها بدلا من البدء في القيام بتحول الديمقراطي.
ليكون الحديث واضحا بشكل أكبر، هل يمكن مثلا اعتبار المملكة العربية السعودية بين تلك القوى الإقليمية؟
نعم. فدول الخليج المحافظة، خصوصا المملكة العربية السعودية، دعمت في بعض البلدان القوى التي كانت ضد الثورة والتي ليس لديها أي مصلحة في التحول الديمقراطي. ومع ذلك، فالأمر لا ينطبق على كل مكان، ففي سوريا دعموا المتمردين ضد الحكم القائم (نظام الأسد).
في حالة سوريا الأمر يتعلق بخيار جيواستراتيجيي، حيث ينظر إلى الأسد كحليف لإيران، ولهذا يجب الّإطاحة به من الحكم. أليس كذلك؟
صحيح، ولكن الدافع لا يقتصر على ذلك فقط. فالحد من امتداد إيران هو بالتأكيد أمر مهم بالنسبة للسعودية، تماما كمنع انهيار الأنظمة الصديقة لها، كما كان الحال في البحرين على سبيل المثال، أو منع قيام نظام حكم ديمقراطي في مصر. خصوصا وأنه في الحالة المصرية، يتعلق الأمر بسعي منافس أيديولوجي مهم ليحصل على دور قيادي، هناك، وهم الإخوان المسلمون.
أود أن نركز على مصر لأنه البلد الأكثر كثافة من حيث السكان في المنطقة، ولأن الاحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير لم تحظ بتعاطف غربي. فما هو الخطأ الذي حدث هناك؟ ومن اختطف الثورة؟
الحديث الذي كان لفترة طويلة في وسائل الإعلام والخطاب السياسي عندنا استخدم تعبير: "لقد اختطف الإسلاميون الثورة". وأعتقد أن المسألة فيها سوء فهم، لأن النظام لم ينهار أبدا في مصر. فما حدث هو الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ومحيطه، وحزبه. ولكن أهم أركان النظام ظلت مستمرة وهي الجيش. فبعد تخلص القيادة العسكرية من مبارك ظنت ربما في البداية أنها يمكن أن تستمر عملها بواجهة مختلقة وهي واجهة الحكم تحت قيادة الإخوان المسلمين. لكن عندما أدركوا أن ذلك ليس في صالحهم، أوقفوا ذلك المسعى من جديد.
هل يمكن أن نقول بجرأة إن "الدولة العميقة" نجت من الثورة؟
بالضبط. والدولة العميقة في مصر تتمثل بالدرجة الأولى في الجيش. ولكن يمكن العثور على أتباعها أيضا داخل إدارة الأمن الداخلي، والسلطة القضائية.
أوضاع الكثير من الناس ازدادت سوءاً. لكن في نفس الوقت، فالأسباب التي دفعت قبل خمس سنوات الناس للخروج إلى الشارع باقية. فما هي الأشكال التي يتم بها اليوم التعبير عن حالة التذمر وعدم الرضا؟
حاليا نلاحظ ثلاث ظواهر. أولها هي أن المعارضة تمارس بالقوة وليس بالسياسة. واستقرار دول المنطقة تتزعزع إلى حد كبير. هذا لا ينطبق فقط على البلدان التي تعيش على وقع الحرب الأهلية، ففي مصر يحدث ذلك أيضا. فالعنف لا يقتصر هناك على سيناء، بل يحدث أيضا وسط البلاد. كما أنه توجد مخاطر كبرى تتجلى في عدم الاستقرار والعنف في الدول الأخرى، كالمملكة العربية السعودية مثلا. والظاهرة الثانية أن المزيد من الشباب يصيرون جهاديين. أما الظاهرة الثالثة فهي اختيار العديد من الشباب في المنطقة مغادرة بلدانهم ليجربوا حظهم في أوروبا أو في أماكن أخرى.
الدكتورة موريل أسبورغ، خبيرة في شؤون الشرق الأوسط لدى مؤسسة "العلوم والسياسة" في برلين. ساهمت مؤخرا في تأليف كتاب جماعي صدر في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي تحت عنوان: "الحصاد المر للربيع العربي".